المؤسسات السياسية في حزب سعادة (حلقة رابعة):
السلطة القضائية وعمدة القضاء
مقدمة الى المؤتمر القومي العام –ايار 2012
“عمدة القضاء: مصلحة عامة رئيسية” المرسوم الأول من الدستور 1937
“الأحكام التي تصدرها المحكمة هي أحكام مبرمة؟؟؟(المادة الثامنة من قانون المحكمة المركزية للزعيم)
“ففي الحزب السوري القومي الاجتماعي شرع يضمن لكل فرد حقه كفرد في النظام والعمل والرأي، ولكل فرد يحسب نفسه مظلوماً في أمر أن يطلبالمحاكمة العلنية. إذا لم تجر محاكمة علنية لأغلاطه. فيكون أميناً على أن قضيته لا يُبتّ فيها بالخفاء بطرق لا يقرها المجموع”.
مقالة اليمين، الزوبعة، العدد 65 (تاريخ 1/9/1943)
“إن تفوق القانون يأتي من واقعة أنه التعبير عن الإرادة العامة”.
المفكر الفرنسي روسو
حزب سعاده هو حزب دستور منذ النشأة. هو دولة العدالة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. هو “دولة القانون” بامتياز، أي يجب أن تتماثل أعمالها مع القواعد الحقوقية المعمول بها. هذا ما نلمحه منذ بداية تأسيس الحزب عام 1932. وأول حادثة في تاريخ الحزب عند حلّه بعدما وجد سعاده متلاعبان في السياسة الفاسدة قبل وضعه الدستور عام 1934، تشير بشكل أساسي إلى خطة سعاده ونهجه القانوني منذ مباشرته عملية التأسيس، إلى إيجاد دستور للدولة السورية العتيدة. تلك الدولة التي غابت عن الوجود نتيجة الغزوات والاحتلالات، وما تبعها من تقسيم في اتفاقيات جائرة.
//الدولة المستقلة//
حدد سعاده في المواد الأولى من دستوره حدود الدولة السورية، حفاظاً على السيادة القومية، وفي هذا المعنى يقول في خطابه المنهاجي في حزيران 1935 الذي أعلن فيه “الدولة المستقلة” التي تعبر عنها إرادة الأمة المستقلة”: “إن إرادتنا نحن هي التي تقرر كل شيء، فنحن نقف على أرجلنا وندافع عن حقنا في الحياة بقوتنا. ومن الآن فصاعداً تدير إرادتنا نحن دفة الأمور. كل عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي يشعر أنه آخذ في التحرر من السيادة الأجنبية والعوامل الخارجية المخضعة، لأنه يشعر أن الحزب هو بمثابة دولته المستقلة التي لا تستمد قوتها من انتداب ولا تستند إلى نفوذ خارجي”. وفي هذا المعنى حدد سعاده في المبادئ الأساسية (العقيدة) حقوق الدولة السورية، مما رتّب على أعضائها حق الدفاع عنهاوصيانة حقوقها.
وتعني دولة القانون فيما تعنيه في هذه الدولة المستقلة، وجود مؤسسات قضائية تعمل على تفسير وتطبيق القانون. لذلك أنشأ سعاده عمده القضاء كمصلحة عامة رئيسية في دستوره المصنّف عام 1937 كخطوة أولى لإنشاء سلطة قضائية تعزز وجود الدولة القومية. والاشكال القضائية فيها هي وليدة فكر سعادة السياسي والاجتماعي.
هذه المصلحة العامة الرئيسية لتأمين حقوق الأعضاء في الحزب – الدولة، ونلمح في رسائله اراء مبثوثة حول السهر على حقوق المؤسسات القائمة فيه. والدولة التي تخلو من مؤسسات قضائية علنية ومستقلة تكون دولة قائمة على الزور والباطل. إذ، لا دولة بدون قانون، وبدون محاكم، ولا دولة حيث لا عدالة. فالقضاء يعني فيما يعنيه “قول الحق” وعمل الحق.
أقسم سعاده قسم الزعامة عام 1935، بعدما تيقن من الأساس الذي أقام عليه بنيان الحزب. ووفقاً للمادة الرابعة من الدستور، الزعيم هو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية فقط. فقد حرص على ألا يكون مصدراً للسلطة القضائية أيضاً.
فعندما أقام أول محاكمة علنية عام 1936 لمحاكمة شارل سعد وبعض الرفقاء. أعطاهم كامل الحقوق للدفاع عن أنفسهم أمام هيئة محكمة مؤلفة منه ومن نعمة ثابت ومأمون أياس.
بعد ذلك أنشأ محكمة برئاسة عبد الله قبرصي للنظر بالخلافات الحزبية وبين الرفقاء (رسالته إلى رئيس المجلس الأعلى بتاريخ 28/6/1938).
وحاكم سعاده خالد أديب أمام أعضاء مديرية بيونس أيرس (الأرجنتين) عام 1940، في محاكمة علنية، أدت إلى اعترافه بذنوبه. فطرده سعاده من الحزب بعدما جرَّده من رتبة الأمانة، تاركاً لمحكمه الحزب العليا حق إعادة النظر بالمقررات. وكذلك الأمر فعل بعد طرد فخري معلوف عام 1946. فسعاده كان يحترم مبدأ الفصل بين السلطات ويعمل بمضمونه. وهناك العديد من الاشارات الواردة في رسائله تؤكد على استقلالية القضاء ووحدته وطلبه عدم التدخل بشؤونه ، ولو قيد له الحياة ردحاً من الزمن لكان أفرد مرسوماً كان سيضعه على حدة ايضاً كما سبق وفعل في المادة 13 من دستوره المصنف لمحكمة عليا تنظر في دستورية القوانين.
وعندما عاد سعاده إلى الوطن عام 1947. “حاكم” المسؤولين خلال فترة غيابه القسرية في أول محاضرة له في كانون الثاني 1948، محاكمة علنية أمام الرفقاء والمواطنين. وأعلن “خيانة” بعضهم العقيدة والنظام. وطردهم من الحزب.
المحكمة المركزية:
بعد ذلك أنشأ المحكمة المركزية (وحدة القضاء ، تدليلاً على مبدأ وحدة سلطة الدولة)، والتي لم يُعمل بها لتاريخه في شقي الحزب! لها حق النظر في الخلافات الحزبية والمدنية، وأحكامها مبرمة، وأعضاؤها مجازون في الحقوق. وتتسم بطابع المساواة بين كل الأعضاء مهما كانت وظائفهم أو رتبهم. كما يحق للمواطن التقدم بشكوى إليها للنظر بها وإصدار الأحكام العادلة التي تؤكد على الحزب – الدولة. إذ لطالما أورد سعاده في مقالاته ورسائله كلمات مثل: العدل القومي الاجتماعي، القضاء القومي… والكرامة القومية.
وقد أهمل أول مجلس أعلى وجود هذه المحكمة وتجاهلها كلياً (المادة 21 من القانون 8 عام 1951) التي صاغت لها عمدة الثقافة مقدمة لنشرها في نشرة العمدة قبل استشهاد سعاده، ثم نشرتها الدولة اللبنانية عام 1949 في كتابها الصادر عن وزارة الأنباء بعد استشهاد سعاده. وكان الأمين الراحل مصطفى عبد الساتر قد أتى على ذكرها في المؤتمر النوعي عام 1984. ثم عاد ونشرها الأمين هنري حاماتي في حديث له في مجلة “اتجاه” (العددين 15-16). لكن دون أن يلقى كل ذلك اهتمام كل القيادات الحزبية! ودون أخذها بالاعتبار حتى يومنا هذا. لذلك لم يُضم نص المحكمة لسعاده إلى الدستور لتاريخه!؟
إذن تجاهل هذا المجلس كلياً في المادتين 20 و 21 من القانون الصادر في 16 ت2 1951 المحكمة المركزية لسعاده. وتجاهلها ثانية في عام 1955 عندما أنشأ قانون المحكمة العليا استناداً إلى المادتين المذكورتين آنفاً. وتجاهلها مرة ثالثة عندما حوّل نفسه إلى محكمة ليحاكم رئيس الحزب جورج عبد المسيح وبعض أعضاء المجلس الأعلى عام 1957!؟ ضارباً عُرض الحائط بالمحاكم السالفة الذكر ومنها محكمة سعاده، وبمبدأ الفصل بين السلطات!؟
محاكم أخرى:
وإثر المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 1961 وصدور العفو العام عام 1969، أُنشئت أيضاً محكمة “محدودة المسؤولية” للنظر بالمحاولة ونتائجها.
وبعد حادثة “التمرد” عام 1985 (استشهاد العميد محمد سليم)، أنشئت لجان للتحقيق في الحادث دون إنشاء محكمة ودون العودة إلى محكمة سعاده أيضاً. إضافة إلى عدة حوادث أخرى أُهملت في ذلك الحين. وصولاً إلى مجزرة حلبا عام 2008 التي ذهب ضحيتها 11 رفيقاً دون أن تُحال إلى المحكمة رغم وجود نص لها!!
أما الفريق الحزبي الآخر، فلا يوجد لديه نص لمحكمة أيضاً، ويُهمل العمل بنص المحكمة المركزية لسعاده وبالنصوص السابقة أيضاً. وتحلّ عمدة الداخلية محل القضاء الحزبي (عمدة القضاء) في سابقة مازالت مستمرة حتى يومنا الحاضر.
وهكذا الأمر، أيضاً، لدى الفريق الأول، حيث تطغى عمدة الداخلية على أعمال عمدة القضاء في تجاهل كلي لقول الزعيم في مقالته “اليمين” الآنفة الذكر.
عام 1991، أنشئت “المحكمة العليا” ولضعف النص وركاكة تركيبه القانوني عُدّل عام 2001 بنص طويل وأنشأ 3 غُرف: واحدة للنظر بدستورية القوانين، وثانية لمحاكمة الأمناء والمسؤولين، وثالثة للنظر في الشكاوى والطعون والنزاعات بين الأعضاء.
النص الأخير، الوارد في الدستور المعدل عام 2010، لم تجرِ عليه تعديلات جوهرية (2001)، وأُستبقي على نص المادة السادسة التي تجيز إبرام المجلس الأعلى للقرارات المتعلقة بالتجريد من رتبة الأمانة والطرد. والمادة 11 التي تعطي الحق للمجلس الأعلى بقبول واستقالة رئيس المحكمة أو أحد أعضائها!! مما يجعل المجلس الأعلى السلطة العليا القضائية خلافاً لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث.
دستورية القوانين:
كما أن المادة الثالثة من القانون رقم 13 (التنظيم القضائي) لم تعط المحكمة المركزية حق النظر بدستورية القوانين بخلاف كل الأنظمة الديموقراطية المعروفة في العالم المتمدن. وأن الطعن الخطي في هذا المجال يجب أن يُقدم من رئيس الحزب أو أحد أعضاء المجلس الأعلى. وكذلك الأمر بالنسبة للخلافات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. مما ينفي وجود سلطة قضائية لها حق النظر بكل ما يصدر عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. مما يخالف نظرة سعادة الى “الدولة القومية الديموقراطية حتماً ” كما يقول في نشوء الامم.
فالرقابة القضائية على دستورية القوانين عدا عن أنها كما أسلفت هي حق من حقوق السلطة القضائية (الثالثة) في دول العالم المتمدن ، تفرضها وقائع التعديلات العديدة المخالفة والمناقضة لدستور سعاده الذي تعاقدنا معه لإقامة صرح بنيان الدولة القومية دولة العدالة والقانون. ففي فرنسا على سبيل المثال، قبل صدور أي قانون ونشرة من قبل رئيس الجمهورية. يقوم المجلس الدستوري بالتثبت من تطابق القانون مع أحكام الدستور ليسمح بنشره. وفي حالة عدم التطابق لا يُنشر القانون وبالتالي لا يصدر كما حصل بالنسبة للقانونين ” عمل النساء في الليل ” و”تجريم إنكار إبادة الارمن ” اللذين أقرهما رئيس الجمهورية ساركوزي والبرلمان الفرنسي. فأبطلهما المجلس الدستوري لمخالفتهما للدستور الفرنسي . وتلك هي الديموقراطية الحقيقية. وهكذا الأمر في كل الدول المتمدنة. لذلك، يجب إنشاء جهاز قضائي يُكلف القيام بالرقابة الدستورية على القوانين وانتظام انتخابات الرئاسة والمجلس الأعلى وتعيين العمد، والعلاقات القائمة بين هذه المؤسسات، لضمان تطبيق القواعد الحقوقية والقانونية لدستور سعاده.
وفي هذا المجال، لا بد من التمييز بين عمدة القضاء كمصلحة عامة رئيسية والمحكمة العليا أو المركزية التي لها حق النظر بدستورية القوانين. فالأخيرة هي السلطة الثالثة (القضائية) في الحزب – الدولة. وهذا ما تمّ إغفاله طوال تاريخ الحزب.
كما ألفت النظر إلى ضرورة تفعيل دور عمدة القضاء وعدم إبقاء دورها هامشياً كما هو جارٍ منذ استشهاد سعاده. وصياغة قانون داخلي لدوائرها ومحاكمها والرتب الملائمة للعاملين في ميدانها. وكذلك الأمر بالنسبة للسلطة القضائية المتعاونة والمتوازنة والمتساوية مع السلطتين التشريعية والتنفيذية.
فهي السلطة الثالثة في الدولة القومية العتيدة. ويجب بالضرورة صياغة الرتب الخاصة بها أيضاً، وقانون داخلي لأعمالها وكيفية تبليغ قراراتها واجتهاداتها، وتعاونها مع السلطتين الآخرين في الحزب – الدولة.
ويذكر الأمين إبراهيم يموت في كتابه “أضواء على العقيدة القومية الاجتماعية” في الصفحات 340 لغاية 347 العديد من “المآثر” في كيفية تسلط المجلس لأعلى على كافة الشؤون الحزبية لاسيما منها المحكمة العليا وقراراتها و….
//القضاء الهامشي//
لم تنشأ “محكمة عليا” أو “مجلس دستوري” طوال تاريخ الحزب لها وجه الاستدامة. ولم توجد كسلطة ثالثة لها دور فاعل في حياة الحزب للتأكيد على مبدأ وحدة سلطة الدولة القومية. أما المحاكم العادية فكانت تنشأ في ظل ظروف أو بعض الأحداث الحزبية فكانت باستمرار شأناً طارئاً لحادث طارئ ثم تنطفئ!!
ورغم وجود نص لمحكمة بين دفتي كتاب الدستور المعمول به حالياً، والمخالف طبعاً لنص سعاده. لا يوجد قضاة ولا… للقيام بالأعمال المنوطة بهم. وبالتالي لا قرارات واجتهادات بأعمال المحكمة وأيضاً لا كتاب يجمع أعمالها كبرهان قاطع على عدالة مؤسساتنا. وبالتالي لا إرث قانوني للحزب – الدولة.
إن إنشاء محكمة عليا أو مجلس دستوري له حق النظر بدستورية القوانين ضرورة تفرضها الدولة القومية الديموقراطية القائمة على أسس راسخة في العدالة. ومن الضروري استقلالية هذه السلطة وإيجاد قانون خاص بها وتنظيم رتب للقائمين عليها من أصحاب الاختصاص في الحقوق والقانون. كما أن الدولة الديموقراطية تضمن وحدة القضاء وعلنيته واستقلاله أيضاً.
وكما كان دستور سعادة موضع نظر من قبل الانتداب الفرنسي لرقيه ، كذلك هو حال الشأن
القضائي فيه . فسعادة جهد لبناء نظام جديد للحياة الجديدة.
قبل إعدام سعادة، طلب عدم عصب عينيه، فقيل له “انه القانون”، فأجاب “أنا أحترم القانون”. فليكن لنا في ذلك عبرة لبناء الدولة القومية دولة القانون والمؤسسات التي بشّرنا بها سعاده العظيم.
ملاحظة:
يمكن العودة إلى كتابي “قراءة في دستور سعاده” لمزيد من التفاصيل حول الشأن القضائي في الحزب.
في حلقتنا التالية نتناول : السلطة التشريعية (المجلس الأعلى).