وجه الرئيس عمر كرامي من دارته في بيروت، كلمة إلى اللبنانيين، بمناسبة الذكرى 26 لاستشهاد شقيقه الرئيس الشهيد رشيد كرامي قال فيها: “مضت أعوام يا رشيد، ولم أخلف معك موعدا، ففي أول حزيران من كل عام أرفع لك في عليائك “محضر” الروح والوجدان، واستلهم من حضورك البهي في ذاكرة الناس أملا وايمانا بلبنان…ولكن، اسمح لي يا أخي هذا العام أن أجدد الحزن، وأرثي فيك وطنا غارقا في الأحزان…يا رشيد: شجر الليمون يبكي، شجر النخيل يبكي، شجر الأرز يبكي، ولبنانك في خطر، ومدينتك دخلت في النفق الأسود”.
أضاف: “أيها اللبنانيون: لقد ترك لكم رشيد كرامي ارثا تستعينون به على الزمن الصعب، وليس هناك أصعب من هذا الزمن، استحضروا الرشيد وارث الرشيد فنحن أحوج ما نكون اليهما، حين يعلو صوت الغرائز يجنح الرشيد الى صوت العقل، حين يستشري التطرف يقود الرشيد مسيرة الاعتدال، حين تصبح الكلمة للشارع وقوى الشارع، ينحاز الرشيد الى الدولة ومؤسسات الدولة، حين تسود لغة العنف يعتصم الرشيد بلغة الحوار، وحين يكون الوطن في خطر، يصبح الرشيد درع الوطن، ويتلقى الخطر بصدره ذودا عن الوطن، ورشيد كرامي لم يقل كل ذلك، لقد فعل كل ذلك، ومات شهيدا مظلوما من اجل كل ذلك”.
وتابع: “يا أبناء وطني، يا أبناء مدينتي، يا أهلي وقومي وبني جلدتي، ما أحوجنا الى رشد الرشيد، خصيمكم الله ان قتلتم ما بقي من ذكرى الرشيد، فكأنكم تقتلون أنفسكم وتقتلون مستقبلكم وتقتلون أبناءكم، وعندئذ لا معنى لذكرى رشيد كرامي حين نصبح جميعا شهودا على ذكرى لبنان”.
وأردف: “أيها الطرابلسيون، أنتم تعرفون أنني لم أتردد يوما في أن أصدقكم القول، دون أن أحسب حسابا للسياسة وللمصالح السياسية والانتخابية، واني اليوم في الذكرى 26 لاستشهاد رشيد كرامي الذي أعرف مكانته الغالية في قلوبكم جميعا، انما اطالب نفسي بأن أصدقكم القول مجددا، فاسمعوني جيدا”.
واعتبر أن “الاقتتال المذهبي لعنة ومحنة وحرام، وما يحصل بين التبانة وجبل محسن جزء من خطة مشبوهة، انتم فيها الوقود لحريق يقضي على أخضر طرابلس واليابس، واعلموا يا أبناء الأحياء الواحدة والبنايات الواحدة، انكم أهل وجيران وبينكم وحدة حال، ووحدة فقر ومعاناة، وبينكم مصاهرات وتجارات وعلاقات، فلا تسمحوا للجنون ان يتلاعب بالعقول والغرائز، وارتقوا فوق الجراح، وقولوا لا، ارموا الأسلحة وقولوا لا، كونوا الشجعان والفرسان، كونوا المؤمنين الأتقياء، كونوا أم الصبي واباه وكل عيلته، وقولوا لا، ولا تتركوا طرابلس تغرق في حمام دم، في حروب عبثية لن يصفق لها الا عدوكم، وعدوكم هو عدو لبنان وعدو العرب وعدو الاسلام، اسرائيل”.
وقال: “اعلموا أيها الأحبة في طرابلس، ان الرؤوس الحامية التي تحرضكم لها مآرب سياسية وانتخابية، فضلا عن ارتباطاتها الخارجية المشبوهة، فخذوا أموركم بأيديكم، ولا تبحثوا عمن يرشدكم الى الصراط المستقيم، في الوقت الذي لا يمكن أن يحتكم فيه الانسان سوى الى مرشد واحد وقائد واحد هو العقل والأخلاق والمنطق والضمير، بل هو الايمان والتسليم والطاعة لما أمرنا به الله عز وجل”.
أضاف: “وليكن خياركم الوحيد يا أبناء الفيحاء المكلومة هو الدولة، ومؤسسات الدولة، وشرعية الدولة، وجيش الدولة، وأجهزة الدولة، اياكم ثم اياكم ان تفقدوا الرهان على الدولة مهما أصابنا وأصابكم من ظلم واهمال وحرمان، الدولة ليست أشخاصا، فهؤلاء عابرون، وانما الدولة مفهوم وانتماء، وطرابلس هي الابنة الشرعية للدولة، وعند اللزوم سوف نكون الأم الشرعية للدولة”.
وتابع: “نعم، عودوا الى التاريخ القريب والبعيد، فطرابلس هي بيضة القبان التي رجحت دائما كفة الميزان لصالح لبنان الدولة ولبنان المؤسسات ولبنان الاستقلال”.
وإذ أوضح أنه “لن يخوض في حديث الانتخابات او الحكومات أو الأزمات”، اعتبر ان “لبنان اليوم هو بلد مؤجل، أي بلد مع وقف التنفيذ، وربما ليس لنا سوى سياسة النأي بالنفس على صعوبتها، بل على علاتها، والنأي بالنفس هذه المرة، لا ينبغي أن يكون مزيفا ووسيلة للتحايل على الواقع، وانما علينا أن نحدد شكله ومواصفاته وطرق تطبيقه بالاجماع”.
ودعا إلى “مؤتمر وطني، وليس الى طاولة حوار تؤجج الخلافات او في أحسن الأحوال تتجاهلها، بل مؤتمر يجمع كل اللبنانيين، نرتب فيه انقساماتنا واختلافاتنا، ونضع السقوف لهذه الانقسامات والخطوط الحمر لهذه الاختلافات، ونوحد الموقف من القضايا الكبرى التي تحيط بالمنطقة والتي يتعرض لبنان لتداعياتها شئنا أم أبينا، وذلك قبل الدخول في متاهة الانتخابات، وحتى قبل التصارع أو التحاصص على الحكومة العتيدة”.
وأشار إلى أن المؤتمر الذي يدعو إليه “لا يمكن أن يقوم فقط بالرغبات، بل المطلوب ارادات الرجال”، وقال: “واني ورغم كل ما أرى وأسمع وأشاهد، مؤمن بأن الوطنية اللبنانية لا تزال زينة الرجال في لبنان، وعلى هذه الوطنية أراهن وأبني الآمال، ونحن اليوم نتجادل حول الانتخابات، واني أكرر للمرة الألف أن لا خلاص للبنان الا بقانون انتخابات عصري، يؤمن الحد المطلوب من التمثيل العادل والصحيح، ويخرجنا من بؤر المذهبيات القاتلة، ويفتح الأبواب أمام جيل جديد يضخ دما جديدا نقيا في العمل البرلماني والسياسي”، مضيفا: “لست هنا أطلب المستحيل، بل أدعو الى احترام ما توافق عليه اللبنانيون في اتفاق الطائف، وصار في صلب دستورنا، فمنه ننطلق في مسيرة الانقاذ والنهوض”.
واعتبر “أننا عالقون في جدل بيزنطي بلا حكومة”، متمنيا “نجاح المساعي لقيام حكومة المصلحة الوطنية في هذه الظروف العصيبة”، لافتا إلى أنه لا “يتردد في مصارحة الجميع بأن المطلوب هو حكومة انقاذ، أو حكومة طوارئ لديها مهمة واحدة وحيدة، وهي تثبيت الوحدة الوطنية وحماية السلم الأهلي والحفاظ على ما تبقى من المؤسسات الشرعية”، مذكرا أن “مواصفات حكومة الانقاذ معروفة، فهي ليست حكومة توزيع الحصص والمغانم، ولا حكومة هذا الفريق أو ذاك، والأهم انها ليست حكومة فضفاضة، بل هي أقرب ما تكون الى مجلس حكماء على غرار الحكومات الرباعية والسداسية التي كنا نلجأ اليها في المحن الوطنية الكبرى”.
وختم “للرشيد في ذكراه أقول: يا شهيدي الكبير، إني اليوم أزيدك في العمر بأكثر من 10 سنوات، وقد شاء القدر ان تكون أخي الكبير وأن أصبح أخاك الكبير، فيا سيدي وشهيدي أجدد العهد لك بأننا لم نسامح ولن ننسى، ليس لأننا طلاب انتقام فالانتقام تخلف والتخلف يدمر، وانما نحن طلاب عدالة والعدالة حضارة والحضارة تبني، وعهدا علي، وعلى حملة الراية من بعدك وبعدي، أن نبقى راسخين في هذه الأرض الطيبة، ثابتين على مبادئنا الوطنية والقومية، لا نبدل تبديلا، وان يبقى قاتلك مهما حاولوا تلميع صورته ومنحه الأدوار السياسية، مرذولا الى يوم الدين، وأما لأهل الرشيد، وما أكثرهم في طرابلس وفي كل لبنان وفي كل بلاد العرب، فأنني أكتفي بالقول: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل…حمى الله لبنان، وفداك الروح يا طرابلس”.