دموع الاسمر
اعتادت طرابلس أن تشهد في كل عام منذ خمسة وثلاثين سنة عرساً ثقافياً تنظمه الرابطة الثقافية ما بين أواخر شهر نيسان واوائل شهر أيار، هو عرس الكتاب في مدينة اشتهرت بأنها مدينة العلم والعلماء.
معرض الكتاب الخمسة والثلاثين هذا العام لم يأتِ على قدر الطموح ولم يكن بالمستوى الذي اعتادته المدينة، فمنذ عدة سنوات ويشهد المعرض تراجعاً سواء من حيث مشاركة دور النشر او من حيث الاقبال، وحتى التنظيم.
معرض هذا العام قد يكون شكل نكسة ثقافية للوسط الثقافي الشمالي، حيث التراجع بلغ ذروته بدءاً من حفل الافتتاح مروراً ببرنامجه اليومي الذي لم يتضمن كالعادة أنشطة ثقافية بارزة ومستويات عالية حسب ما كان يحصل في السنوات الماضية..
جولة في المعرض تخرج منها بعدة انطباعات أبرزها:
انخفاض في عدد الرواد، الأمر الذي يثير تساؤلات حول انخفاض القراء والقراءة، ربما أن الضغوط الاقتصادية والمعيشية قد أرخت بثقلها على القراء وعلى اقبال المواطنين الذين باتوا يحاولون توفير القرش الابيض ليوم أسود على شراء كتب لا تغني ولا تسمن ولا تقي المعدة شر الجوع.
وترى أن القلة من الزائرين الذين يتجولون في أروقة المعرض من جناح الى آخر وعلى قلة دور النشر، انما هم زوار لالقاء نظرة على عناوين الكتب وآخرون لتمضية مساحة وقتٍ من اللهو يقيهم الضجر من المقاهي.
ومن المفارقات أن الجالسين في كافتريا المعرض هم أكثر من الذين يتجولون بين أروقته. واذا سألت عن البيع فيأتي الجواب سريعاً: ان حركة البيع ناشطة جداً في الكافتريا وفي أجنحة الكمبيوتر أما في أجنحة الكتب فتكاد تكون معدومة. حتى أن بعض الزائرين هم من المراهقين والمراهقات ربما بعضهم لا يعرف القراءة والكتابة فيكون المعرض فرصة تلاقي وتعارف.
أما حفلات توقيع الكتب فليست تلك الكتب القيمة التي تستقطب جمهور القراء والثقافة. فما أقيم حتى الان من حفلات توقيع لم يشهد حركة مشاركة تذكر. ويبدو أن معرض هذا العام حسب رأي أحدهم أنه آخذ بالاضمحلال مع رداءة الحالة الثقافية واضمحلال الفكر الثقافي لصالح الحالات السياسية والمعيشية والاقتصادية الضاغطة وكأنه مطلوب من الناس أن تبقى رهن التفكير بلقمة العيش قبل أن تفكر بكتاب وثقافة لما في الكلمة والفكر من خطر يضاهي خطر السلاح وأمضى.
ان القيمين على المعرض لم يلحظوا حتى الان ثغرات السنوات الماضية فتابعوا أعمالهم وكأن هذا المعرض يقام فقط لاثبات الحضور ولرفع العتب بدل أن يفكروا بأسلوب آخر يؤدي الى تشجيع القراءة والثقافة وأن لا يتحول الكتاب الى مجرد سلعة كغيرها من السلع التجارية.
ومن الملاحظ غياب العديد من دور النشر العربية التي اعتادت على المشاركة مما ترك فراغاً كبيراً في هذا المعرض الذي اقتصر عرض الكتب على تلك التي تعرض في كل عام وفي غياب لاصدارات حديثة. ولوحظ مشاركة جمعيات وجامعات للترويج ومشاركة اصدارات بعض الاحزاب الاصولية وغياب لاصدارات وطنية وفكرية وعلى سبيل المثال غياب دار الفكر للنشر ولاول مرة عن المعرض حيث كان مشاركة هذه الدار فاعلة في نشر وتوزيع اصدارات الدار الفكرية.