“واقع البيئة في المحاكم اللبنانية” عنوان المحاضرة التي نظمتها نقابة المحامين في طرابلس وبالتعاون مع برنامج الامم المتحدة الانمائي في حضور نقيب المحامين انطوان عيروت، رئيس المحاكم الشرعية في طرابلس القاضي سمير كمال الدين، ونائب رئيس بلدية طرابلس جورج جلاد، وعدد من النقباء السابقين وأعضاء المجلس ومحامين.
في البدء، النشيد الوطني ثم ألقى المحامي شوقي ساسين كلمة النقيب أنطوان عيروت تحدث فيها عن الاغاني الهابطة التي تملأ الاسماع والابصار، والتي تصف واقع الحي بعريه الفاضح، وعلق على استبدال اغاني العملاقين الكبيرين فيروز ووديع الصافي بأغان فيها قبح ويستدعي الوجع. وقال في اهل السياسة انهم يرفعون عقائرهم بالجدال حول أولية البشر على الحجر، وأفضلية بناء الانسان على المنشئات، وذكر التلوث الذي استشرى في الكرة الارضية وازدادات مخاطره على الحياة البشرية، متمنيا سعي الانسان الى بناء بيئة حية نظيفة مرتبة.
وقال: ليس اجتماعنا من اجل الندوة القانونية وانما هدفنا هو ايماننا بأنه كما يوجد للانسان حقوق طبيعية نذرنا أنفسنا للدفاع عنها، فإنه يوجد أيضا للطبيعة حقوق إنسانية علينا أن نحميها ونصونها وأبسط حقوق الطبيعة أن نوقف تخريبها ونتركها تحيا وتنمو وتتكون على سنن الأزمنة والقوانين التي إجترحها الواحد الصمد، وهذا يستلزم خطوات عملية تبدأ بمسح شامل للواقع البيئي وتحديد مشكلاته ودراسة وسائل المعالجة، تفعيلا إن أمكن أو إستبدالا، آخذين بعين الإعتبار التطورات الصناعية والتقنية المعاصرة ومدى تأثيرها على خلاف حياتنا وكيفية الحد من الأخطار التي تسببها، وإستحداث أجهزة قضائية وإدارية يناط بها الحفاظ على البيئة سواء عبر التشدد في منح تراخيص الأعمال التي قد تسبب اضرارا بيئية ومراقبة تنفيذ هذه الأعمال أم عبر التشدد في معاقبة كل من يسيىء إلى البيئة بأي وجه من الوجوه.
أضاف: علينا أن ننشر في المجتمع وخصوصا لدى الأجيال الصاعدة ثقافة بيئية واعية تزرع في عقولهم أن الأرض كوكب الحياة ومنزل الآدميين وأن التخريب المتمادي الذي يلحقه الناس بالطبيعة إنما هو في النهاية إنتحار جماعي لأنه يقوض أسس الحياة وعناصر الوجود.
وختم: رغم الأسى البادي على كلماتي أشعر أن في مقدورنا فعل الكثير لإنقاذ هذا العالم منا وأن عندنا من الطاقات ما يدفع إلى الإيمان الوثيق بأن قدرنا في النهاية أن نربح هذه الأرض كي نربح من أجلها السماء.
ثم عرض المحامي ريشار عقيقي بنود مشروع دعم الجهاز القضائي في تطبيق التشريعات البيئية والملخص الإحصائي للاجتهادات اللبنانية المتعلقة بالبيئة والواردة في كتاب واقع البيئة في المحاكم اللبنانية.
بعد ذلك كانت مداخلة للقاضي نبيل صاري حول “النيابة العامة البيئية: واقع وآفاق” قال فيها: يكاد يكون التردي الذي يصيب البيئة، والتدهور الذي يضرب الطبيعة في لبنان، وكيفما توجه المهتمون يمكنهم ملاحظة ارهاصات التدهور البيئي وخراب الحياة الطبيعية اللبنانية، ويكاد التدهور البيئي يشكل القاسم المشترك الوحيد بين كافة شعوب هذا البلد وأخذت التغييرات المناخية والطبيعية تزداد قساوة بفعل التعامل السيء مع العناصر البيئية، ومنها المياه والهواء والأراضي والمساحات الخضراء وخاصة الغابات.
أضاف: لم يكتف التدهور البيئي بتدميره الطبيعة، وذلك في تمركزه حول المدن وفي ضواحيها من خلال غابات الباطون، بل امتد خطره إلى الأرياف وإلى قلب الجبل اللبناني بحيث كاد يتحول إلى كارثة مدمرة. وللأسف فقد اقتصرت المعالجات على محاولة استدراك ما يمكن استدراكه،دون أي محاولة جدية لوضع حلول جذرية للمعضلات البيئية.
وتابع: مما لا ريب فيه ان مرحلة الحرب الأهلية وما استتبعها من مظاهر مسلحة، بشكل أو بآخر، قد أدى إلى تصاعد مظاهر تدمير البيئة وتلويثها في ظل غياب دولة القانون، مما ساهم في القضاء على الجزء الأكبر من المساحات الخضراء، وتلويث العديد من الآبار الجوفية والأنهار، وغياب الرقابة عن الأنظمة الغذائية الصحية، وتدمير الطبيعة الجبلية بمنح عشرات الرخص للمقالع والكسارات بعيدا عن اي تنظيم توجيهي مدني في سيطرة واضحة للنفوذ والمصالح السياسية لخدمة المحاسيب، إضافة إلى الأضرار الناجمة عن حرب تموز 2006 وموجة الحرائق المفتعلة في الصيف الماضي. وحيث انه لا بد لوقف هذا التدهور في البيئة اللبنانية أو الحد من أخطاره، لا بد من إطلاق دور القانون كشرط أساسي لتفعيل أي تشريع بيئي أو غير بيئي.
ثم عرض صاري واقع النيابة العامة البيئية وماهية دورها ومميزاتها ودور كل من وزير العدل والنائب العام التمييزي وكذلك إختصاصات النيابة العامة البيئية في ملاحقة الجرائم البيئية” وخلص إلى التساؤل: “ماذا يستطيع هذا المواطن المقهور أن يفعله تجاه جبروت مخالفي القوانين البيئية وهم عادة أصحاب النفوذ والسلطة والمفاتيح الإنتخابية؟ من هنا كانت حملتنا لاطلاق الحملة الوطنية لتبني إنشاء النيابة العامة البيئية والتي بإمكانها أن تضع بما تملك من سلطات وقوانين، حدا لجشع المخالفين”.
واعتبر ان التطور الذي لحق بلبنان شكل قاعدة أساسية في التغييرات الطبيعية والبيئية، لا بد من دور لدولة القانون كشرط أساسي لتطبيق التشريعات البيئية. لافتا الى انه لا يمكن الركون الى الوضع الحالي للنيابة العامة كقضاء بيئي، وانما انشاء نيابة عامة مركزية كما هي الحال الى النيابة المالية، تؤلف من مدع عام يعاونه بيئي يعاونه عدد من المحامين المتخصصين في هذا المجال.
وركز على ضرورة انشاء ضابطة عدلية (الشرطة الخضراء) تتولى مهامها باشراف النيابة العامة البيئية. وادراج مواد متخصصة في معهد القضاء لتخريج قضاة بيئيين متخصصين يواكبون جميع التشريعات البيئية الدولية وانضمام لبنان الى كل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبيئة ووضع قانون اساسي توجيهي في كل ما له علاقة بالتشريع البيئي.
وأعقب ذلك توزيع كتاب “واقع البيئة في المحاكم اللبنانية” مجانا على الحاضرين.