قرر مجلس شورى الدولة برئاسة القاضي شكري صادر وعضوية المستشارين زياد شبيب وريتا كرم القزي عدم الموافقة على مشروع المرسوم الأخير المتعلق بالأجور.
وبرر المجلس رفضه المشروع لان إعادة ترتيب المبالغ التي منحت للاجراء تحت تسمية بدل النقل والتي صدرت المراسيم بمنحها في فترة زمنية غابت فيها مراسيم تحديد الحد الادنى ونسبة غلاء المعيشة ، ووضعها تحت تسمية الحد الادنى للاجور ونسبة غلاء المعيشة يتعارض مع المادة 68 من قانون الضمان الاجتماعي التي يستند اليها مشروع المرسوم، ولأن المبلغ المقترح ضمه الى الأجر أو اعتباره عنصراً من عناصره، أي مبلغ 236 ألف ليرة، هو في جزء منه بدل نقل عن كل يوم عمل فعلي منحته المراسيم المتعاقبة منذ العام 1995 ، خلافاً للقانون، الى حين تفعيل وسائل النقل العام ، ولهذا السبب إن اعتبار هذا المبلغ جزءاً من الأجر يعتبر تعديلاً في المراسيم المتعلقة ببدل النقل المشوبة بعيب عدم الاختصاص والتي لا يمكن تصحيحها أو تعديلها بمراسيم إنما بتدخل من السلطة صاحبة الاختصاص وهي السلطة التشريعية.
وجاء في نص القرار:”إن مجلس شورى الدولة – الغرفة الادارية، وبعد الإطلاع على كتاب وزير العمل عدد 3064/3 تاريخ 23/12/2011 المتضمن طلب ابداء الرأي بشأن مشروع المرسوم المشار اليه أعلاه، وكتابه عدد 3064/3 تاريخ 29/12/2011 المتضمن طلب ابداء الرأي بمشروع مرسوم مماثل في مضمونه للمشروع الاول،
وبعد الإطلاع على مشروع المرسوم المقترح، وبعد الاطلاع على تقرير المستشار المقرر،
وبعد المذاكرة حسب الاصول، يبدي ما يلي :
اولاً – ملاحظات مبدئية:
1- إن تدخل الحكومة في تحديد نسبة غلاء المعيشة وكيفية تطبيقها يجب ان يبقى تدخلاً استثنائياً يحصل فقط عند الاقتضاء وكلما دعت الحاجة ، بحسب نص المادة 6 من القانـــــــــــــون رقم 36/67 . أي انه عند عدم الاقتضاء وعدم الحاجة يكون من غير الجائز للسلطة التنفيذية التدخل في هذا الميدان الخارج أصلاً بطبيعته عن حدود اختصاصها والداخل في مجال حرية التعاقد التي للمشترع وحده حق تقييدها.
وبالتالي فان احترام حرية التفاوض الجماعي المنصوص عليها في المادة الثانية من اتفاقية منظمة العمل الدولية، من جهة، والتقيد بحدود نص المادة 6 آنفة الذكر من جهة أخرى، يجعلان إمكانية تدخل الحكومة لتحديد نسبة غلاء المعيشة وكيفية تطبيقها على صورة زيادة على الاجور، محصورة إما عند انتهاء التفاوض الجماعي الى اتفاق، بحيث يأتي المرسوم لتكريس هذا الاتفاق، وإما عند غياب أي اتفاق بنتيجة التفاوض الجماعي.
2- إن إعادة النظر بالحد الادنى الرسمي للاجور يجب أن تتم قانوناً بصورة دورية، سنوية على الأقل، وذلك عملاً بالاتفاقية العربية بشأن حماية الأجور. وبالتالي فإن التقيّد بالموجب الملقى على عاتق الحكومة في التحديد الدوري للحد الأدنى الرسمي للأجور مستمد من نص هذه الاتفاقية وغير مرتبط بأي اتفاق أو تفاوض.
ثانياً : في البناءات :
– ورد في بناءات مشروع المرسوم أنه مبني على موافقة مجلس الوزراء بقراره رقم 33 تاريخ 21/12/2011، غير أن ملف طلب الرأي خلا من هذا القرار. لذلك فان الرأي الحاضر يتناول مشروع المرسوم بالصيغة المحالة من الوزير المختص.
– ينبغي اضافة رقم وتاريخ قرار مجلس الوزراء الذي سيصدر بشأن مشروع المرسوم بعد ابداء الرأي من قبل هذا المجلس.
ثالثاً : في المادتين الاولى والثانية :
– خلافاً لما تقتضيه النصوص القانونية والمبادئ العامة لجهة وجوب اعادة النظر بالحد الادنى الرسمي للاجور بصورة دورية ( سنوية على الاقل) وتحديد نسبة غلاء المعيشة وكيفية تطبيقها عند الاقتضاء وكلما دعت الحاجة، لم تصدر أية مراسيم لتحديد الحد الادنى الرسمي للاجور أو لتحديد نسبة غلاء المعيشة وكيفية تطبيقها، خلال الفترة الممتدة من العام 1996 وحتى العام 2008.
وفي المقابل تزامن ذلك مع صدور مراسيم بتجديد ومن ثم برفع قيمة بدل النقل اليومي للاجراء، الذي كان قد جرى منحه لأول مرة في العام 1995 بصورة مؤقتة الى حين تفعيل وسائل النقل العام ( بموجب المرسوم رقم 6263 تاريخ 18/1/1995)، فارتفعت قيمة بدل النقل من ألفي ليرة في العام 1995 حتى وصلت الى ثمانية آلاف ليرة عن كل يوم عمل فعلي في العام 2008.
– انطلاقاً من هذا الواقع، وبالنظر الى كون تدخل السلطة التنفيذية لاجل تحديد أو تعديل بدل النقل اليومي للاجراء يخرج عن نطاق التفويض المعطى لها من المشترع بموجب المادة 6 من القانون رقم 36/67، أي بالنظر الى عدم شرعية المراسيم المتعاقبة منذ العام 1995 وحتى الآن والتي تضمنت منح أو تعديل قيمة بدل النقل، يأتي مشروع المرسوم المقترح ليعيد ترتيب المبالغ التي منحت للاجراء تحت تسمية بدل النقل والتي صدرت المراسيم بمنحها في فترة زمنية غابت فيها مراسيم تحديد الحد الادنى ونسبة غلاء المعيشة ، وليضعها تحت التسمية التي تستطيع السلطة التنفيذية ان تتدخل فيها من حيث المبدأ وهي تسمية الحد الادنى للاجور ونسبة غلاء المعيشة .
– أن تحقيق اعادة ترتيب المبالغ المذكورة في الموقع القانوني السليم لا يمكن اجراؤه دون تدخل من قبل المشترع وذلك للاسباب التالية :
1- لأن ذلك يتعارض مع المادة 68 من قانون الضمان الاجتماعي التي يستند اليها مشروع المرسوم التي اشترطت ان يكون المبلغ الذي يتقاضاه الاجير ناتجاً عن العمل أو مقابلاً له لكي يمكن اعتباره من ضمن الكسب الذي يتخذ اساساً لحساب الاشتراكات المدفوعة الى الصندوق.
ولأن بدل النقل لا يعتبر دخلاً ناتجاً عن العمل أو مقابلاً له بل تعويضاً عما ينفقه الاجير للانتقال من والى العمل، وفق ما استقر عليه الاجتهاد.
2- لأن المبلغ المقترح ضمه الى الأجر أو اعتباره عنصراً من عناصره، أي مبلغ 236 ألف ليرة، هو في جزء منه بدل نقل عن كل يوم عمل فعلي منحته المراسيم المتعاقبة منذ العام 1995 ، خلافاً للقانون، الى حين تفعيل وسائل النقل العام ، ولهذا السبب إن اعتبار هذا المبلغ جزءاً من الأجر يعتبر تعديلاً في المراسيم المتعلقة ببدل النقل المشوبة بعيب عدم الاختصاص والتي لا يمكن تصحيحها أو تعديلها بمراسيم إنما بتدخل من السلطة صاحبة الاختصاص وهي السلطة التشريعية .
رابعاً : في المادة الرابعة :
– إن تاريخ 1/1/2011 الوارد في هذه المادة والذي تعتبر الزيادات الممنوحة بعده زيادات غلاء معيشة لأجل حسمها من الزيادة المقترح منحها بموجب مشروع المرسوم ، يختلف عن التاريخ الذي ورد في مشاريع المراسيم السابقة التي عرضت على هذا المجلس دون تبيان سبب ذلك. ويرى هذا المجلس ان اعتماد تاريخ 1/10/2010 هو الاقرب الى الواقع.
– يقتضي استبدال عبارة ” التي شملت جميع اجراء المؤسسة دون استثناء وفي آن واحد” بعبارة ” والتي شملت جميع اجراء المؤسسة أو شملت فئة معينة من الاجراء في المؤسسة “.
وذلك لأن المعيار في جواز حسم الزيادات الممنوحة سابقاً من الزيادة الحالية، هو في شمول الزيادة الممنوحة فئة كاملة من الاجراء في المؤسسة.
خامساً : في المادة الخامسة :
ترمي هذه المادة الى تطبيق احكام الفقرتين (و) و (ز) من المادة 50 من قانون العمل على حالات الصرف التي تطال أياً من عقود العمل الجارية وذلك بمجرد أن يكون الصرف حاصلاً بسبب أو بنتيجة أو في سياق تطبيق احكام المرسوم المقترح.
وحيث ان الفقرتين المذكورتين تنصان على ما يلي :
” و- يجوز لصاحب العمل انهاء بعض او كل عقود العمل الجارية في المؤسسة اذا اقتضت قوة قاهرة أو ظروف اقتصادية أو فنية هذا الانهاء، كتقليص حجم المؤسسة أو استبدال نظام انتاج بآخر أو التوقف نهائياً عن العمل .
وعلى صاحب العمل ان يبلغ وزارة العمل رغبته في انهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذه، وعليه ان يتشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الانهاء تراعى معه اقدمية العمال في المؤسسة واختصاصهم واعمارهم ووضعهم العائلي والاجتماعي واخيراً الوسائل اللازمة لاعادة استخدامهم.
ز- يتمتع العمال المصروفون من الخدمة تطبيقاً للفقرة السابقة، ولمدة سنة تبدأ من تاريخ تركهم العمل بحق اولوية ( افضلية) في العودة الى العمل في المؤسسة التي صرفوا منها اذا عاد العمل فيها الى طبيعته وأمكن استخدامهم في الاعمال المستحدثة فيها . ”
حيث ان الصرف لاسباب اقتصادية أو فنية يعتبر صرفاً مشروعاً لا يوجب اعطاء تعويض عن الصرف التعسفي أو عن الاساءة في استعمال حق الصرف. وإنما يوجب بعض الموجبات الاخرى على عاتق صاحب العمل وفق ما يتبين من الفقرة (و).
وحيث بالتالي ان من شأن المادة الخامسة المقترحة ان تفتح المجال للتذرع باحكام الفقرتين (و) و (ز) لأجل تلافي نتائج الصرف التعسفي أو الاساءة في استعمال حق الصرف، عبر الاستناد اليها في أية حالة صرف تتم بعد دخول المرسوم المقترح حيز التنفيذ.
وحيث بالتالي يستحسن عدم الاشارة الى احكام الفقرتين (و) و (ز) من المادة 50 من قانون العمل لأن ذلك يشكل اضافة احكام جديدة الى احكامها.
سادساً : في المادة السادسة :
ترمي هذه المادة الى السماح لصاحب العمل بأن يحسم عوائد الفائدة على الاشتراكات المسددة من قبله سابقاً، من المؤونات لفروقات تعويضات نهاية الخدمة التي سيتوجب عليه تكوينها بنتيجة تطبيق احكام هذا المرسوم.
وحيث يتبين من المادة 54 البند (4) من قانون الضمان الاجتماعي بأنه عند تصفية حساب الأجير المضمون اختيارياً ( أي الذي اختار نظام تعويض نهاية الخدمة ) يدفع رب العمل للصندوق مبلغاً يساوي جميع التعويضات المحسوبة وفقاً لاحكام المادة 51 ، محسوماً منه قيمة حساب الأجير في الصندوق. وتتألف هذه القيمة من مجموع مدفوعات رب العمل للصندوق مضافاً اليها الفوائد بالمعدل المحدد في نظام الصندوق الداخلي.
أي ان فوائد مدفوعات رب العمل الى الصندوق هي جزء من معادلة الاحتساب المنصوص عليها في المادة 54 المذكورة، وبالتالي إن تطبيق المادة السادسة المقترحة يؤدي الى تغيير المعادلة الحسابية المحددة في هذا النص، الأمر الذي يشكل تعديلاً لنص المادة 54 من قانون الضمان الاجتماعي، وهو ما لا يجوز اجراؤه بموجب مرسوم إنما يحتاج الى قانون.
سابعاً : إن مشروع المرسوم المحال بتاريخ 29/12/2011 لا يختلف بمضمونه عن المشروع الاول لذلك ينطبق عليه ما ينطبق على هذا الاخير من ملاحظات.
لذلــــــــــــــــك ،
يرى عدم الموافقة على مشروع المرسوم للاسباب المبينة اعلاه.