اختتم “الملتقى الأكاديمي اللبناني ـ الصيني الأول” في لبنان، أعماله بطاولة مستديرة في “مركز الصفدي الثقافي” بطرابلس، بتنظيم من المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في بيروت و”مؤسسة الصفدي”، وذلك تتويجاً لمؤتمر “لبنان في مرآة الباحثين” الذي عقدت جلساته على مدى يومين في فندق البريستول – بيروت، بدعوة من الجامعة اللبنانية والمعهد الذي يحتفل بمناسبة العيد الستين للجامعة اللبنانية.
وقد حضر اللقاء سفير جمهورية الصين الشعبية في لبنان WU Zexian، السفيران الصينيان الأسبقان في لبنان ليو زينتانغ وليو تشي مينغ، عميد المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية د. إبراهيم محسن، المدير العام لـ”مؤسسة الصفدي” رياض علم الدين، منسق الملتقى ورئيس جمعية الصداقة اللبنانية الصينية د. مسعود ضاهر، رئيس بلدية الميناء السفير محمد عيسى، ممثل رئيس بلدية طرابلس المحامي جورج جلاد، ووفد أكاديمي صيني يرأسه السفير الصيني الأسبق Liu Zhentang، ويضم ثماني باحثين يتقنون اللغة العربية، غالبيتهم عمداء جامعات وأساتذة جامعيون في الصين، وكليات تدرّيس اللغة العربية وتمنح شهادات ماجستير ودكتوراه في مجالاتها المختلفة. كما حضر مفتش المحاكم الشرعية في لبنان الرئيس نبيل صاري، رئيس جمعية خريجي جامعة بيروت العربية في الشمال أحمد سنكري مع وفد من عمداء فرع الجامعة في الشمال، مدير معهد العلوم الاجتماعية–الجامعة اللبنانية الفرع الثالث د. عاطف عطية، مدير جامعة NDU في الشمال ممثلاً بادغار حرب، رئيس الرابطة الثقافية في الشمال أمين عويضة، ممثل رابطة الجامعيين في لبنان عبد اللطيف كريم، وأساتذة جامعيون من مختلف كليات الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة.
ويندرج هذا اللقاء ضمن برنامج اليوم الثالث في المؤتمر والمخصص لزيارة متحف جبران خليل جبران في بشري، وتنظيم ملتقى للحوار الثقافي وغداء بدعوة من “مؤسسة الصفدي”، قبل مغادرة الوفد الصيني إلى القاهرة. وكان لافتاً الإتقان الجيد للغة العربية من قبل الوفد الصيني.
افتتح اللقاء بكلمة “مؤسسة الصفدي” ألقاها د. مصطفى الحلوة الذي أضاء على دور المؤسسة في احتضان الفعاليات الأكاديمية والفكرية، وأثنى على أهمية هذا الملتقى، “هذه التظاهرة الاكاديمية البحثية”، متطلعاً إلى الانفتاح اكثر على التجربة الصينية التي تحرز تقدماً نوعياً هائلاً على جميع الصعد”، داعياً اللبنانيين إلى التعمق في التجربة الصينية ولا سيما في شقها العلمي والتكنولوجي والثقافي، معتبراً الملتقى مساحة للتواصل بمرآتين متقابلتين تنعكس عليهما التجربتان الصينية واللبنانية، تكمّل إحداهما الأخرى، فتكون إفادة لكلا البلدين في ظل عصر العولمة. وختم مشدداً على شعار “ثروتنا عقلنا” الذي أطلقه رئيس “مؤسسة الصفدي” الوزير محمد الصفدي، وبالتالي ليس غريباً أن يحتضن هذا الصرح الثقافي كوكبة من باحثينا الصينيين واللبنانيين. ووجه التحية إلى الرابطة اللبنانية – الصينية للصداقة والتعاون والجامعة اللبنانية رئيساً وعميداً وأساتذة وباحثين على الجهود المبذولة لإنجاح هذا الملتقى”.
ثم تحدث العميد د. ابراهيم محسن الذي رحب بالحضور في طرابلس، بنخبة علمية من المفكرين والباحثين نقلوا البحث العلمي من ميدان المحدودية إلى فضاء الإنسان الذي يبقى هو القضية المركزية في التاريخ البشري مهما تنوعت الجغرافيا… لقد حصد لبنان النتائج الإيجابية لحركة الانفتاح الصيني على العالم، تجارياً واقتصادياً، واقتنبس اللبنانيون عن الصينيين تجربة الحرير… وفي العام 1971 سجلت علاقات لبنان مع الصين خطوة متدقمة من خلال التأسيس للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين… فالصين، هذا العملاق العالمي، من حيث كتلته البشرية الوازنة، لم تنظر إلى لبنان بمحدوديته كجغرافيا مساحية وسكانية وإنما تنظر إليه من خلال إنسانه المبدع، العاشق للحرية والمندفع دائماً وأبداً نحو الحرية والانفتاح والاكتساب الثقافي والحضاري”. وقال: “إن الملتقى الأكاديمي اللبناني – الصيني الأول، الذي تكلل بالنجاح الباهر، بفضل الأبحاث العلمية الصينية التي قدمت فيه، سيؤسس إلى ملتقيات دورية ومتواصلة بين جامعتنا الوطنية والجامعات الصينية التي تتبوأ اليوم أعلى المراتب العلمية على مستوى العالم”. وختم موجهاً الشكر إلى “مؤسسة الصفدي” على استضافتها الملتقى في هذا الصرح الثقافي العلمي، مع مجموعة من باحثبن ومفكرين وأساتذة جامعيين من كافة انحاء الشمال”.
ثم تولى منسق الملتقى الدكتور مسعود ضاهر إدارة اللقاء، مستهلاً بالتعريف بالباحثين الصينيين المتخصصين باللغة العربية والموسيقى والثقافة عموماً، والتشديد على طريق الحرير الثقافي المعاصر. كما لفت إلى أن نحو 1200 تاجر لبناني يذهبون للصين وهم في غالبيتهم غير مهتمين بتعزيز الروابط الثقافية. ثم أعلن ضاهر أن الاتفاق على إرسال وفد من الشباب اللبناني إلى بكين لفتح صفحة تواصل اكاديمي مع أقرانهم. لافتاً إلى رغبة كبيرة لإقامة علاقات ثقافية وثيقة إضافة إلى العلاقات الاقتصادية وفتح آفاق أوسع للباحثين.
صاعد: ثم تولى بعض من أعضاء الوفد الصيني الحديث عن تجربته مع اللغة العربية ومع لبنان على وجه الخصوص، فروى العميد في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين ورئيس جمعية الأدب العربي في الصين الذي يحب الأدب اللبناني، د. زونغ جيكون أو (صاعد)، تاريخ تدريس اللغة العربية في الصين من الجامع إلى الجامعة، لافتاً إلى وجود 30 معهداً وجامعة في الصين تدرس اللغة العربية ويوجد أبحاث في هذا الخصوص، راوياً تجربته مع لبنان الذي قال عنه “أين سويسرا من لبنان” فقد نقل لبنان حضارته إلى الصين وترك مآثره في أنحاء الدنيا. وقال: ترجمتُ قصصاً وأشعاراً كثيرة من العربية إلى الصينية، خصوصاً بعد الانفتاح، وأبرزها أعمال جبران خليل جبران التي ترجمت في بداية العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين. ولكن اللغة الإنكليزية والروسية كانت الواسطة وأنا شخصياَ ترجمت بعضاً من أعمال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، وحوالي 400 قصة قصيرة لشعراء قدامى، بينهم معلقات. كما ألفت بعض الأبحاث.
عمار: ثم تحدث عميد كلية اللغة العربية في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين د. زانغ هونغ أو (عمار)، الذي تحدث عن زيارة الوفد القيمة إلى متحف جبران خليل جبران في بشري، موجهاً الشكر إلى مؤسسة الصفدي على الاستضافة. ولفت إلى أن نظام الدراسات العليا في تعليم اللغة العربية بدأ في الصين مع نهاية السبعينات، ويوجد 10 معاهد للعلوم الإسلامية والمسلمون الصينيون يدرسون اللغة العربية. واعتبر أن اللغة العربية حاجة لدى الدولة والناس وفي مجال الإصلاح والتنمية والسلام خصوصاً على الدبلوماسيين الذين يتقنون لغة البلد المضيف، داعياً إلى تعزيز التعاون بين الجانبين اللبناني والصيني. وقال: لقد استفدنا منكم، وأنا شخصياً استفدت منكم في إعداد أبحاثي.
زاهرة: اما عميدة كلية اللغة العربية في جامعة الدراسات الدولية في بكين، د. زانغ هوغيي أو (زاهرة)، فقد تطرقت إلى قضية الفلسفة، منوهة بتوجهات الحكومة الصينية الاهتمام برقمين: 1. الإنفاق على البحوث، 2. الإنفاق على التربية والتعليم، لافتة إلى وجود رغبة صينية بالتعرف على العالم العربي عبر مشاريع ترجمة مؤلفات صينية وعربية، خاصة أن حركة التبادل غير منتظمة.
وكانت مداخلات لكل من الشاعر د. سعيد الولي الذي اقترح إنشاء مراكز ثقافية صينية في بيروت وطرابلس، لتعليم اللغة الصينية والتواصل من أجل الثقافة عبر المسرح والموسيقى والسينما وغير ذلك، ذلك أن معرفتنا بهذه الفنون تتم عن طريق السينما الغربية، وهذا غير كاف. اما د. عدنان خوجة، فقد اقترح افتتاح مركز ثقافي صيني في طرابلس، عبر “مؤسسة الصفدي” ومن خلال “مركز الصفدي الثقافي” الذي يحتضن مراكز ثقافية أجنبية عدة. وسألت د. هند صوفي، عن برنامج الوفد الصيني لجهة تعريف المهتمين في لبنان بالفنون الصينية. فأوضح الصينيون بأن هناك تبادل ثقافي بين الصين ومصر وهناك مركز ثقافي صيني ومعهدي كونفوشوس، مقترحين إنشاء قسم لغة صينية في الجامعة اللبنانية ذلك أن كونفوشوس لا يعطي درجة علمية، وان مجالات التبادل والتعاون الاقتصادي إلى ازدياد. وهنا تساءل د. عاطف عطية عن كيفية معالجة ازمة القراءة في العالم العربي وكيفية الاستفادة من المسارات المتعددة الصينية، فلفت منسق الملتقى إلى أننا نريد أن نتقدم والبداية جيدة.
ليلى: ثم دعت الأستاذة في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين د. كي مينغمن او (ليلى)، وهي باحثة في الفنون وخصوصاً المسرح، إلى ترتيب خطط للمستقبل معتبراً لقاء اليوم روحي ولاحقاً تستنير بنتائجه لوسائل عملية. فلفت الدكتور مسعود إلى أهمية عقد مؤتمر اكاديمي حول مجالات التعاون السياحي. واعتبر الشاب الصيني المتخصص في موسيقى الأخوين رحباني، والأستاذ في جامعة الدراسات الأجنبية، د. هيو كاي أو (منصور)، أن الصينيين أعجبوا بما شاهدوه من عروض للفرق الموسيقية العربية، وهم يحبون موسيقى الأخوين رحباني عاصي ومنصور، ولكن معرفتهم بمقاماتها وبعمقها الموسيقي قليلة. فتمنى الدكتور خوجة أن نرى في لبنان أعمالاً فنية تغني ثقافتنا وتعرفنا إلى الكنز الصيني.
وكانت مداخلة لرئيس بلدية الميناء السفير محمد عيسى الذي أعرب عن إعجابه بالمجتمع الصيني من خلال زيارات سابقة إلى الصين، منوهاً بما تقوم به الشركة الصينية من تحسينات في تعميق مياه مرفأ طرابلس. وهنا لفت رئيس الوفد، السفير الأسبق Liu Zhentang، إلى أهمية تعزيز تبادل العلاقات على مستوى المؤسسات غير الحكومية NGO’s، وأنه بعد أن استغرقنا كثيراً في التبادل مع الغرب، علينا العمل على إعادة اكتشاف كنوزنا الكثيرة وسفيرنا الجديد مستعد للمساعدة في تعزيز الثقافة فيما بيننا.
ثم اختتم السفير الحالي الملتقى بكلمة بالفرنسية، استهلها بتوجيه الشكر إلى الحضور ومؤسسة الصفدي، وعبر عن سعادته لوجوده في طرابلس وهو الذي سبق له أن زارها مرات عدة، منوهاً بوجود عدة مراكز ثقافية في “مركز الصفدي الثقافي”. ولفت إلى أنه وبعد هذا الإصرار والرغبة الكبيرة من الطرفين في تعزيز التبادل الثقافي، يتوجب على الملحق الثقافي في السفارة الصينية العمل على التواصل في سبيل نقل الثقافة الصينية إلى طرابلس، لافتاً إلى أنه بالإمكان التعرف على البرامج والأنشطة الثقافية الصينية من خلال بعض الوسائل الإعلامية الصينية المتخصصة بالثقافة(تلفزيون وإذاعة). وختم مجدداً الشكر للجامعة اللبنانية ومؤسسة الصفدي.