اكد قائد الجيش جان قهوجي في حديث لـ”الاخبار” انه “لا يخشى كثرة الاستهدافات، وهو اعتاد في الأشهر الاخيرة هذه الحملات التي تفاقمت مع كل حدث
أمني، لغايات في نفس يعقوب. وهو في الأسبوع الاخير فضّل عدم الاستجابة لمن كان يقول له إن الضرورات تحتم أن يخرج الجيش الى العلن ويتحدث صراحة عمّا له وما عليه في الأزمة الطرابلسية”. اضاف: “في الجيش مُثل وأدبيات، إن حاد عنها خسر صدقيته وحفاظه على أسرار كثيرة تتجمع لديه ولا يكشف عنها. لا نستطيع أن نتحدث على الملأ بكل ما نعرفه أو نعمله، من هنا كان لقب الجيش الصامت الأكبر، والجيش اليوم لا يتبجح بما قام به في طرابلس، فهو أنقذ المدينة من تدمير الذات الذي كان يقوم به بعض أبنائها. لكن كثرة الكلام من هنا وهناك زادت عن حدتها. ففي الفترة التي كنا نستهدف فيها، كانت أرواح ضباطنا وعسكريينا على الأكف، لأنهم كانوا يحاولون، في سعيهم الى ضبط الوضع، عدم التسبّب بخسائر بشرية بين المدنيين والأبرياء”.
واوضح قهوجي انه “في فمه ماء كثير. هناك أسرار وكلام لا يقال وكلام يقال ولا ينشر. وهو سمع كثيراً ما ينقل اليه عن أخطاء ضباط وعن تورط البعض الآخر وعن محسوبيات للبعض على هذا الطرف أو ذاك، لكنه، وهو الذي يدافع الى النهاية عن ضباطه وعسكرييه، يحيل أي خطأ يقع على المحاسبة الداخلية. فالضباط لا ينقلون أو يحاسبون كرمى لعين سياسي”.
وردّ قهوجي في حواره الذي أراد فيه وضع النقاط على الحروف مجريات الأيام الاخيرة على الاتهامات التي سيقت ضد الجيش بأنه دافع عن جبل محسن وعن اتهام بعض الضباط في طرابلس بالانحياز طائفياً أو سياسياً مع الأفرقاء على الأرض، وصولاً الى الحديث عن قصف طاول المدينة من مدفعية الجيش. يستمع إلى كل هذه الأسئلة والاتهامات، ويقول شارحاً في مستهل الحديث تفاصيل الايام العشرة الاخيرة: “في كل مرة تقع أحداث يتهمون الجيش بالتأخر في الحسم. وتوضيحاً للرأي العام ولجميع الأفرقاء، فإن الجيش كان قادراً على الحسم في طرابلس منذ اللحظة الاولى والتحرك بالآليات الثقيلة والرد على مصادر النار من أي جهة أتت. لكن كلفة هذا الحسم كانت ستكون كبيرة، فمن يتحمّلها؟ الجيش أراد تجنّب نهر الدم في طرابلس، وهذا ما قلته في المجلس الاعلى للدفاع. لكننا لم نكن مكتوفي الأيدي. كنا نسعى الى التواصل مع كل الفاعليات وإبلاغها أننا لن نترك طرابلس كي تسيل فيها الدماء، وسنضطر إذا لم يلتزم الجميع التهدئة إلى الصدام معهم، لأننا سندخل الى منطقتي جبل محسن وباب التبانة بالقوة”.
ولفت قهوجي إلى ان الجيش “دخل الى كل الزواريب حيث ينتشر مسلحون ويستخدمونها لإطلاق النار، في جبل محسن وباب التبانة على السواء. وهو طوّق المنطقتين بحزام أمني متشدد يهدف الى منع دخول السلاح أو الذخيرة. ولدى القطع المنتشرة أوامر مشددة، تقضي بمنع إدخال الذخائر والسلاح مهما كانت هوية الذين ينقلونها ومن أي جهة أتت، أمنية أو سياسية، والتفتيش الشامل والكامل على الحواجز لأي مشتبه فيه مهما كانت هويته. والأوامر أيضاً مشددة. فخطة الجيش تتم تحت عنوان هو الأول من نوعه في طرابلس: الرد على النار بالمثل بإصابة مباشرة، وكل مطلق نار ومسلح هدف مباشر لنيران الجيش”. واوضح انه “من أجل الحفاظ على المستوى نفسه من التدابير الأمنية بين جبل محسن وباب التبانة، فإن الجيش في صدد استقدام قوة عسكرية إضافية من النخبة من أجل عدم إرهاق القطع الموجودة والحفاظ على الأمن بنفس المستوى بين منطقتي النزاع”.
أما عن احتمال قيام الجيش بنزع السلاح من المنطقتين، فيقول قهوجي: “قرار جمع السلاح قرار تتخذه السلطة السياسية والحكومة. ونحن في المقابل لن نسكت عن أي حامل سلاح يقف في وجه التهدئة في طرابلس، ولن نترك أي سلاح يقع بين أيدينا”.
واستغرب قهوجي أن يقال إن الجيش تدخل لحماية بعل محسن وإنقاذه من محاولات اقتحامه: “فجبل محسن أساساً يقع على تلة مرتفعة، ولديه إمكانات عسكرية، ونحن لم نسع الى إنقاذ أي طرف. الجميع بالنسبة إلينا أبناء مدينة طرابلس، وواجبنا حمايتهم، ونحن ندافع عن الطرفين. لم نميز بين طرف وآخر، وقد سقط لنا جرحى بنيران جبل محسن وباب التبانة لأننا كنا نرد على مصادر نار الفريقين”. ويستطرد قائلاً: “بعض السياسيين بعدما عجز عن تحقيق ما يريد هرب الى الأمام، وأراد رمي كرة الاتهامات على الجيش وتحميله المسؤولية”.
وروى قهوجي أن بعض السياسيين طالب بأن “يدخل “لواء سنيّ” الى طرابلس وعكار، مستهجناً رغبة البعض في تطييف ألوية الجيش”، ويقول: “الضباط في الجيش ينفذون أوامر القيادة، ومرحلة عام 1976 لن تتكرر. لا يوجد في الجيش ألوية طائفية، ولا نرسل الضباط بحسب انتماءاتهم. وعلى أي حال، فليجب هؤلاء السياسيون عن قادة الألوية والأفواج الموجودة في طرابلس حالياً. فقائد اللواء الثاني عشر من طرابلس، وهو كغيره من الضباط، يعملون بحسب ضميرهم. فهل يُتهمون بالانحياز فقط لأنهم يعملون وفق خطة عسكرية تهدف الى منع الاقتتال داخل طرابلس؟ وهل المطلوب أن ينحازوا الى السياسيين كي يصبحوا في منأى عن أي اتهامات؟”.
ونفى بشدة الاتهامات بأن الجيش قصف المدينة قائلاً: “نحن لم نستعمل الأسلحة الثقيلة في الرد على مصادر النار، ولم نستخدم سوى 12.7 و”آر. بي.جي.”، ولم تطلق أي قذيقة ثقيلة من المدافع المنتشرة بعيداً على طرابلس”.
ورفض قهوجي إعلان طرابلس منطقة عسكرية. كان يدرك أن لدى الجيش إمكانيات لضبط الوضع على الارض، بشرطين: أولاً أن ينال الجيش غطاءً سياسياً شاملاً، وأن يسحب السياسيون على مختلف اتجاهاتهم الغطاء عن المجموعات الكثيرة التي يدعمونها”. مكررا أن “الخطة الأمنية وحدها لا تكفي. فالمطلوب توافق سياسي وتنفيذ الوعود بالإنماء في هذه المناطق التي وعدت بمئة مليون دولار ولم يصل إليها منها شيء بعد”.
وصل إلى مسامع قهوجي كلام سياسيين كانوا يحمّلون المسؤولية الى الجيش، في وقت كانت فيه مجموعاتهم تتحرك في الشارع، لكنه يفضّل تجاهل الحديث عنهم. في المقابل، يشيد بأداء قيادات في “المستقبل” كالنائب السابق مصطفى علوش. وهو سمع من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في اتصالين هاتفيين كلاماً داعماً للجيش واستعداده لإعطاء توجيهاته لمدّ المساعدة في كل ما يسعى الجيش الى القيام به في خطوات عادلة بين الأطراف المتنازعين.
واكد قائد الجيش العماد جان قهوجي أن “الجيش باق في طرابلس وبالوتيرة ذاتها ويرفض إعطاء اي مهلة لانهاء مهمة الجيش من اجل ضمان استقرار المدينة. فالجيش باق ما دام هناك من يريد العبث بأمنها. وقهوجي الذي سبق أن بدأ اتصالاته ولقاءاته مع فاعليات المدينة سيستمر فيها، وهو على بينة من كافة الاخطار الخارجية، من اجل تخفيف حدة الاحتقان وعدم السماح بتحويل طرابلس بؤرة للفتنة”.