كل دول العالم لها خصوصية تتمايز فيها.. منها من حافظ على فن عمارتها التاريخية.. ومنها من طمر البحر وشق الجبال لينهض بمدينة تواكب العصر الحديث..
أما في طرابلس فآثارها قضى جزء منها خلال الفيضان الذي ضرب المدينة عام 1954 فقررت الحكومة أثرها آنذاك اقامة المجرى الباطوني الذي جرف معه ما تبقى من آثار صورها ما تزال محفورة في أذهان الطرابلسين، كيف كان مجرى النهر يشق البيوت والمحلات التجارية وروائح الليمون تعبق في أرجاء المدينة عدا عن تمتع سكان الحي بطقس رطب معتدل حتى بات مقصدا للسواح والاجانب..
منطقة باب الحديد الغنية عن التعريف غنية بالآثار تحولت شوارعها اليوم الى محطة تسفير للركاب، هنا موقف القبة وهناك موقف ابي سمراء وهنالك موقف زغرتا حتى بات الطرابلسي وكل زائر يظن من الوهلة الأولى أنه في محطة تسفير للركاب..
سنوات مضت على مطالبة فعاليات المجتمع الطرابلسي الحكومة اللبنانية اقامة محطة تسفير خارج المدينة لان شوارع المدينة ضيقة وغير مخصصة لإستيعاب الآلاف من السيارات في شوارع عرضها لا يتعدى 5 أمتار.
لم تنته فصول المطالبة باقامة محطة التسفير في طرابلس ومع هذا كله قامت وزارة الاشغال العامة بتلزيم المشروع على مرحلتين وكلفته 7 ملايين ونصف دولار. ففي 29 حزيران عام 2005 صدر قرار من مجلس الوزراء باقامة محطة التسفير “أي انطلاق باصات وسيارات الأجرة”، وتبلغ كلفة انشاء المحطة نحو 7 ملايين دولار، ومدة التنفيذ سنتان.
على أن هذه المحطة مركز الاتصال بين طرابلس، وكل من الخط الساحلي لغاية مدينة بيروت مروراً بمدن البترون وجبيل وجونية، وبين طرابلس والمناطق المحيطة بها وهي الكورة والضنية وزغرتا وبشري والبترون وعكار والحدود الشمالية.
ويقع مشروع بناء محطة التسفير في البحصاص جنوب مدينة طرابلس، وتبلغ مساحة الأرض المخصصة بالمشروع من قبل مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك نحو 50 ألف متر مربع، وهي تحتوي على المحطة القديمة لسكك الحديد في منطقة البحصاص، في الطرف الجنوبي لمدينة طرابلس، على بعد 600 متر من مفرق البحصاص، الذي يحدد مدخل المدينة الجنوبي، وعلى بعد 2.7 كيلومترين من ساحة التل في وسط المدينة، حيث نقطة التقاء شبكة نقل المدينة مع شبكة نقل المناطق المحيطة بها.
سنوات مضت والوعود والقرارات ما تزال حبرا على ورق والمدينة تغرق في فوضى عارمة تبدأ من ساحة عبد الحميد كرامي مروراً بساحة جمال عبد الناصر وصولا الى شارع عزمي، عدا عن المفارق الحيوية كشارع المصارف الذي تنتشر فيه الفانات وسيارات الاجرة على ضفتي الشارع ليبدو كأنه موقف للسيارات علما ان هذا الشارع يضم اهم المؤسسات المصرفية. كما تحولت واجهات محلات شارع عزمي الى كاراجات للفانات والتاكسيات وفي كثير من الاحيان يضطر المواطنين عدم المرور فيه هربا من اصوات وصراخ السائقين.
عرفت ساحة التل (ساحة جمال عبد الناصر) فيما مضى بساحة الحمرا.. كانت الساحة يومها تعيش في أوجها وروادها ينتشرون في كل زاوية من الساحة منهم قاصدا دور السينما ومنهم المقاهي ومنهم المحلات التجارية.. أما اليوم تحولت هذه الساحة بفعل سياسييها الى ساحة من العصر الجاهلي.. هنا ماسحو الاحذية.. وهناك البسطات العشوائية.. وهنالك عربات الفاكهة والخضار.. وهنا مواقف السيارات.. مواقف الى كل المناطق والاحياء.. واصوات السائقين وصراخهم يملأ المكان فيخيل لك أنك في حلبة صراع.. لم يتحرك أحد لازالة هذه المخالفات وملاحقة من تسببوا بنشر الفوضى في كل مكان.. حتى الباعة المتجولين باتوا استراحة نهارهم الطويل في هذه الساحة وحولوا حديقة “المنشية” الى مراحيض وعندما يشرق صباح جديد على هذه الساحة تنتشر الروائح الكريهة وتزعج المارة ليتساءل البعض عن السبب الحقيقي لاهمال هذه المنطقة الحيوية والتي يفترض ببلدية طرابلس أن تولي هذه المنطقة الاهمية الكبرى خاصة وانها تعتبر واجهة المدينة والمعروف أن المرء يسعى دائما لتكون واجهة منزله الأجمل لكن هذه القاعدة يبدو انها غير متبعة لدى بلدية طرابلس التي وضعت قمامة المدينة كلها في واجهتها.
مواطنون يسألون عن السبب الحقيقي في عدم ابعاد ونقل مواقف السيارات والفانات والحافلات الى خارج المدينة خاصة وانها باتت مصدرا للازعاج وان هذه الحالة لم تعد تطاق وعلى وزير الداخلية وضع حد لهذه الفوضى المستشرية والتي لا تلتزم بتطبيق قوانين السير فترى سائق فان يقود وهو ينظر الى يمينه عله يلتقط راكبا من هنا او من هناك حتى بات المارة يلتفتون يمينا وشمالا وعلى كل محاور حتى لا يقعوا ضحية سائقين لم يطبقوا يوما قوانين السير. وفي حال قررت البلدية يوما ازالة هذه المخالفات والتعديات مدتها لا تتعدى اكثر من ساعات حيث يقوم المتضررون بزيارة من انتخبوا لطلب النجدة وهكذا يعود كل الى عمله وكأن شيئا لم يكن.. وتبقى ساحة “التل” ساحة مفتوحة يرتادها الاجانب والسواح من كل أصقاع العالم وتبقى علامات الاستفهام الحلقة المفقودة في هه القضية.. الى متى ستبقى طرابلس ضحية لاصوات الناخبين الذين باتوا فعليا يؤثرون على اقتصاد المدينة وازدهارها..