وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني رسالة، لمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج، نصت على الآتي:
“الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن عمل بشريعته ودعا بدعوته إلى يوم الدين، وبعد أيها الإخوة والأحبة:
فإن الله تعالى قد بعث نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى البشرية عامة هاديا ومبشرا ونذيرا، وقد أعلمه الله تعالى برسالته هذه فقال له في القرآن الكريم: “يا أيها النبي انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا” (الاحزاب/45 – 46)؛ وجعله آخر نبي ورسول في سلسلة تتابع أنبيائه ورسله على البشرية على مدى العصور والأزمان، فقال لنا في القرآن الكريم: “ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين، وكان الله بكل شيء عليما” الأحزاب/40″.
وقد لاقى النبي محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته ورسالته معارضة من الناس وأذى كثيرا، مثلما لاقى الرسل والأنبياء من قبله إبراهيم وموسى وعيسى تماما، وقد واساه الله تعالى في ذلك ليطمئن قلبه ويصبر على أذى الناس فقال له وحيا في القرآن الكريم: “ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم الله نصرنا، ولا مبدل لكلمات الله، ولقد جاءك من نبإي المرسلين”، الأنعام/ 34؛ وقال له أيضا في القرآن الكريم: “وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك، والى الله ترجع الأمور”، (فاطر 4 ).
وما كان الله ليدع رسله وأنبياءه للناس ليغلبوهم على رسالاتهم فهو الذي أرسلهم وهو ناصرهم في دعوتهم في النهاية ليميز الله الخبيث من الطيب، ولذلك قال الله تعالى لنا في القرآن الكريم: “إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار” ( غافر/52 ).
ولذلك أيد الله تعالى رسله وأنبياءه بالمعجزات الباهرات التي هي فوق حدود العلم ووراء طور العقل الإنساني، لتكون تلك المعجزات معجزة للناس في معارضتهم لأنبياء الله ورسله، وتثبيتا لهم في مواجهة مكذبيهم؛ وكانت معجزة الإسراء والمعراج بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وهي فوق حدود العلم الإنساني إشعارا من الله لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه في كنف الله العظيم الذي أعده لرسالة الإسلام النبيلة إلى الناس، التي كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول فيها: “والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه”.
وقد أخبرنا الله عن هذه المعجزة العظيمة في القرآن الكريم فقال: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصا الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، انه هو السميع البصير”. الإسراء/1.
والإسراء في اللغة هو السير ليلا، وفي بدايته يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “فجاءني جبريل وهو روح القدس بالبراق (وهو مخلوق اسمه مشتق من البرق يضع حافره عند منتهى بصره من سرعته)، فانطلق بي إلى بيت المقدس” وهو المسجد الأقصى، حيث جمع الله له الأنبياء فصلى بهم إماما، يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل: “إخترت الفطرة”، ثم عرج به جبريل عليه السلام إلى السماء إلى سدرة المنتهى، وهنا يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “فغشيها من أمر الله ما غشيها فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، وأوحى الله إلي ما أوحى، وفرض علي خمسين صلاة كل يوم وليلة حتى قال: “يا محمد، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر (أي من الأجر والثواب)، فتلك خمسون صلاة”.
ولذلك يجب على كل مسلم ومسلمة أيها الإخوة أن يواظب على تلك الصلوات الخمس في أوقاتها كل يوم، وقد فرضها الله تعالى على عباده في ليلة الإسراء والمعراج لأهميتها، وهي التي قال فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله”.
والذي نود أن نذكر الناس به في هذه المناسبة العظيمة في تاريخ الإسلام ورسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام هو الانتباه جيدا إلى الصلة العظمى التي أحكمها الله تعالى بالإسراء والمعراج بين المسجد الحرام بمكة المكرمة، وبين المسجد الأقصى في القدس الشريف وبين السماء، وجعل نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أمينا عليها، وعلى الأرض التي بارك الله فيها حول المسجد الأقصى بقوله في القرآن الكريم: “المسجد الأقصا الذي باركنا حوله”، والذي حوله هي الأرض المقدسة في فلسطين، وفلسطين هي أرض عربية على مدى التاريخ والأزمان، ما خلا الفترات التي تعرضت فيها فلسطين للاحتلال، وفي عصور الإسلام الأولى حررها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب من الرومان، ثم حررها الملك العادل صلاح الدين الأيوبي من الفرنجة الغربيين الذين سموا أنفسهم الصليبيين، وفي العصر الحديث احتلها اليهود الغربيون وأقاموا فيها كيانا أجنبيا أسموه إسرائيل، وفلسطين تنتظر اليوم من يحررها من احتلال اليهود الغربيين لها، وتحرير فلسطين من هذا الاحتلال الأجنبي هو أمانة في عنق كل عربي وعنق كل مسلم، وتحريرها قادم مهما طال الزمن إن شاء الله تعالى، وشعب فلسطين أيها الإخوة ينمو داخل فلسطين وخارجها في بلاد العرب وفي العالم خارج وطنه، والشعوب لا تبيع أوطانها، ولا تتنازل عنها باسم السلام العادل مع المحتل الأجنبي، وشعب فلسطين العربي سوف يعود إلى وطنه في فلسطين ويحرره من الاحتلال الأجنبي إن شاء الله تعالى، ولن يرض بالتوطين في أي أرض خارج أرضه في فلسطين وخاصة في لبنان، ونحن إلى جانبه ولن نرضى معه أيضا، لأن التوطين هو مؤامرة يهودية صهيونية لمحو الشعب الفلسطيني من أرضه وتذويبه خارج فلسطين، ولن يضيرنا أيها الإخوة ضعف أمتنا اليوم، فالأمم تضعف وتقوى والأيام عليها تتوالى، والتاريخ والمستقبل ليس هو الأمس ولا اليوم فقط، بل هو الغد العزيز أيضا مهما طال الزمن، ولقد مضى قدر وبقي أسف، ومع اليوم غد، وسيرى الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وقد قال الله تعالى لنا في القرآن الكريم: “ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين”، آل عمران/139 – 140)
ولبنان اليوم أيها الإخوة، يمر اليوم في ظروف صعبة وقاسية جدا تستدعي منا جميعا جهدا وطنيا استثنائيا وإنقاذيا، نتعالى فيه عن الجراح والخلافات لننقذ وطننا وشعبنا الذي ينتظر منا الإنقاذ، حتى لا تنزلق البلاد إلى هاوية سحيقة بالصراعات الداخلية الانتحارية التي يخطط لها من يريد بلبنان شرا، وبداية هذا الإنقاذ هي على طاولة الحوار، وما جرى ويجري في طرابلس والشمال والبقاع، يجب علينا التنبه له، والوعي بمخاطره، كي لا يكون مدخلا للفتنة في كل لبنان، ونحن عاملون على رأب صدعه مع كل القيادات إن شاء الله تعالى، ولبنان وشعبه أمانة في أعناق قياداته اللبنانية، وإنها لأمانة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته