احتفلت تكميلية حلبا المارونية بتخريج دفعة جديدة من طلابها، برعاية رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بوجوده وحضور النائب نضال
طعمه، رئيس المنطقة التربوية في عكار كليمان غصن ممثلا المدير العام لوزارة التربية فادي يرق وفاعليات .
بعد النشيد الوطني قال مدير التكميلية الخوري نسيم قسطون:”يقول الرب يسوع المسيح: إن واحدا يزرع، وآخر يحصد. إنجيل يوحنا الفصل الرابع، الآية 37. هذا القول يمثل العملية التربوية بامتياز حيث يتشارك الأهل و المدرسة ليزرعوا في عقول وقلوب ونفوس التلاميذ بذورالعلم والشوق إلى المعرفة كي يمكنوهم من الحصاد في حقول الحياة الوافرة الغنى لمن هوى منذ الصغر محبة الفكر مع ملكة الحرف وعشق العلم مع احتراف تلقن القواعد والأسس السليمة لبناء مستقبل مشرق”.
وتابع:”ها نحن اليوم نجتمع معا في تكميلية مار جرجس المارونية وفي إسمها كل هويتها: إنها تكميلية لأنها أتت لتكمل مدرسة حلبا المارونية، العريقة في قدمها، ولتكمل مشروع الأبرشية التربوي الذي انطلق مع ولادة أبرشية طرابلس المارونية، بعد المجمع اللبناني في اللويزة سنة 1736، واستمر مع أساقفة كرسوا حياتهم لنشر قيم المحبة والخدمة والتي تجتمع لتؤلف شعار أبرشيتنا اليوم. ولقد ارتسم مع المثلث الرحمات المطران يوحنا فؤاد الحاج، حلم بناء مدرسة تكميلية في حلبا فتعاون مع المونسينيور حنا نكد، المدير العام السابق لمدارس أبرشية طرابلس المارونية آنذاك، والقيم العام على الأبرشية آنذاك الخوري سليم الزريبي لرسم الخطوط العريضة لهذا المشروع الذي أبصر النور في عهد صاحب السيادة المطران جورج بو جوده الذي بارك وشجع قيام هذا الصرح وأشرف على ولادته بشكل مباشر الخوري خالد فخر، المدير العام الحالي لمدارس أبرشية طرابلس المارونية الابتدائية، وكرس الكثير من الوقت والجهد لتحويل الحلم إلى حقيقة مع فريق المهندسين جوزيف موسى وموريس إسطفان ودعد شاهين و هلا الجقل ليصبح في العام 2009 جاهزا لاستقبال التلاميذ وتحديدا في 11 أيلول 2009، أول يوم فعلي فيه”.
واضاف:”منذ العام 2009 وحتى اليوم، تضافرت جهود فريق عمل مميز أشرف عليه الدكتور صوما بو جوده، المنسق التربوي العام لمدارس أبرشية طرابلس المارونية، بالتعاون مع المدير العام لوزارة التربية الوطنية، الدكتور فادي يرق، والمطران مروان تابت السامي الاحترام، وقاده حتى نهاية عام 2010 الخوري سليم الزريبي ونفذ الخطة بإحكام منذ 2009 وحتى اليوم عائلة تربوية تتألف من مدرسة مار أنطون البادواني في كرمسدة وتكميلية المطران المارونية في القبة وتكميليتنا، تكميلية مار جرجس المارونية، حيث تتضافر جهود مديرة الدروس السيدة ميرزا نخل مع المنسقين التربويين الخوري عبود جبرايل، مدير تكميلية المطران المارونية، والسيدة جيزال نكد والآنسة عايدة الجمال والسيدين بولس بطرس ورياض موسى فضلا عن الأخت فرانسواز الخوري والزميلات والزملاء (بالترتيب الأبجدي) جورج سعد، ديالا الصراف، راشيل شاهين، سينتيا نجم، كارين النشار، لبيبة العامود، ميشلين تلج ونادين عبدالله وبلمسة محبة السيدة هدى فرح، العاملة في مدرستنا. وقد آزرتهم في ذلك ثقة الأهل ومحبتهم وتعاونهم في كل المجالات”.
وقال:”انها أيضا تكميلية مار جرجس لأنها اتخذت اسم شفيع الرعية إسما لها وهي تسعى للتمثل به فتكون شاهدة لقيم مهمة جدا أهمها أن تقرن القول بالفعل فمار جرجس جمع الشهادة والاستشهاد، ونحن في مدرستنا نسعى لتحصين طلابنا بالعلم مع تنمية قيمهم الإنسانية والوطنية ومن أهمها مفهوم العيش الواحد بين إخوة في وطن واحد. فاحترمنا في مسيرتنا الروح المسكونية وروح المحبة واحترام التنوع والتعدد مما قادنا لنشهد اليوم في هذا الحفل تخرج دفعة العام 2012 – 2013 بثوب متشابه كدليل على المساواة في الحقوق على أن يبقى عليكم أيها الخريجون أن تتميزوا عن بعضكم البعض، بجدارتكم وتفوقكم وخياراتكم في الحياة”.
واضاف:”مدرستنا أيضا مارونية لأنها تنتمي إلى كنيسة تفتخر بمشرقيتها وانفتاحها على العالم في آن. فنحن مترسخون في جذورنا الوطنية والمشرقية مع حرصنا على الانفتاح على الحضارة والتطور المتلائمين مع قيمنا الروحية والإنسانية والثقافية. وفي الختام، نشكركم جميعا من كل القلب على تلبية دعوتنا اليوم وشكر خاص يبقى لصاحب السيادة على حضوره ورعايته الأبوية ولكل من حضر وساهم في تنظيم هذا الاحتفال وفي تغطيته معنويا وإعلاميا وأمنيا. ويبقى الشكر الأكبر لله الذي شاء فجمعنا لنشهد على باكورة الحصاد التربوي في تكميلية مار جرجس المارونية في هذا اليوم التاريخي في مسيرتها”.
ثم تحدث بو جوده وقال:”يطيب لي أن أرحب بكم أفضل ترحيب في هذه المناسبة الجميلة التي نحتفل فيها بتخريج طلاب تكميلية حلبا المارونية، بعد أن أمضوا سنوات ثلاث في هذه المدرسة وهم يستعدون لدخول المرحلة الثانوية ومن ثم المرحلة الجامعية إن شاء الله. وأريد أن أنتهزها مناسبة للحديث معكم عن أهمية التربية والثقافة التي نسعى إلى تأمينها لتلامذتنا في مدارسنا الإبتدائية والتكميلية في أبرشية طرابلس المارونية، لأقول أولا للأهل الأعزاء إنكم إذا كنتم قد إخترتم إرسال أبنائكم وبناتكم إلى هذه المدارس، وإلى هذه المدرسة بالذات فلأنكم تهدفون إلى إعطائهم ثقافة علمية رفيعة دون شك، ولكن في الوقت عينه إلى إعطائهم تربية إنسانية وإجتماعية عالية تؤهلهم لبناء أنفسهم ومجابهة الصعوبات والتحديات والمشاكل الإجتماعية والأخلاقية التي سوف يجابهونها عند دخولهم معترك الحياة”.
وتابع:”إن من أولى الإهتمامات التي شغلت الإنسان منذ القديم، وما زالت تشغله اليوم مشكلة التربية التي هي جزء لا يتجزأ من حياته. لأنه كائن إجتماعي، ولأن شخصيته وكيانه ينميان ويتطوران بفعل التأثيرات الإجتماعية التي يكتسبها من البيئة التي يعيش فيها ومن الأشخاص الذين يعاشرهم. فالإنسان هو كل لا يتجزأ ومن الخطأ الجسيم والفادح إيجاد نوع من الإنفصام في شخصيته وإعتبار أن أمور الجسد شيء وأمور الروح شيء آخر. الإنسان كل متكامل: إنه روح وجسد متحدان إتحادا كاملا وكليا. والإهتمام بأمور الجسد يفرض في الوقت نفسه الإهتمام بأمور الروح، والعكس بالعكس”.
اضاف:”من هنا نرى أن من واجبنا مساعدة الأولاد والشبان والشابات على أن يطوروا بتناغم مؤهلاتهم الجسدية والأدبية والعلمية، وأن يكتسبوا تدريجيا تحسسا أشد إرهافا لمسؤولياتهم، سواء في إنماء حياتهم الشخصية بالجهد المتواصل المستقيم أو في السعي وراء حرية صحيحة بتذليلهم بشجاعة كل الصعوبات، وأن ينعموا بتربية جنسية إيجابية فطنة تساير تقدمهم في السن”.
ولفت الى ان السياسة التي نتبعها في مدارسنا توجه الإهتمام خاصة إلى النواحي التالية: إن على المدرسة أن تنمي القوى العقلية نموا مضطردا وأن تمرس المقدرة على إعطاء الحكم الصائب، لأن المدرسة ليست مجرد مستودع يغرف منه الطالب علوما ومعلومات، وإلا لكان من الأسهل، خاصة مع التطور التقني على صعيد وسائل الإعلام الإجتماعية، أن يبقى الطفل أو الطالب في بيته وأن تعطى له المعلومات بواسطة التلفزيون أو الفيديو أو الإنترنت مثلا. لكن المدرسة تفسح له في المجال كي يتفاعل مع غيره فيلتقي معه ويتناقش ويتجادل ويبدي رأيه، فتتلاقى الأفكار المختلفة، أفكار الطلاب وأفكار المربين والمعلمين، ويتدرب الطالب على تكوين رأيه الشخصي، آخذا الإيجابيات من الغير، ورافضا السلبيات، فيتوصل بذلك إلى إبداء رأيه، مقتنعا بأن ليس من الضروري أن يكون رأيه دائما الصحيح، ورأي غيره الخاطىء”.
واشار الى ان “التربية الحقيقية التي نسعى إليها هي تلك التي تأتي من التفاعل الضروري بين الأشخاص فتتنامى القدرات العقلية وتتبادل الخبرات الحياتية فيصبح بمقدور الإنسان أن يعيش مع غيره ويساهم معه في مشاريع التنمية الفكرية والثقافية والإنسانية للبشرية جمعاء. وهذا يفرض على المدرسة عدم التوقف عند النتائج المادية والحسابية التي تعطيها، فتتباهى بأن جميع طلابها، أو نسبة محترمة منهم، تفوز بالإمتحانات الرسمية، بل تتخطى ذلك إلى التساؤل عن مدى نجاحها في تكوين الإنسان وتنميته تنمية صالحة وصحيحة ومتكاملة، من خلال العلوم والمعلومات التي تغدقها عليه”.
وقال:”من أهم المسؤوليات الملقاة على المدرسة، وبالتالي على المعلم، أن يدربوا الطالب على تكوين رأي صائب وصحيح، فيعرف أن يميز بين الصالح والعاطل وينبذ كل ما لا يتوافق مع القيم الأخلاقية والفكرية التي يؤمن بها. إن الخطر الذي غالبا ما يهدد الشبيبة هو التأثر المفرط وغير الواعي بالنظريات والإيديولوجيات التي تعرض عليها. فلا تكون مدربة بما فيه الكفاية للإختيار بين ما هو صحيح وما هو غلط فتنجر وراءها من غير وعي وعن غير إدراك. يكفينا أن نرى كم من الشبان يغيرون مواقفهم بإستمرار فيسيرون وراء نظرية جديدة دون أن يحاولوا تقويم هذه النظرية تقويما صحيحا، فيضطرون بعد فترة وجيزة إلى الإلتزام بغيرها، حتى ولو كانت متناقضة جذريا معها، وذلك لأن هؤلاء الشبان لم يتدربوا، وهم في المدرسة على تكوين رأي شخصي صائب وحكم شخصي متين. كما أن على المدرسة أن تشجع على إحترام معنى القيم”.
واضاف:”نحن نعيش في مجتمع مادي أصبحت المادة فيه إلها نعبده إلى جانب الإله الحقيقي، إذا لم تكن قد أصبحت إلهنا الأوحد. وأصبح السعي إلى تأمين المصلحة الشخصية والفردية فلسفتنا الوحيدة والأساسية. ففقدنا معنى القيم، وأصبحت هذه القيم المسيحية والإنسانية، كالتضحية والتواضع والمحبة والتسامح والغفران، كلمات عقيمة بالنسبة للكثيرين منا، وأصبحنا متأثرين إلى درجة كبرى بسلبيات الإيديولوجيات المعاصرة حتى أصبحنا ننظر إلى الإنسان المتقيد بالتقاليد والعادات الحميدة وكأنه إنسان من عالم آخر، رجعي لا يفهم معنى الحياة ولا يعرف أن يعيش”.
وتابع:”المهم بالنسبة لعدد كبير من معاصرينا هو أن نعيش ونحصل على البحبوحة ومستلزمات الحياة بأي ثمن كان. لقد أصبح الغش والكذب والتعدي على الغير ورمي القيم الأخلاقية جانبا، وكأنها هي القيم الوحيدة التي يؤمنون بها وكل هذه العادات ننقلها إلى أبنائنا، أو على الأقل فإنهم يروننا نعيشها. فكيف يستطيعون بعد ذلك التمييز بين ما هو مسموح وما هو ممنوع؟ هنا يبرز دور المدرسة المسيحية ومسؤوليتها. عليها أن تقف في وجه هذا التيار، حتى ولو اعتبرت تعاليمها وكأنها تمشي عكس التيار واعتبرت تعاليمها متناقضة مع نظرة العالم إلى الأمور. فالمسيح جعل من التناقضات وسيلة أساسية من وسائله التعليمية. لقد صدم أولئك القائلين بالواقع كما هو والمكتفين بالممارسات الخارجية، وأعادهم إلى الحقيقة عندما دعاهم للتجرد عن المال والمادة، والقوة والسلطان، حتى عن الذات في سبيل الرجوع إلى المحبة والتواضع والوداعة وروح السلام. وأخيرا فإن من أولى واجبات المدرسة أن تخلق بين الطلاب وقد إختلفت أخلاقهم وتباين أصلهم الإجتماعي وإنتماؤهم الديني والطائفي، روحا من الصداقة تساعد على التفاهم المتبادل. زد على ذلك أنها تؤلف مركزا حيث العائلات والمعلمون والجماعات المختلفة الأنواع، التي خلقت لتطور الحياة الثقافية والمدنية والدينية، وأخيرا المجتمع المدني، بل المجتمع الإنساني بكامله، تلتقي لتتقاسم مسؤوليات سيرها وتقدمها”.
وقال:”إسمحوا لي الآن أن أتوجه مباشرة إلى الخريجين الأحباء لأقول لهم: لقد أمضيتم عدة سنوات في هذه المدرسة مع رفاق لكم مختلفين عنكم بإنتمائهم الإجتماعي والطائفي والمذهبي لربما، لكن ما يوحدكم مع بعضكم البعض هو إنتماؤكم إلى طبيعة إنسانية واحدة، وإلى وطن واحد أنتم مدعوون إلى بنائه على أسس ثابتة ووطيدة لذا فعليكم أولا، إستنادا إلى ما عشتموه في هذه المدرسة وما ستعيشونه فيما بعد في المدارس الثانوية أو الجامعية، أو في حقل العمل، أن تنموا العلاقات الإنسانية في ما بينكم وترسخوا العلاقات الشخصية بين بعضكم البعض. فحياتكم الشخصية لا يجب أن تنفصل عن حياتكم الإجتماعية”.
وتابع:”إنكم تعيشون، كما نعيش جميعنا في هذه الأيام والظروف الصعبة في هذه المدينة العزيزة، ظروفا صعبة وقاسية تتأثر بالأحداث الجارية حولنا، والتي من الصعب جدا علينا ألا نتأثر بها. لذا فعليكم أن تكونوا أصحاب شخصيات قوية تستلهمون الله وتعاليمه في كل أعمالكم وتصرفاتكم. ولا تفسحوا في المجال أمام أحد كي يؤثر عليكم بصورة سلبية ويجركم إلى تصرفات لستم مقتنعين بها، قناعة عميقة وشخصية. فنصيحتي لكم هي أن تحاولوا بناء الجسور بين بعضكم البعض، لا الجدران والأسوار. فالجدران والأسوار تقف حاجزا فيما بينكم، بينما الجسور تخلق جوا من التفاعل والترابط والإتحاد. فبلادكم، بلادنا، بحاجة إلى جسور تعيد التواصل بين أبنائها بعد هذه السنوات الطويلة من الخلافات والإنقسامات والتشرذم بين أبنائها”.
وختم بو جودة:”إنني أتقدم منكم اليوم بأصدق التهاني والتمنيات لمناسبة تخرجكم وأتمنى لكم دوام التقدم والرقي والنجاح، كما أتمنى بهذه التهاني والتمنيات إليكم أيها الأهل الأعزاء. وأتقدم بعواطف الشكر والتقدير العميق للذين رافقوكم واهتموا بكم طوال هذه السنوات، معلميكم ومعلماتكم وإدارة المدرسة وعلى رأسها حضرة الخوري نسيم قسطون المحترم، الذي كان همه الأول، كلما توجه إلي، هو أن يراكم تتقدمون في العلم والمعرفة والأخلاق، كي تساهموا في بناء الوطن على هذه القيم والمبادىء الأخلاقية والإنسانية التي تربيتم عليها، وإلى المزيد من التقدم والنجاح في مختلف مجالات الحياة إن شاء الله”.
بعدها تسلم الطلاب المتخرجون شهاداتهم واقيم حفل كوكتيل في المناسبة.