بقلم فايز فارس
شكراً للأستاذ وضّاح الجمّ مدير فرع طرابلس للمعهد الوطني العالي للموسيقى/الكونسرفاتوار على دعوته الكريمة للأستماع إلى عزف أدّاه أساتذة المعهد إبراهيم فرشوخ (عود) خالد نجّار (عود) نبيل جعفر (بيانو) عامر خياط (رق)، السبت الفائت في قاعة مركز الصفدي الثقافي. إستقبلنا معن وريما عند مدخل المركز بإبتسامتهما المشعّة النقيّة ورحّب بنا الأستاذان وضّاح الجمّ وعلي الصايغ عند باب القاعة قبل الدخول إلى عالم الموسيقى الرائع.
بدأ مشوارنا بنزهة قصبجيّة على عربة مربوطة إلى أربعة أحصنة قوية دارت بنا في أرجاء عزبة تعيش على إيقاع الألوان ورقرقات الجداول مع إغفاءة على وسادة العاشق المتيم عازف العود الأول في فرقة أم كلثوم. ثم تمايلنا على إيقاع لونغا شهناز أدهم أفندي ورقصنا مع لونغا رياض السمباطي حتى بتنا جاهزين لإستقبال بنت البلد لمحمد عبد الوهاب التي لفّتنا بشالها الحريري وأسمعتنا رنّة خلخالها وسقتنا من رحيق عينيها.
توقفت الأنفاس لحظات لتنطلق مخيلتنا في فضاء ميلوديا مخملية على البيانو للأستاذ نبيل جعفر العاشق الولهان بشفاه خمريّة وعيون عسليّة، تواكبه نقرات من عود الأستاذ إبرهيم فرشوخ. وكان علينا أن نسترجع أحاسيسنا المسلوبة لنعاين عبدو حابب غندورة التي لبست التفتا الهندي كما جارتها بنت الشلبيّة التي أطلت علينا على إيقاع إسكوار تركي وهي تغني توتا توتا لفريد الأطرش. ثم خفقت القلوب لخواطر عود الأستاذ إبراهيم فرشوخ الذي أجاد وإبتكر فأبدع في ترحاله ما بين بساتين بغداد الغناء بتمورها وعسلها وعرائش أشبيليه الوضاءة بعنبها وخمورها. ولم نشعر بمرور الوقت إلا بعدما إنتهى العازفون من تأدية معزوفة كازاتشوك من الفولوكلور الروسي العالمي الذي يعرفها جميع من قصد ذات يوم روسيا العظيمة أو حلم بزيارتها في يوم من الأيام وما زال يحلم ويمنّن النفس.
إتفق الحاضرون على أن برنامج السهرة، رغم روعتها وجودتها، بدا قصيراً بسبب عطش مزمن وجوع عتيق إلى عزف موسيقي راقٍ ومتقدم في أن معاً. شربنا الكأس الأولى فتذوّقنا، وشربنا الكأس الثانية فطاب لنا، وشربنا الثالثة حتى الثمالة فانتشينا. يبدو أن المنظمين لهذه الأمسية قد أرادوها قصيرة حتى لا يتسنى لنا أن نسكر فننسى طريق العودة إلى بيوتنا.