استكمل “مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية” اليوم الثاني من مؤتمر “إحياء الدور المسيحي في المشرق العربي”، بجلستين عقدهما في مقر المركز في سن الفيل.
وحاضر في الجلسة الثانية من جلساته الوزير السابق ابراهيم شمس الدين والسفير فؤاد الترك والأمين العام للجنة الحوار الإسلامي المسيحي الدكتور محمد السماك والباحث المصري سمير مرقص وأدارها رئيس الرابطة السريانية حبيب افرام، تحت عنوان “توجهات القيادات الرسمية” حيال إحياء الدور المسيحي.
وانعقدت الجلسة الثالثة تحت عنوان “توجهات القيادات الدينية الإسلامية” وتحدث فيها الوزير السابق روجيه ديب ورئيس الفريق العربي المسيحي – الإسلامي للحوار القاضي عباس الحلبي وعضو المجلس السياسي في “حزب الله” غالب بو زينب ومدير مركز تاريخ الأهرام الدكتور نبيل عبد الفتاح، وأدارها المدير العام السابق لوزارة الإعلام محمد عبيد.
وأشار افرام بداية، إلى أن “أغلب الأنظمة في المشرق العربي على اختلاف طبيعتها، على علاقة شبه ملتبسة أصلا بشعبها أو شعوبها، وتفتقد المعنى العميق لما هو معروف اليوم بحقوق الانسان وحقوق الجماعات وحقوق الاقليات”. وقال: “إن الأنظمة تتعاطى بعقليات متنوعة مع قضية المسيحية المشرقية، فمنها إسلامية ثورية لكنها تعترف بالقوميات وتمثلها على قلة عددها في البرلمان وتعطيها حق تعليم اللغة، ومنها علمانية إسلامية لكنها ترث ذكريات مجازر، ومنها حزبية علمانية تريح المسيحيين في حرياتهم الدينية لكنها لا تعترف بأحزابهم وتمثيلهم في الدستور”.
وبدأ شمس الدين مداخلته بقراءة نص من “وصايا” والده الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين الذي يعكس فيه موقفا إسلاميا واضحا من “ضرورة استمرار الوجود المسيحي في لبنان والشرق وفاعليته”. وشدد على أن “الدور المسيحي الدائم والأكيد هو دور المواطنة وأن يلتزموا وطنهم لبنان وقضاياه مع اللبنانيين الآخرين”، لافتا إلى أن “هذا الوطن لا يبنى من الخارج بل من الداخل بالوجود فيه والثبات فيه”. وقال إن “دور المسيحيين في الوطن العربي وفي كل وطن من أوطانهم الخاصة إعادة الإمساك المتين والكامل مع مواطنيهم بقضية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين”، مشيرا إلى أن “المسيحيين ليسوا أقلية ولا يجوز أبدا التعامل معهم على أنهم أقلية ومن الخطأ أن ينظروا إلى أنفسهم على أنهم أقلية وأن يتصرفوا ويتدبروا أمورهم على هذا الأساس”.
ولفت الترك في كلمته إلى “عدم تقبل الحرية الإيمانية وتنامي الأصوليات والدعوات السلفية الفارضة نفسها على بعض الأنظمة”. ولاحظ أنَّ” هناك عدم قدرة وقصور لدى بعض القادة في مواجهة هجمات التطرف والتعصب”، معتبرا انه “قصور ناتج عن خشيتهم من الترهيب وارتداداته”. واشاد ببعض الخطوات الرسمية العربية “كالمبادرة التي قام بها الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز تحت عنوان الحوار بين الأديان والتي نتجت عنه ثلاثة لقاءات هي اللقاء الذي جرى في الفاتيكان بينه وبين البابا بندكتوس السادس عشر، ومؤتمر حوار الأديان الذي انعقد في الأمم المتحدة في نيويورك، ومؤتمر الحوار الذي عقد في العاصمة الاسبانية في حضور العاهلين السعودي والاسباني”.
أما السماك فأوضح ان “بعض دول الشرق تشهد صعودا في حركات التطرف والغلو وان بعض القيادات الرسمية تحاول احتواء هذه الحركات واسترضاءها، حتى ولو تطلب ذلك إهمال وتجاوز بعض حقوق المواطنين المسيحيين”، مضيفا أن “الوقائع اثبتت ان هذا الاهمال أو التجاوز لم يؤد سوى إلى تشجيع التطرف”.
وقال إن “البعض الآخر من القيادات الرسمية يتصدى لحركات التطرف والغلو ويذهب في صراعه معها الى حد عزلها وإقصائها، وفي الوقت ذاته ينفتح على القوى الوطنية المسيحية، فتؤدي هذه المفاضلة الى تعميق الهوة بين حركات التطرف والمواطنين المسيحيين”.
ودعا الى “توعية الرأي العام في المجتمعات الاسلامية بما في ذلك حركات التطرف، على ان الهجرة المسيحية من الشرق ليست خسارة للمسيحيين وحدهم ولا حتى للمجتمعات الشرقية وحدها، ولكنها تقدم شهادة سلبية مشوهة وسيئة عن حقيقة الاسلام”.
وعرض مرقص لوضع الأقباط في مصر وعلاقتهم بالمسلمين وتطور هذه العلاقة وفق النظام السياسي السائد، مشيرا إلى أن” حركة الأقباط في مرحلة ما قبل الدولة الحديثة كانت تقوم على “التفاعل الاجتماعي” و”التعددية الواقعية”، فيما كانت درجة التماسك بينهم والمسلمين تتزايد في فترات الإزدهار”. وأوضح أن “مستقبل الأقباط يواجه ثلاثة سيناريوهات: الخيار الملي العثماني، والخيار الديني وخيار المواطنة”، داعيا إلى “تجديد الشراكة الوطنية بين المصريين من المسلمين والمسيحيين عبر الإتفاق على أن الأساس في الاجتماع الإنساني هو الاختلاف والتعدد وليس التماثل والأحادية، وأن الرابطة التي تجمع غير المتماثلين هي رابطة المواطنة، والعمل على وقف التصنيف الديني بين المصريين”.
وفي الجلسة الثالثة، طرح عبيد في تقديمها جملة من الأسئلة، فقال: “أي نظام سياسي يمكن أن يشكل ضمانة لممارسة إرادة احياء الدور المسيحي، النظام الطائفي أم العلماني أم الدولة المدنية؟ إذا كرس نظام ما كالنظام اللبناني المناصفة، فهل يكفي تسجيل ذلك في النصوص الدستورية كي تتحقق هذه المناصفة؟”.
ورأى ديب في كلمته أن “العالم العربي جرَّب الكثير من الأفكار والعقائد، الا أن ولا واحدة أنتجت بعد في العالم العربي دولة فعالة أدت الى تنمية مجتمعاتها وطورت إنسانها”. وأكد أن المطلوب من المسلمين “القبول بالتعددية والعمل على صيانتها والإغتناء منها، والاقتناع بأن الأحادية تجر الديكتاتورية إن باسم القومية أو الدين أو الطائفة”. واشار إلى “ضرورة المحافظة على رئاسة الجمهورية اللبنانية، كرمز للوجود المسيحي في العالم العربي” وإلى إراحة “المسيحيين اللبنانيين نفسيا بتأكيد مبدأ المناصفة نهائيا”.
ودعا المسيحيين إلى “ألا تكون هنالك مطالب مخصصة بهم، بل لكل المجتمع حيث يعيشون مع اخوانهم في الديانات والطوائف الأخرى، وإلى تربية أبنائهم على نبذ الهجرة وعدم كره الآخر وشتم الوطن”.
أما الحلبي فرأى في كلمته أن “الحضور المسيحي واستمراره بفاعلية هو مسؤولية المسلمين”، مناشدا “المرجعيات المسيحية والإسلامية اعتماد مبادئ الحوار الأخوي أساسا وحيدا لمعالجة الاختلافات”، و”القيادات الدينية الإسلامية التعميم والتعريف بالثوابت الإيمانية التي قامت عليها العلاقات المسيحية الإسلامية منذ العهد النبوي لأن ما نراه حاصل في بعض الدول العربية يتناقض معها إما لجهل لها أو لتجاهلها”. وعاد إلى عدد من الآيات وبعض الكتب والأبحاث التي صدرت عن مراجع فكرية إسلامية “تحظى بالاحترام نظرا لجديتها وموضوعيتها” عن موضوع العلاقات المسيحية – الإسلامية وقارنها مع “الواقع العملي الذي يتبعه بعض القيادات التي تتمتع فعلا لا قولا بتأثير ملحوظ في توجهات الرأي العام”، لافتا إلى أن “إشكالية العلاقة بين الإسلام والمسيحية ناجمة عن جهل المسيحيين أن المسلمين يعتبرون المسيح نبيا من أنبيائهم ويوقرونه كما يوقرون النبي محمد”. واعتبر أنَّ وثيقة الطائف “تشكل التعبير الأهم للموقف الذي اتخذته قيادات إسلامية عربية ومحلية تجاه المسيحيين لحفظ حقوقهم وموقعهم في السلطة السياسية.
وأكد أبو زينب ان “وجود المسيحيين في المنطقة العربية وجود اصيل وبالتالي فإنَّ أي حديث عن أقلية أو اكثرية لا يستقيم، وكذلك فإن سؤال اي جهة عن موقفها من الوجود المسيحي وحدود دوره هو خطأ”، مشددا على أن المسيحيين هم جزء لا يتجزأ من الاجتماع العربي”. وشدد على أن “خيار اعتماد المسيحيين المشرقيين على ذاتهم هو واسطة العقد في اي مشروع يستهدف الدور المسيحي في المشرق العربي”، وقال: “ان ذلك يتطلب تجذير الإرتباط بالأرض وعدم الإغتراب عن قضايا المجتمع العربية وعلى الأخص فلسطين.
ورأى أن “السينودس من اجل الشرق لا يمكن ان يكون عاملا مساعدا وإيجابيا ما لم يقترن بمؤازرة عملية تنطلق من مصالح المسيحيين المشرقيين ولا ينظر اليهم بمصالح العالم الغربي وفي إطار معاييره ومنطلقاته”.
واشار الى ان “سكوت الفاتيكان مثلا عما يجري في بيت لحم والقدس والإكتفاء بالإدانة والشجب الخجول محاكاة موقف الدول التي تؤيد وجود إسرائيل، يجعل الزخم المطلوب للفاتيكان مفقود عمليا ويضع علامات استفهام كبيرة حول الثمرة الفعلية لهذا الدور”. ودعا إلى “تطوير المواقف والرؤى والعمل على مقاربات فعالة تبدل من النمط السائد حاليا لمصلحة “المشرقية المسيحية”.
وميز عبد الفتاح في كلمته بين مواقف القيادات الدينية الإسلامية، “وخصوصا المصرية منها، بين رجال الدين الرسميين الموظفين ورجال الدين المستقلين والإسلاميين الحركيين”، فلفت إلى أن “دور رجال الدين الرسميين، كالأزهر، هو إطفائي في الغالب ولا يتعدى المجاملات الإجتماعية والكتابات الخفيفة التي تدور حول المبنى الفقهي السني التقليدي حول “أن لهم ما لنا وعليهم ما علينا”، فيما ذهب بعض كتابات رجال الدين المستقلين إلى إعادة إنتاج المواقف الفقهية حول أهل الذمة والبعض الآخر إلى تبني إصطلاح المواطنة”.
ولفت إلى أن “موقف الإسلاميين الحركيين الراديكاليين لا يزال مرتكزا على مفهوم أهل الذمة في التعامل مع غير المسلمين، ونظرتهم إلى المجتمع مرتكزة على الرابط الديني على حساب الحريات الشخصية والحقوق الفردية”.
وحذر ختاما، من أن “انفصال جنوب السودان ذي الغالبية السكانية المسيحية ستكون له تداعيات في العالم العربي وسيحتم على الأنظمة والنخب العربية جهدا لتحديث نفسها واستيعاب كل فئات المجتمع في تركيبة الدولة”.
الوسومإحياء الدور المسيحي في المشرق العربي مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية
شاهد أيضاً
شائعات تطال المرشحين العلويين… أوساطهم: لا مصلحة لأحد من خسارة أصواتنا
دموع الاسمر لا يزال مرشحو المقعد العلوي من سكان جبل محسن يتخبطون نتيجة الشائعات التي …