توجه السيد توفيق سلطان إلى الدولة اللبنانية للطلب من الحكومة الفرنسية للإعتذار عن المجزرة التي إرتكبها جنود الإنتداب الفرنسي العام 1943 في مدينة طرابلس وذهب ضحيتها آنذاك 14 طفلا وعشرات الجرحى خلال التظاهرة التي قام بها طلبة المدارس في المدينة غداة إعتقال القوات الفرنسية رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك بشارة الخوري وأركان الدولة.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده سلطان في منزله بطرابلس إستهله قائلا: خلال إطلاعي على برنامج زيارة رئيس الحكومة التركية رجا الطيب أردوغان إلى لبنان ساءني أن هذه الزيارة التي تشمل لبنان من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه قد إثتثنت طرابلس، وهذا يدلل على أن طرابلس ما تزال في دائرة الإهمال، ففي السابق ومنذ نصف قرن تقريبا ومن خلال قراءتي في ذاكرة طرابلس، قام الرئيس التركي جلال بيار بزيارة لبنان في العام 1953 وأقيم له الإستقبال الرسمي والشعبي في مدينة طرابلس وتحديدا في شارع التل قبالة الحديقة العامة (المنشية) وكان هناك كلمات ترحيبية ورئيس بلدية طرابلس آنذاك بعد أن أنهى كلمته باللغة العربية خاطبه باللغة التركية فكانت لفتة بالغة أدخلت السرور إلى قلب المحتفى به ،كذلك زار المدينة في الآونة نفسها ولي عهد المملكة العربية السعودية الملك سعود بن عبد العزيز، وكذلك إستقبل وأقيم له إحتفال ترحيبي في وسط المدينة في الحديقة العامة، وزار المدينة أيضا عضو قيادة الثورة المصرية صلاح سالم وكان وجها مصريا بارزا كذلك زار طرابلس العاهل الأردني الملك حسين، وعضو مجلس قيادة الثورة الجزائرية محمد خيضر برفقة علي الكافي مندوب الثورة الجزائرية في لبنان والذي أصبح فيما بعد رئيسا للجمهورية الجزائرية.
أضاف: طرابلس هذه كانت حاضرة في التاريخ اللبناني وكان دورها فاعلا، أما اليوم فهي غائبة ومغيبة عن الحضور في كافة المجالات، وأنا أغبط صيدا على حيويتها السياسية بكافة مواقعها الحاكمة والمعارضة فهي حاضرة في الإنماء وفي السياسة اليومية وفي العلاقات الخارجية تعما ليلا نهارا على تأمين حاجات المدينة مباشرة من الدولة أو من خلال التبرعات والعطاءات والهبات من الخارج ،فأين طرابلس من كل ذلك؟.
وتابع : بالأمس رأينا وشاهدنا الرؤساء الثلاثة على منصة واحدة تحت العلم اللبناني يحيط بهم كل أطياف المجتمع بخلافاته وتناقضاته وطبقاته ونقاباته وكان منظرا جميلا جدا وخاصة منظر جنودنا البواسل وأسلحتهم المتواضعة التي نأمل أن تتكامل وأن تتطور وأن يأتي اليوم ويصحح فيه تاريخ مهم ومحطة تم فيها ظلم قائد كبير للجيش هو العماد إميل البستاني الذي أمن للبنان سلاحا نوعيا هو صواريخ الكروتال وهي صواريخ أرض ـ جو مما أقلق في حينه إسرائيل وحماتها من أميركان وأوروبيين وعملت أجهزة الإستخبارات على تشويه صورته وإتهامه بأن وراء هذه الصفقة عمولات فأبعد عن قيادة الجيش، وإلى الآن لا يستطيع الجيش اللبناني الحصول على صواريخ أرض ـ جو وهي سلاح دفاعي، وضد من؟ ضد العدو الإسرائيلي ومن هو الذي يعربد في سمائنا منذ أكثر من 50 سنة؟ هو الطيران الإسرائيلي.
وقال: تاريخ لبنان إلى الآن لم يكتب وما كتب وما يتداول فيه هو تاريخ مزور ومغلوط، وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك عيد للشهداء، من هم شهداء لبنان تحديدا؟ ما يذكره التاريخ هم الذين أعدمهم جمال باشا السفاح، أما شهداء الإستقلال فمغيبون.
وأردف قائلا: أهل طرابلس كما أهل لبنان والخارج أغلبهم لا يعلم أنه غداة اليوم الذي إعتقل فيه رئيس الجمهورية وأركان الدولة قامت تظاهرات عارمة في طرابلس من الطلاب والأهالي ووقعت مجزرة مشهودة ومصورة و إستشهد فيها 14 شهيدا وجرح 25 آخرين وغالبيتهم من الأطفال وطلبة المدارس ، وهذه المجزرة غير موثقة وليس هناك من نصب يذكر أسماءهم ويخلد ذكراهم وليس هناك من مقبرة محترمة.
وهنا عرض سلطان تحقيقا نشرته جريدة “السفير” يوم أمس الإثنين وفيه صور عن حالة بعض مقابر هؤلاء الشهداء وقال: مشاهد هذه المقابر تبين حالتها المزرية وهي وصمة عار في جبين الدولة والهيئات الرسمية في البلد وهذا المنظر غير مقبول ، هؤلاء هم شهداء الإستقلال والإستقلال لم يكن منّة ولم يكن جراء تسوية قام بها السفير الإنكليزي سبيرز ،وأنا أتابع هذا الموضوع وأذكر به منذ العام 1963 وضمنته برنامجي الإنتخابي للمجالس البلدية في ذاك العام عندما ترشحت إلى إلإنتخابات البلدية لآنذاك ولا أزال أتابعه في كل ذكرى إستقلال لكي لا أسقط المهل الزمنية المسقطة للحق، حق المدينة وحق الشهداء وهو حق مقدس سيما وأننا شكلنا لجنة في ذلك الحين ضمت على ما أذكر قاضي الشرع الشيخ عبد اللطيف زيادة الذي أمّ المصلين على أرواح هؤلاء الشهداء وكان خطيبا أثناء الجنازة والذي قاد التظاهرات من الجامع المنصوري الكبير عنيت المناضل رهيف دملج.
أضاف: النضال ضد الإستعمار وضد الصهيونية ليس إبن اليوم هو إبن سنوات طويلة وقاعدة النضال كانت طرابلس وعندما كان الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين هو زعيم الأمة وكان يعمل من أجل فلسطين إلتحق به عدد كبير من شباب طرابلس ولحقوا به إلى برلين، ومصباح لطيفة إبن المدينة ألقي القبض عليه وأعدم من قبل السلطات الإنكليزية، وعشرات من شباب طرابلس منهم الدكتور عبد الله البيسار والدكتور عمر البيسار وسعدي بصبوص المذيع في إذاعة صوت العرب من برلين ومصطفى حمزة رئيس إتحاد نقابات العمال الخياط رشاد العلاف جميعهم مع آخرين غادروا إلى برلين، ونحن قارعنا الإستعمار في طرابلس وخارج طرابلس، وهناك طليعة من شباب طرابلس توجهت إلى سوريا وإلتحق عناصرها بثورة هنانو وعدد كبير ذهب وقاتل إلى جانب ثورة صالح العلي في جبل العلويين منهم المحامي سمير الرافعي وراسم سلطان وهناك من أصيب أو إستشهد.
وتساءل : لماذا هناك إصرار على تغييب تاريخ لبنان وبالذات تاريخ طرابلس؟ لمصلحة من؟ ولماذا يجب القول أن هذا الإستقلال قد تم بنتيجة إعتقال شخصيات بارزة في البلد وأن السفير الإنكليزي جاء وضغط خلال أيام ونال على الأثر اللبنانيون إستقلالهم؟ وهل إعطاء الحق لطرابلس ولشهداء طرابلس ينتقص من قيمة هؤلاء الزعماء؟ بالطبع لا ،بالعكس هو يعزز نضال هؤلاء الزعماء، وهذا الإستقلال قد دفع ثمنه دماء وتضحيات ونضالات كثيرة.
وقال: ماذا يمنع الدولة اللبنانية أن تطالب رسميا الحكومة الفرنسية بالإعتذار عن هذه المجزرة والتعويض على المدينة وأهل الضحايا ،فإسرائيل لا تزال إلى اليوم تستحلب من ألمانيا التعويضات على ما يدعى بأنها مجازر إرتكبت ضد اليهود، وبالأمس الرئيس القذافي اجبر إيطاليا على الإعتذار ودفع مليارات الدولارات تعويضا عن فترة الإستعمار الإيطالي لليبيا، وما أطالب به لا يسيىء إلى العلاقات بين لبنان وفرنسا، لأن العقل الأوروبي يحترم الأنسان الذي يطالب بحقه ويحتقر الإنسان الذي يهمل حقوقه، والحكم إستمرار والنضال أيضا إستمرار، وما نراه اليوم في الجنوب ومقاومة إسرائيل هو إستمرار لنضال شباب طرابلس من أيام الإستعمار الفرنسي.
وختم: هناك شوارع في بيروت ما تزال تسمى بأسماء تعود إلى مرحلة الإنتداب الفرنسي، ومنزل المفكر الكبير منح الصلح هو في شارع يطلق عليه إلى اليوم شارع كولمباني ضابط المخابرات الفرنسي وهناك شوارع بإسم اللمبي وفوش وسبيرز، لماذا هذا الأمر هل هناك من يفتخر بهذه الحقبة الإستعمارية ؟. على كل حال نقول للرئيس أردوغان أهلا وسهلا بك في لبنان وطرابلس مدينة مميزة ولا يزال أهم شوارعها يحمل إسم الوالي التركي عزمي بك الذي ترك آثارا ما تزال ماثلة في كل من طرابلس وبيروت وهي آثار جميلة جدا منها قصر الصنوبر وغيره.