إستغرب الرئيس نجيب ميقاتي “إصرار البعض على سياسة العناد والمكابرة وتمسك البعض الآخر بطروحاته وباتهامات التخوين التي لا طائل منها، من دون الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن لأحد أن يختزل كل الاراء أو أن يفرض رأيه على مجمل الشعب اللبناني”. وإذ أكد ” أن الغلبة ستكون للاستقرار والتفهم والتعقل، لأن هذا هو الأمر الصحيح والسليم، ولأن هذا ما خبرناه في تاريخنا الحافل بالمحن” سال “لم العودة إذن إلى التجارب الخاطئة ونحن نعرف طريق الصواب بعقولنا وقلوبنا على حد سواء؟”
ورأى الرئيس ميقاتي “أنه من غير المنطقي أن يلجأ البعض، في هذا الجو المشحون، الى الحديث عن تعديلات أو إصلاحات ندخلها على إتفاق الطائف، لأن أي بحث في هذا السياق لن يكون موضوعيا ولا متوازنا، فضلا عما يمكن أن يسببه من خلافات تضاف الى النزاعات الراهنة التي لم ننجح في وضع حد مستديم لها” .
موقف الرئيس ميقاتي جاء في خلال مشاركته في ندوة عن كتاب “طرابلس وتحديات العيش الواحد من خلال والوثائق والسير والتواريخ “التي عقدت في مقر “جمعية مكارم الاخلاق الاسلامية” في طرابلس.
والقى الرئيس ميقاتي كلمة قال فيها :أشعر اليومَ بكثيرِ من الفخر والارتياح وأنا أشارككم في هذه الندوة حول الكتاب الذي ضم أعمال المؤتمر الذي عقد في السنة الماضية بعنوان “طرابلس عيش واحد”، ذلك أن هذه المدينة على الرغم مما تعرضت له من إهمال وما تتعرض له من تشويه بقيت دائماً ، كما أثبتم ، حصناً للعيش الوطني الواحد بين أبنائها وملاذاً آمناً لم تعكره سوى مراحل عابرة في تاريخها. نحمد الله أيها الأخوة إننا ننتمي إلى مدينة تحمل ثقافة الاعتدال والوسطية في عقلها وقلبها وروحها وعيشها وممارستها على رغم كل ما قيل ويقال في بعض وسائل الإعلام التي تظلم طرابلس في الآونة الأخيرة فتشبهها، عن قلة دراية ، تارةً بعاصمة الإرهاب والتطرف، وتارةً أخرى بمدينة اللون الواحد الرافضة للطوائف الاخرى.
أضاف: نقول للجميع بثقة وباعتزاز إن طرابلس شكلت على الدوام مثالا في الانفتاح والاعتدال والوسطية والعلاقات المترابطة بين أبناء الوطن الواحد ، مسلمين ومسيحيين ، كما أظهرتم وبرهنتم في أعمال مؤتمركم وأبحاثكم العلمية والمدعمّة بالوثائق والشهادات الحيّة. طرابلس هذه كانت دائماً، على صورة أهلها وعائلاتها وتاريخها، نموذجاً متقدماً في العيش الواحد، وهذا النموذج يتعرض اليوم للتشويه والتخريب المقصود، كما كل شيء له علاقة بوحدتنا الوطنية في لبنان. لذلك علينا أن نولي المزيد من الاهتمام للعيش الواحد في طرابلس وأن نحميه ونصونه، ففي ذلك الخيار حماية لهوية طرابلس وقيمها ورسالتها التاريخية العريقة وحماية للعيش الواحد في لبنان.
وقال : إن الاهتمام بالتراث الثقافي والعمل على إحيائه يشكل اليوم أحد أولويات المدن العريقة في العالم. وطرابلس تمتلك عن حق مخزوناً تاريخياً وعمرانياً يشكل كنزاً مهما بالنسبة لأبنائها، لكنه في الحقيقة والواقع لا يزال بعيداً عن الاهتمام الجدي، لذلك يأتي اهتمام الأخوة في “المركز الثقافي للحوار والدراسات” ومبادرتهم إلى إحياء التراث الوثائقي والثقافي ليشكل ضرورة حضارية وخطوة مهمة في هذا الطريق، الذي سوف ندعمه إن شاء الله من خلال تحقيق وإنجاز “المتحف الدائم للتراث الثقافي والوثائقي” في طرابلس كما وعدتكم في المؤتمر العام الفائت.
وعن الوضع السياسي قال: يمر لبنان حالياً بمرحلة صعبة جدا حافلة بالتشنج السياسي والانقسام الحاد الذي يهدد نسيجنا الوطني وعيشنا الواحد ،وتزدهر في هكذا أجواء ضاغطة ، طروحات لا تأتلف مع الواقع ، ولا تجيب عن تطلعات اللبنانيين التواقين الى التوافق والمصالحة والشراكة الوطنية الحقيقية التي أرساها إتفاق الطائف الذي لم تسمح الظروف السياسية التي مر بها لبنان في الأعوام الاخيرة بتطبيقه كاملا ، نصا وروحا ، مما أحدث خللا في مسيرة السلم الأهلي التي كانت ثمرة طيبة من ثمار هذا الاتفاق . ولعل من غير المنطقي أن يلجأ البعض ، في هذا الجو المشحون، الى الحديث عن تعديلات أو إصلاحات ندخلها على إتفاق الطائف، لأن أي بحث في هذا السياق لن يكون موضوعيا ولا متوازنا ، فضلا عما يمكن أن يسببه من خلافات تضاف الى النزاعات الراهنة التي لم ننجح في وضع حد مستديم لها .
وقال : من المستغرب ايضا إصرار البعض على سياسة العناد والمكابرة وتمسك البعض الآخر بطروحاته وباتهامات التخوين التي لا طائل منها ، من دون الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن لأحد أن يختزل كل الاراء أو أن يفرض رأيه على مجمل الشعب اللبناني. ومع ذلك فإنني على ثقة بأن الغلبة ستكون للاستقرار والتفهم والتعقل، لأن هذا هو الأمر الصحيح والسليم، ولأن هذا ما خبرناه في تاريخنا الحافل بالمحن، فلم العودة إذن إلى التجارب الخاطئة ونحن نعرف طريق الصواب بعقولنا وقلوبنا على حد سواء؟
وكان الحفل إستهل بالنشيد الوطني اللبناني ثم كلمة ترحيبية لمدير “منتديات العزم” مقبل ملك بعدها كلمة رئيس “المركز الثقافي للحوار والدراسات” عبد الغني عماد الذي نوه برعاية الرئيس نجيب ميقاتي لمشروع احياء التراث الوثائقي والثقافي منذ اللحظة الاولى لاطلاق المشروع. كما شكر الباحثين الذين قدموا مادة بحثية علمية راقية تشكل منهجا عقلانيا في مقابل كل محاولات تشويه صورة المدينة.
من جهته أكد الدكتور جان جبور “أن تاريخ طرابلس القديم والحديث تميز دائما بلوحات راقية تعكس العيش المشترك بين كافة الطوائف في المدينة ،وأن المادة التي جمعها الباحثون في الكتاب تشكل وثيقة مهمة جدا”.
ما عميد معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية هاشم فاعتبر “أن القيم المشتركة عند المسلمين والمسيحيين العرب هي التي ساعدت على حماية العيش المشترك طيلة قرون وانه بزوال هذه القيم يحدث ظلم كبير”.واشاد بابحاث المشاركين في مؤتمر طرابلس عيش واحد” التي أثبتت أن القيم الاخلاقية والدينية والانسانية هي التي تحكم تصرفات أهل طرابلس وتحدد سلوكياتهم فيما بينهم”.
وقد تم بعد الندوة إطلاق الموقع الخاص على الانترنت لمشروع إحياء التراث الوثائقي والثقافي في طرابلس .
يذكر أن كتاب ” طرابلس وتحديات العيش الواحد من خلال والوثائق والسير والتواريخ ” يتضمن أبحاث المؤتمر الذي عقد في فندق كواليتي ان في طرابلس في شهر آذار من العام 2009 بدعوة من “جمعية العزم والسعادة الاجتماعية ” والمركز الثقافي للحوار والدراسات .