اعتبر الوزير محمد الصفدي ممثلاً بالسيد أحمد الصفدي أن “اللبنانيين هُم الورثةُ الشرعيون لتاريخ يمتد طويلاً في الزمن الماضي. إنه تاريخهم سواءٌ اتفقوا على تفسير أحداثه أو اختلفوا، لكن الأهم هو أننا ننتمي اليوم إلى دولةٍ واحدة، مسؤولةٍ عن أمننا جميعاً ونحن نتحمّل كلُنا مسؤولية الدفاع عن حدودها وسيادتها واستقلالها”. أضاف: “كم نحن بحاجة للارتقاء في تفكيرنا إلى مستوى تاريخنا الغني، فالتاريخ لا يجوز أن يكون مادة للصراع نستخدمها كلما اختلفنا في السياسة. من هنا تبرز الدعوة إلى صياغة كتاب لتاريخ لبنان يحترم الحق في الاختلاف لكنه يبرزُ في الوقت نفسه القواسم المشتركة بين اللبنانيين وهي كثيرة وهامة.
ولفت خلال رعايته في “مركز الصفدي الثقافي” افتتاح معرض “المخطوطات المصورة لمؤلفين وكتاب من لبنان في العصر الوسيط” الذي قام المؤرخ الدكتور عمر تدمري بإعداده وتوثيقه وصوره المهندس الدكتور خالد عمر تدمري: “إن اختيار بيروت عاصمة عالمية للكتاب للعام 2009، جعل من لبنان كله عاصمة للكتاب. ولا بدّ من التنويه بما قامت به وزارة الثقافة التي نتمنى عليها تعزيز نشاطاتها في طرابلس والاهتمام أكثر بإرثها الثقافي وصولاً إلى تثبيت مفهوم السياحة الثقافية في مدينة تراكم التاريخ فيها حضارات وثقافات هي في عمقها تراث إنساني عظيم”.
المعرض الذي نظمته “مؤسسة الصفدي” بالتعاون مع وزارة الثقافة، احتشد له إضافة إلى ممثل الوزير الصفدي، أحمد الصفدي والمؤرخ د. عمر تدمري وإبنه د. خالد، النائب روبير فاضل ممثلاً بالدكتور سعد الدين فاخوري، نقيب أطباء الشمال د. نسيم خرياطي، مدير عام “مؤسسة الصفدي” رياض علم الدين، علماء دين وأعضاء مجالس بلدية، النقيب د. نبيل فتال، إعلاميون وعدد كبير من أبناء المدينة، حيث كان لافتاً الحضور الشبابي الذي أراد التعرف على هذا الإرث الكبير. علماً أن المعرض مستمر لغاية يوم الثلاثاء 6 نيسان من العاشرة صباحاً حتى السابعة مساء في مركز الصفدي الثقافي – قاعة الشمال.
كلمة المؤرخ تدمري
بعد النشيد الوطني، افتتح الحفل بكلمة للإعلامي أحمد درويش الذي سلط الضوء على محطات ومسيرة المؤرخ تدمري الحافلة بالإنجازات، ومنوهاً بالوزير الصفدي الذي أحب طرابلس وبادلته حباً واحتراماً.
ثم ألقى الدكتور تدمري كلمة اعتبر فيها: “في إطار اختيار بيروت عاصمة عالميّة للكتاب 2009 يُقام هذا المعرض في ختام هذه الاحتفالية بعد أن لفتت فكرتُه الهيئةَ العليا المنظّمةَ لفعاليّاتها، ورحّبت به وتبنّته فوراً باعتبار عنوانه يتلاءم تماماً مع فكرة الاحتفالية، ويعبّر عن مضمونها الثقافي والحضاري، بل إنها عمَدت إلى اختيار نماذج من صور المخطوطات التي نعرضها الآن، وصدّرت بها غلاف وصفحات كتابها الأول المتضمن “برنامج بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009″ الصادر عن وزارة الثقافة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة الأونيسكو”. أضاف: “الجديد في معرضنا هذا، فهو نتاج جهد فردي، ويضم أكثر من خمس وسبعين لوحة مصوّرة عن مخطوطات صنّفها مؤلّفون وكتّاب من “لبنان” في العصر الوسيط، ولنَقُل خلال ألف عام تقريباً، بدءاً من الفتح الإسلامي، وقد تتبّعناها عبر أربعين عاماً من البحث والاستقصاء وجمعناها من أكثر من 60 مكتبة وجامعة، منتشرة في 22 بلداً عربيّاً وأجنبيّاً، بهدف تحقيقها ونشرها ليتعرّف “اللبنانيّون” على تراث الأجداد وتنوّع أفكارهم وإبداعاتهم الثقافيّة والعلميّة والفنيّة”.
وقال تدمري: “واللافت أن لدينا مؤلّفين وكتّاباً من قرى لبنانية مثل: شبعا، وخربة روحا، ويونين، وحدث الجُبّة، وعبيّه، والمنَيْطِرة… واستأثر الطرابلسيّون والبعلبكيّون بأكثر المؤلفات، يليهم الصوريّون والصيداويّون، أما بيروت فلم يصلنا منها سوى مؤلّف واحد من العصر الوسيط، وهي ظاهرة تستدعي التأمّل! ولقد تنوّعت مواضيع المخطوطات التي يضمّها هذا المعرض بين الأدب، والتاريخ، والفقه، والأصول، والتراجم، والسِيَر، وعِلم الفروسية، والطبّ، والفلك، والموسيقى، والهندسة، والفلسفة، ومقارنة الأديان، والمعارف العامة… وهي بالعربيّة واللاتينيّة والسريانيّة والكرشونيّة. وفي بعض أبحاثنا توصّلنا إلى التعرّف على نحو ثلاثين مؤلّفاً طرابلسيّاً عاشوا في عصر دولة المماليك، وقد صنّفوا نحو مئتي كتاب في مختلف الفنون، طُبع القليل منها، وبقي القليل مخطوطاً، وضاع الأكثر منها، ومثل ذلك يُقال عن المؤلّفين البعلبكيّين. وفي تقديرنا، فإن مؤلفات “اللبنانيين” عبر القرون الوسطى كانت تناهز الألف مخطوط ضاع معظمها في ظروف مختلفة”. أضاف: “نأمل أن يقدّم هذا المعرض نموذجاً، وأن يكون نواةً لمعرضٍ كبير، ودافعاً لوزارة الثقافة، ووزارة التربيّة، والمكتبة الوطنيّة، ومؤسّسة المحفوظات الوطنيّة، والجامعة اللبنانيّة، والمراكز والمؤسّسات الثقافيّة، الرسميّة منها والخاصة، كي تُعنى بهذا الواجب الثقافيّ والحضاريّ والفكريّ، وتخصّص جانباً من نفقاتها لتصوير مخطوطات المؤلّفين “اللبنانيّين” وجمعها من مختلف متاحف ومكتبات العالم وجعلها في متناول الباحثين للعمل على تحقيقها ونشرها، وبذلك نحقّق حلماً وآمالاً نتطلّع إليها، ويتطلّع إليها كلّ محبّ وعاشق للتراث”. وختم المؤرخ تدمري كلمته موجهاً “تحيّة طيّبة إلى “معالي الوزير محمّد الصفدي” لرعايته مشكوراً افتتاح المعرض، و”وزارة الثقافة اللبنانية” و”فعالية بيروت عاصمة عالميّة للكتاب” على تلقّفهما فكرة المعرض وتبنّيهما دعم تنفيذه، وإدارة “مركز الصفدي الثقافي” بطرابلس على تعاونها الكريم وإتاحة الفرصة لإقامة هذا المعرض في قاعتها العامرة والرائدة في احتضان النشاطات الثقافيّة”.
كلمة الوزير الصفدي
ثم ألقى السيد أحمد الصفدي كلمة راعي الحفل الوزير محمد الصفدي، جاء فيها: “أرحّب بكم جميعاً في هذا الاحتفال الثقافي المميز، وأنقل إليكم تحيات صاحب الرعاية الوزير محمد الصفدي الذي كان يتمنى الحضور شخصياً لولا التزامه بموعد انعقاد مجلس الوزراء”. أضاف: “من دواعي سرورنا في “مركز الصفدي الثقافي” أن نستضيف معرض المخطوطات المصوّرة التي يعود تاريخها إلى القرن الوسيط. وليس بغريب عن طرابلس أن يهتم أبناؤها بالعلم والعلماء؛ فتاريخها غنيٌ بعطاءات فكرية وفنية وثقافية، نتعرّف اليوم على بعضٍ منها بفضل الجهود المشكورة للأستاذين عمر وخالد تدمري”. وقال: “لا يسعني هنا إلا أن أنوّه بالعمل الذي قام به المؤرخ الدكتور عمر تدمري على مدى السنين لجمع وتوثيق المخطوطات المتصلة بتاريخ طرابلس على مرِّ العصور. فقد أبرز معالم المدينة الأثرية وتتبّع على مدى أربعين عاماً آثارها الفكرية، فكانت له أيادٍ بيضاء في التعريف بأدباء طرابلس وعلمائها وفي إبراز إرثها الثقافي، وهو ما يُكمله اليوم الدكتور خالد تدمري؛ فالولد سر أبيه”. ولفت الصفدي: “إن اللبنانيين هُم الورثةُ الشرعيون لتاريخ يمتد طويلاً في الزمن الماضي. إنه تاريخهم سواءٌ اتفقوا على تفسير أحداثه أو اختلفوا، لكن الأهم هو أننا ننتمي اليوم إلى دولةٍ واحدة، مسؤولةٍ عن أمننا جميعاً ونحن نتحمّل كلُنا مسؤولية الدفاع عن حدودها وسيادتها واستقلالها. إنها الدولة التي تحفظ تنوّعنا وتحمي حرياتنا، وتحضنُ انتماءاتنا الدينية والثقافية وتثبت هويتنا الوطنية الجامعة”. وقال: “كم نحن بحاجة للارتقاء في تفكيرنا إلى مستوى تاريخنا الغني، فالتاريخ لا يجوز أن يكون مادة للصراع نستخدمها كلما اختلفنا في السياسة. من هنا تبرز الدعوة إلى صياغة كتاب لتاريخ لبنان يحترم الحق في الاختلاف لكنه يبرزُ في الوقت نفسه القواسم المشتركة بين اللبنانيين وهي كثيرة وهامة. فعلماء طرابلس كما علماء جبل عامل ورهبان جبل لبنان فضلاً عن الشعراء والمترجمين كلّهم تركوا للإنسانية تراثاً عظيماً؛ ونحن كلبنانيين نفتخر بهم مثلما نعتزّ بأدباء عصر النهضة والمفكرين الذين تميزوا بإبداعاتهم بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. هؤلاء جميعاً كان لهم الفضل في ولادة لبنان الذي مهما اهتز كيانه، فإنه يبقى حاجةً وضرورةً ليس فقط لأبنائه بل لمحيطه العربي مثلما يبقى نموذجاً للتنوّع والحياة المشتركة في مقابل النموذج العنصري الذي تقدّمه اسرائيل”. وختم الصفدي: “إن اختيار بيروت عاصمة عالمية للكتاب للعام 2009، جعل من لبنان كله عاصمة للكتاب. ولا بدّ من التنويه بما قامت به وزارة الثقافة التي نتمنى عليها تعزيز نشاطاتها في طرابلس والاهتمام أكثر بإرثها الثقافي وصولاً إلى تثبيت مفهوم السياحة الثقافية في مدينة تراكم التاريخ فيها حضارات وثقافات هي في عمقها تراث إنساني عظيم. أجدّد الترحيب بكم وأتمنى النجاح لهذا المعرض وأشكر كل من عمل على تحضيره”.
وقبل افتتاح المعرض قدم السيد أحمد الصفدي درع “مؤسسة الصفدي” إلى المؤرخ د. عمر تدمري تقديراً لعطاءاته وإنجازاته المميزة.