صبيحة كل يوم يرتاد الطرابلسيون الأسواق للتسوق وشراء حاجيات البيت، ويرسم الطرابلسي خريطته قبل خوض هذه المعركة حسب رأيه، والتي ربما عاد منها وحاله على احسن ما يرام.. الاهالي يرتدون ثيابا خاصة بهذا المشوار التسوقي لأن السوق مليء بالاوساخ والمياه الاسنة وطرقات متآكلة من كل الجوانب، عدا عن الحفريات التي تحولت الى مستنقعات تصطاد المارة ايابا وذهابا، اضافة الى ارتداء احذية عالية حفاظا على الصحة.
حال اسواق طرابلس الداخلية هي هي لم تتغير منذ عقود، بل انها تزداد سوءا يوما بعد يوم بسبب عدم الألتفاف الى المشاكل القديمة وحلها فتتراكم المشاكل وتصبح رمزا وطنيا من رموز المدينة..
وتعتبر اسواق طرابلس الداخلية من أكثر المناطق التزاما بالقانون فترى المارة يمشون صفا واحدا لا يزيحون عنه، والويل لمن ترك الصف الطويل عندها يقف طويلا بانتظار دخوله ثانية في الصف.. وكانه لا يكفي معاناة المواطنين في اعمالهم حتى تحملهم زيارة السوق عبئا جديدا على حياتهم، فالفوضى تراها في كل مكان، محلات مخصصة لبيع الخضار فارغة تماما حتى من اصحابها الذين وضعوا جميع الخضراوات امام مداخل المحلات شعورا منهم بالمنافسة امام باقي اصحاب المحلات الذين بدورهم بسطوا بضائعهم امام المحلات ليصبح ممر السوق الصغير والوحيد مكانا للبسطات، لم يتركوا للمواطن حرية انتقاء حاجياته بحرية بل يشبعونه صراخا وضجيجا فيشتري على عجالة ويتوجه الى بيته مسرعا..
لم تنته مشاكل سوق الخضار في طرابلس نهاراً حتى تبدأ ليلاً، حيث يقوم كل صاحب محل بتكنيس وتجميع النفايات امام محله دون ان يضعهم في اكياس حافظة، عدا عن اصحاب محلات اللحومات والاسماك والدجاج الذين يرمون أوساخهم في العراء فتنبعث الروائح الكريهة في السوق ما يشعر الاهالي احيانا بالاختناق. وتبقى اكوام النفايات امام المحلات في السوق مما تمنع المواطنين اختصار طريق بيوتهم بالعبور منه الى ان يحضر عامل البلدية (لافاجيت) ويقوم بتنظيف وانتشال اكوام النفايات دون الاكتراث بما يتعرض له صحيا بعد تحلل النفايات التي تعبق روائحها فتستقطب كل انواع الحشرات والقوارض ، حتى ان اصحاب المحلات لم يفكروا يوما بان يراعوا مشاعر هؤلاء العمال، حتى بلدية طرابلس مرت عشرات السنوات ووضع السوق على حاله حيث البلدية لم تقم بوضع خطة تعيد رونق السوق على ما كان عليه منذ عقود خلت..
كذلك يضم سوق الخضار في منطقة العطارين مساكن شعبية تضم آلاف العائلات الفقيرة التي سكنت هذه المنطقة نظرا لاسعار البيوت الرخيصة فيها، بعدما عجزوا عن استئجار غرفة ومنتفعاتها في قلب المدينة أو شوارعها الحيوية.
لالقاء الضوء على هذه الشريحة المهمشة التقت “البناء” عددا من الاهالي وسألتهم عن معاناتهم اليومية عن الاهمال المزمن في السوق فأجابوا:
خالد حوا قال: نعيش في سوق الخضار منذ أكثر من عشرات السنين، ومضت الايام ولم يتغير شيء والهموم الى المزيد، لا يكفينا وضعنا الذي لا نحسد عليه، لنجد انفسنا أمام مشكلة حلها بات أمراً ملحاً، ففي كل العالم تراها تحرص على صحة مواطنيها، الا هنا، فصحة المواطن بات في آخر سلم اهتمامات الدولة، مشكلتنا ليست كبيرة، وحلها يتطلب تحرك سريع من البلدية ووزارة الصحة بوضع حد لاصحاب المحلات ومنعهم من رمي النفايات، لان الوضع بات لا يطاق.
سليمان عبدو قال: لو حالتي المادية تسمح لي وعائلتي بالمغادرة والبحث عن مأوى جديد ما قصرت أبدا، لكن ما اقوله “بئسا، ما وصلنا له” اولادي يعانون من امراض مزمنة بسبب الروائح التي باتت تعشعش في منازلنا والدواء الوحيد هو الرحيل من هذه البلاد، لو فتحت لنا السفارات الغربية ابوابها”.
خالدية محمد تقول: يوميا أغيب ساعات عن العمل من أجل مرافقة والدتي الى طبيبها والسبب كله خوفا عليها من السقوط على الارض المجبولة بالتراب بسبب تراكم النفايات المنتشرة في كل مكان. وناشدنا كثيرا المعنيين يالامر لكن، هيهات، فآذانهم غائبة عن السمع.. وسألت: لو كان احد المسؤولين يعيش في حارتنا أكان رضي بالامر الواقع؟؟..
الطفل محمد سعيد قال: يوميا أسقط على الارض بسبب الوحول المقدسة في كل مكان، حرام علينا ان نلعب كسائر الاطفال، واذا لم يهتم احد بتنظيف شارعنا لماذا لا يخصصون لنا ملاعب للعب، أين هي حقوقنا؟؟.
وتروي احدى ساكنات الحيّ عن حدث حصل في حارتهم بالقول: فوجئنا مرة بصراخ يأتي من عند جيراننا فهرعنا على الفور للتأكد مما يجري، فشاهدنا النيران تتصاعد من المطبخ، اتصلنا بالدفاع المدني واعلمناه بالامر، بعد لحظات حضر الدفاع المدني الى مدخل السوق وبقي أكثر من ساعتين ينتظر حتى تمكن من الوصول الى مكان الحريق وذلك بعد ان التهمت النيران المنزل بكامله والسبب النفايات المتراكة والبضائع المنتشرة خارج المحلات منعاه من عملية اطفاء الحريق.
دموع الاسمر