بات المشهد يتكرّر في كلّ مرّة يدخل فيها أحمد سليم ميقاتي إلى قاعة المحكمة العسكريّة. تفاصيل قليلة تتغيّر، فيما الباقي ثابت.
بالأمس، دخل عمر ميقاتي قبل حوالي ربع ساعة من بدء الجلسة المتّهم فيها مع 7 آخرين، بينهم والده وأسامة منصور وشادي المولوي، بتأليف مجموعة مسلّحة بهدف القيام بأعمالٍ إرهابيّة والمشاركة في معارك جبل محسن ـ باب التبّانة، ووضع عبوات ناسفة بهدف استهداف دوريّات الجيش والتخطيط لقتل ضبّاطه.
دخل الموقوفون، نادى رئيس المحكمة العسكريّة العميد الرّكن خليل ابراهيم على أحمد ميقاتي، ليردّ العسكريّ بأنّه هنا. دقائق ودخل «أبو الهدى» مرتدياً الزيّ الرسمي المعتمد لموقوفي سجن الريحانيّة ذا اللون الكحلي والمخطّط بالأحمر عند الخصر. آثار التّعب بادية على الرّجل الخمسيني الذي ما إن همّ أحد العسكريين بالاقتراب منه لإدخاله إلى القاعة، حتى نظر إليه قائلاً: «شوي شوي.. أنا تعبان».
وكالعادة وزّع الرّجل المتّهم بإنشاء إمارة تابعة لـ «داعش» في الضنيّة، نظراته داخل المحكمة، بحثاً عن ابنه الذي وجده واقفاً في زاوية القفص يحدّق به فرحاً.
التقت الأعين، فبشّر عمر والده بأنّ «إحداهنّ ولدت»، ذاكراً اسم المولود الجديد. كان الحديث بينهما عبارة عن تمتمات وإشارات لرجلين تحيطهما القوى الأمنيّة من كلّ جانب وتفصلهما مسافة الأمتار القليلة. وحينما انتهت الجلسة وقام العسكريون بإخراج أحمد من القاعة، لم يستطع الرجل أن يكبت عاطفته فمدّ يده إلى داخل القفص ولمس خدّ ابنه الذي سارع إلى القول: «مبروك (بسبب المولود الجديد)».
وبرغم أنّ الجلسة أرجئت إلى 1 حزيران المقبل ورفع ابراهيم الجلسات، إلا أن «أبو الهدى» لم ينسَ عادته. اقترب من المنصّة ليشرح وضعه المأساوي الذي يعاني منه بسبب سَجنِه في الريحانيّة، حيث ينفّذ الموقوفون هناك إضراباً عن الطّعام منذ أكثر من 12 يوما.
«أنا مظلوم وابني مظلوم»، هكذا ردّد أحمد ميقاتي لأكثر من ثلاث مرّات، مستغرباً أنّ بعض الذين قاموا بأمور أخطر ممّا قام به تمّ نقلهم إلى سجن روميّة، فيما هو نزيل الريحانيّة منذ أكثر من عام «وهذا ظلم. أنا لم أقتحم ثكنة ولم أفعل شيئاً، فلماذا أنا موجود هناك؟»، قبل أن يتذكّر سؤال العميد ابراهيم عن التهمة المسندة إليه في هذا الملف الجديد (جلسة الأمس)، ليردّ الأخير مبتسماً: «كلّو بيشبه بعضو».
أكمل ميقاتي شكواه، فيما ابراهيم أكّد أنّ لا سلطة له على السّجون، شارحاً له ضرورة إرسال طلب إلى الجهة المعنيّة، أي مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة.
اطمأن ميقاتي، إلا أنّه ـ كالعادة ـ طلب رؤية ابنه خارج القاعة، فطلب ابراهيم من الشرطة أن تدخل ميقاتي وابنه إلى غرفة للاجتماع به لمدّة 5 دقائق بوجود الضابط المسؤول.
«مظلوميّة» ميقاتي جاءت أيضاً على لسان الموقوف محمّد الأطرش، المتّهم بانخراطه بـ «جبهة النصرة» بهدف القيام بأعمال إرهابيّة ومنها تفجير سيارة مفخّخة في النبي عثمان أدّت إلى استشهاد مواطنَين وجرح 15 آخرين، بالإضافة إلى نقل وتصليح سيارات لإرهابيين.
يعتقد الشاب الذي دخل إلى قاعة المحكمة بثيابٍ رثّة و«شحاطة» بالية، أنّه متّهم «فقط لأنني شقيق الشيخ عمر (الأطرش)»، مضيفاً: «أنا تبرأت من ثلاثة أرباع أقوالي التي قلتها تحت الضغط والتعذيب في وزارة الدّفاع».
كادت الجلسة أن تعقد ويبدأ ابراهيم باستجواب الأطرش، إلا أنّه قبل أن يفعل سأل وكيل الدّفاع عن الموقوف عمّا إذا قد اطّلع على الملفّ بشكل كامل على اعتبار أنّ ملفّه دقيق جداً «ونحن نريد حفظ حقوق الدّفاع»، فردّ المحامي بأنّه لم يقرأ الملفّ بتمعّن متمنياً إرجاء الجلسة إلى موعدٍ قريب. وعليه، أرجأ ابراهيم الجلسة التي وصفها بأنّها ستكون طويلة إلى 4 أيّار المقبل.
وفي «العسكريّة» أيضاً، كان من المفترض أن يستمع ابراهيم إلى الشيخ يوسف سرور. الشاهد على جريمة قتل الضابط الشهيد ربيع كحيل، غير أنّه لم يحضر ولم يبلّغ بسبب عدم إيجاد عنوانٍ له. وهذا ما دفع بابراهيم إلى تكرار طلب حضوره بالإضافة إلى طلب الاستماع إلى الشّاهدة سارة حجازي التي كانت ترافق كحيل أثناء عمليّة إطلاق النّار عليه، ثمّ أرجأ الجلسة التي ستكون سريّة إلى 27 نيسان المقبل.