عتبر الوزير محمد الصفدي “ان طرابلس لا تزدهر إلا باتساع مساحة الحريات فيها. لا تنمو طرابلس، إلا بتوسيع قنوات التواصل والتبادل بينها وبين محيطها وبيئتها. لا تستعيد دورها، إلا عندما تعود مدينة تتقاطع فيها الأفكار وتتفاعل باحترام كامل. لا تزدهر التجارة والسياحة، إلا بالانفتاح؛ فكل انغلاق يؤدي إلى التخلف والخسارة. مهما اختلفت آراؤنا، فنحن معنيون جميعاً بحماية الحق في الاختلاف. نحن معنيون بأن تبقى طرابلس مدينة لحوار الثقافات، فلا تنغلق بواباتها أمام الموجات الفكرية ولا تخشى انفتاحاً لأنها تتمتع بالمناعة العقلية التي تميّز أهلها. فالمجتمع الذي يحمل إرثاً عمره مئات السنين لا يخاف من هبوب الريح”.
كلام الوزير الصفدي جاء خلال رعايته حفل تكريم أعلام طرابلس والشمال والفرق البحثية الجامعية، المشاركين في “الفعالية الفكرية لمؤسسة الصفدي: جامعيو طرابلس: يقرأون، يبحثون ويكتبون” وبالتعاون مع وزارة الثقافة، حيث مثله السيد أحمد الصفدي. وقد توجت نشاطات الفعالية بإصدار كتاب يضم أعمالها ومداخلات المشاركين فيها، وقد حضر الحفل التكريمي في “مركز الصفدي الثقافي”، إضافة إلى السيد أحمد الصفدي، ممثل الرئيس نجيب ميقاتي الدكتور مصطفى أديب، راعي أبرشية طرابلس وتوابعها للطائفة المارونية المطران جورج أبو جودة، مدير المشروع الدكتور مصطفى الحلوة، ممثلون لشخصيات وزارية ونيابية وثقافية ونقابية، الأعلام المكرمون وحشد من الاهل والأصدقاء.
بعد النشيد الوطني، افتتح الحفل بعرض فيلم توثيقي عن الفعالية الفكرية، ثم ألقى مدير المشروع الدكتور مصطفى الحلوة كلمة جاء فيها: ” في خضم الفعاليات التي انطلقت مع احتفالية ” بيروت عاصمة عالمية للكتاب للعام 2009″، أرادت “مؤسسة الصفدي” أن تكون في الصميم من الحدث /التظاهرة الذي يضجُّ به لبنان من أقصاهُ إلى أقصاه، فكانت فعاليتها الفكرية: “جامعيو طرابلس: يقرأون، يبحثون ويكتبون”. بهذه الفعالية النوعية أصابت ” مؤسسة الصفدي” من الحدث مقتلاً، حين استوعبت رسالة الكتاب ووظيفته بل خطابُهُ الجامع، وهو خطابٌ ثلاثي الأبعاد: إعادة الاعتبار إلى المطالعة التي يتراجع سلطانها لدى ناشئتنا في عصرٍ باتت السيادة فيه للثقافة غير الورقية، تشجيع البحث الموضوعي والرزين في الفضاء الجامعي وتكريس الفكر النقدي التحليلي وتعميم تجليات الفكر وإبداعاته في شتى الحقول المعرفية. ولفت حلوة: “إننا، عَبْرَ كتاب الفعالية الفكرية، نتطلّع إلى إبراز صوت طرابلس (وكذا الشمال)، طرابلس الفكر والثقافة والإبداع، وإلى بلورة صورتها التي كانتها في غابر السنين “مدينة للعلم والعلماء”! طرابلس العلم لا الجهالة والظلامية، طرابلس الانفتاح لا الانغلاق، طرابلس العيش الواحد لا اللون الواحد… هي عناوين الرسالة التي نبلِّغُها، من خلال هذا الكتاب”. وختم: “إننا اليومَ، في ختام فعاليتنا الفكرية وإطلاق كتابها، إذْ نكرِّم أعلامنا المبدعين وباحثينا الجادين المجتهدين، فإنما نكرّم فيهم قيم الحق والخير والجمال”.
كلمة الفرق البحثية الجامعية- فرح عيسى
ثم ألقت الجامعية فرح عيسى كلمة الفرق البحثية المشاركة في الفعالية الفكرية، فقالت: “نحن، الذين دُعينا باحثين وباحثات ونُدبنا عَبْرَ “مؤسسة الصفدي” لقراءة وبحث وكتابة، خُضنا غمار أعلامٍ طرابلسيين وشماليين مُبدعين جالوا وصالوا في مختلف الميادين المعرفية، فألفيناهم نجوماً زاهرة يضيئون عتمة ليلنا، فتعود طرابلسُ سيرتها الأولى ويعودَ الشِمال موضع القلبِ من الوطن! فِرقٌ اجتمعنا، بذلنا أقصى ما نملك من طاقات وما نختزن من معارف في خدمة البحث. وكان للقيمين على الفعالية الفكرية ولأساتذتنا أن يمهدوا لنا السبيل ويمدوا يدَ المساعدة.كان غَوْصٌ على أعلامٍ، منهم من اهتم بالأدب فجاز إلى العالمية، ومنهم من أخذه الشعر فهام في وديانه السحيقة وصعّدَ في فضاءاته الواسعة، ومنهم من كدّ في الترجمة فكان لها عاشقاً ، ومنهم من لمع نجمهُ في فناءات المسارح، ومنهم من سحره جمال الخط فسما به إلى عليين…”. وأنهت: “باسم الفِرق البحثية الجامعية نتوجه بجزيل الشُكر إلى “مؤسسة الصفدي” التي ندبتنا للمهمة الجليلة التي خضنا غمارَها، فعسى أن نكون على قدرِ الثقة . ومن على منبر “مركز الصفدي الثقافي”، هذه الحاضرة المشعة للفكر والثقافة، أدعو كل الفاعليات الشمالية الأهلية إلى أن ترفع راية العلم والثقافة خفاقةً في سماء طرابلس والشمال. وبذا يسيل في عروقهما نسغُ الحياة من جديد”.
كلمة الأعلام المبدعين-الشاعر الدكتور ياسين الأيوبي
اما كلمة الأعلام المكرمين والذين شكلوا مادة البحث، فقد ألقاها باسمهم الشاعر الدكتور ياسين الأيوبي، فكانت كلمة وجدانية موجهة إلى راعي الحفل الوزير محمد الصفدي حيث قال: ” لقد حار القلمُ فيما يخطُّه عنك. لقد بدأتَ تَعمل بكثير من الصمت والتؤدة، فلم تتّخذ لنفسك منبراً إعلامياً: صحيفةً كانت أو إذاعة أو شاشة، لأنك آثرتَ ترجمة الأقوال بالأفعال من غير جَلَبة أو ضوضاء وبهارج تسويقية، مُحدِّثاً عن أَنعُم ربك بصنائعَ ماثلةٍ لكل عين وأذن. وإن كان لي أن أرجو وأتطلّع إلى المزيد، فبِاسْمي واسم جميع المكرَّمين، أرغبُ في توسيع دائرة أهدافك وطموحاتك، والعمل على جملة منارات ثقافية يحتضنها هذا الصرح الممرَّد بالفكر والفن، فتسعى، وأنتَ في سدَّة الفريق الحكومي: لإنشاء مجلس أعلى للثقافة في لبنان يكون مركزه في طرابلس، يتألف من نخبة من المفكرين والمبدعين، يتولون الإشراف على تعزيز قدرات المواهب، سواءٌ منها المتجذرة، أم الشابة الطالعة ، يأخذون بيدها ويعضدونها في إثبات الذات، من خلال نشر نتاجهم الإبداعي – تخصيص جوائز تقديرية وتشجيعية – إنشاء جائزة عربية لبنانية تحمل اسمكم الكريم، تُمنح سنوياً أو كل سنتين، لأفضل نتاج فكري وأدبي متميز، فتكونون قد شيَّدتُمْ بنيانَيْن شامخَين للثقافة، أحدهما الذي نحن فيه الآن، والثاني في نفوس أهل الفكر والمعرفة. وحبذا لو اقتدى بكم رجالات آخرون يملكون مِثْلكم القدرات والمؤهلات”. أضاف: “لقد سعتْ “مؤسسة الصفدي”، مُنذ إنشائها إلى تحقيق الشعار الأمثل: “ثَروتُنا عقلُنا”؛ فأرستْ قواعد، وأقامتْ بُنى المعرفة والاحتراف في هذا الحفل أو ذاك، حتى وصل السَّعي إلى تشييد هذا الصرح الحضاري الذي نحن فيه. وَبدَّلتْ أعراف التكريم المألوفة. وأرى أن هذا التكريم هو الذي يمْكث في الأرض.. وأما المبدعون الذين شرُفتُ بالكلام باسمهم، فقد بلغوا من السموّ الفني، والذيوع الجماهيري، والحضور المؤثر في مختلف الأوساط الثقافية والفنيّة، داخل لبنان وخارجه، مُدرَّجاتٍ عالية بوَّأتْ بعضهم نوعاً من الريادة والفرادة إنْ في الأداء أو في الإخراج، أو في الذاكرة التي وحدها لا يعتريها الصدأ، ولا يَنْخرها سُوس التحجر والنسيان، في وجه المواكب الحديثة وصرعات العصر. وستبقى آثارهم وأدوارهم ماثلة في ضمير الأجيال يُحدِّث كل جيل عنها للجيل الجديد. وأرى أنها ستزداد رسوخاً وأصالة، كلما طغتْ موجات التخلع في الكتابة والأداء والممارسة السطحية لهذا الفن أو ذاك”.
كلمة الوزير محمد الصفدي
ثم ألقى السيد احمد الصفدي كلمة راعي الحفل الوزير محمد الصفدي ومما جاء فيها: “لم تكن بيروت وحدَها عاصمة عالمية للكتاب، فالمدن اللبنانية كلُّها شاركت في هذه التظاهرة الثقافية، وبرزت طرابلس شريكاً في صميم الحدث بفضل أدبائها وشعرائها والفنانين فيها والباحثين”. أضاف: “أعمالكم شاهدٌ على أن طرابلس لا تزال تستحق اللقب الذي حملته منذ القرن العاشر حين دُعيت بمدينة العلم والعلماء. يومها كانت إحدى أبرز عواصم الكتاب في هذا الشرق. ويومها كان الشرق هو الحضارة والمدنيّة. لا يأتي الإبداع من فراغ. إنه تراكمٌ في المعرفة والوعي والوجدان العام. لا تتحقق النهضة بصورةٍ مجتزأة، لكنّ إشارات حصولها تأتي دائماً من جانب المفكرين والفنانين. وبهذا اسمحوا لي أن أعلن ثقتي بأن طرابلس ومعها الشمال مقبلان على نهضةٍ شاملة في السنوات المقبلة. إنها النهضة التي يتوازى فيها الاقتصاد مع التعليم. حركة المصانع والمرافئ مع نمو الجامعات والمدارس”. وقال: “لقد تأذت مدينتنا من الحروب والاضطرابات على مدى ثلاثين عاماً وأكثر. خسرت الكثير من دورها كعاصمةٍ للشمال. لكن طرابلس لم تخسر موقعها؛ فالجغرافيا لم تتغير، والكفاءات البشرية ثروةٌ لا تنضب”. ولفت الصفدي: “بصراحةٍ أقول لكم: لا تزدهر طرابلس، إلا باتساع مساحة الحريات فيها. لا تنمو طرابلس، إلا بتوسيع قنوات التواصل والتبادل بينها وبين محيطها وبيئتها. لا تستعيد دورها، إلا عندما تعود مدينة تتقاطع فيها الأفكار وتتفاعل باحترام كامل. لا تزدهر التجارة والسياحة، إلا بالانفتاح؛ فكل انغلاق يؤدي إلى التخلف والخسارة. مهما اختلفت آراؤنا، فنحن معنيون جميعاً بحماية الحق في الاختلاف. نحن معنيون بأن تبقى طرابلس مدينة لحوار الثقافات، فلا تنغلق بواباتها أمام الموجات الفكرية ولا تخشى انفتاحاً لأنها تتمتع بالمناعة العقلية التي تميّز أهلها. فالمجتمع الذي يحمل إرثاً عمره مئات السنين لا يخاف من هبوب الريح”. وختم مهنئاً “الأعلام المكرّمين، وأشكر جميع الذين نظموا هذا الحدث الثقافي وكل الذين قرأوا وبحثوا وكتبوا، وأدعوهم إلى المزيد من العطاءات الفكرية لأنها الإرث الحقيقي لأولادنا والصورة الصادقة عن طرابلس ولبنان”.
ثم قام السيد أحمد الصفدي بتوزيع الدروع على المكرمين باسم الوزير الصفدي، حيث كان لافتاً ما قاله الفنان الكبير أسعد حمصي: “كُرمت كثيراً وفي محافل عدة، ولكنني لم اجد أجمل من هذا التكريم، لأنه في بلدي وبين أهلي وناسي”. وما صرح به المخرج جورج نصر حيث قال: “انا رجل صورة وليس كلمة، وأحلى صورة عندي اليوم هي هذا الجمع الكبير”.