أكد الرئيس نجيب ميقاتي “أن الوسطية هي صنو للاعتدال وحماية من الجنوح نحو التطرف، وقد غدت النهج الذي من خلاله نستطيع مواجهة ظاهرة التطرف التي اقتحمت باشكال مختلفة منطقتنا العربية واربكت دولها وانظمتها واحرجت شعوبها”. وشدد على “أنه إذا كنا في لبنان قد استعدنا السلم الاهلي والاستقرار الداخلي بعد سنوات من التنابذ وصلت الى حد الاقتتال والانقسام الحاد، فلأننا سلّمنا كلبنانيين بان الوسطية هي الناظم الحقيقي لمعادلات العيش الواحد وتوازنات الحكم في الدولة، وهي الضامن الحقيقي للوحدة الوطنية ومقياس لعلاقات لبنان بدول محيطه العربي والعالم اجمع”.
بدوره شدد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) بدر عمر الدفع على “ان موضوع الوسطية يلتقي مع مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها المتجلية بالميثاق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية المتعلقة به ويتماثل مع روحية المنظمة الدولية وعلة وجودها في السعي إلى تحقيق السلام والتنمية”. وأكد “أن القرارات المصيرية التي اتخذتها الأمم المتحدة على مدى السنوات العشر الأخيرة، وعلى رأسها الأهداف الإنمائية للألفية، تنبع من مبدأ الوسطية”.
رعى الرئيس ميقاتي قبل ظهر اليوم حفل إفتتاح المؤتمر الدولي الثالث للوسطية في لبنان بعنوان ” الوسطية ونهج الاستقرار في الشرق الأوسط ” في فندق الفورسيزنز في وسط بيروت، وذلك بدعوة من “منتدى الوسطية في لبنان” و”منتدى إستشراف الشرق الوسط”.
حضر حفل الافتتاح ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب علي بزي، ممثل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وزير الاعلام طارق متري، وزير الاتصالات شربل نحاس، النواب :احمد كرامي، ياسين جابر، روبير فاضل، اسطفان الدويهي، فادي الهبر، غسان مخيبر، خضر حبيب، عقاب صقر، بدر ونوس وفؤاد السعد، الشيخ هشام خليفة ممثلا مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، الشيخ فاضل سليم ممثلا شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، الارشمندريت سيرافيم بردويل ممثلا متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، رئيس مجلس الخدمة المدنية خالد قباني، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي روجيه نسناس، بالاضافة الى شخصيات ديبلوماسية، سياسية، تربوية، إجتماعية، عسكرية، بلدية، أهلية وفاعليات.
وقائع الاحتفال
بداية كلمة لعريف الحفل الزميل نزيه الأحدب ثم كلمة “منتدى استشراف الشرق الأوسط” ألقاها جو عيسى الخوري وجاء فيها: لقد أراد دولة الرئيس نجيب ميقاتي من خلال دعم هذا المنتدى، أن يؤسس واحة تلاقي لجميع الأفكار، من مختلف الأتجاهات، من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة، تشكّل ركناً أساسياً لاطلاق إستراتيجيات سياسية وإقتصادية وإجتماعية، تهدف إلى تطوير حياة المواطن من خلال السعي لتحقيق الأمن الإجتماعي والرخاء الإقتصادي لكل فرد في مجتمعات منطقتنا.
اضاف: إن مؤتمرنا هذا يهدف إلى إيجاد إستراتيجية إقليمية بين جميع الأطراف من أجل بناء أرضية مشتركة لسلام شامل ودائم مع معالجة إستمرار التفاوت بين مؤسسات القرن الماضي وتحديات القرن الحادي والعشرين. أود أن أستشهد بكلام الرئيس الأميركي السابق كلينتون الذي قال: “أن السياسة الأميركية الداخلية تكون أحياناً غير مستقرة، فقد نميل إلى اليمين أو إلى اليسار لكننا نعود في النهاية إلى الوسط لأننا نحاول أن نكون براغماتيين، لا يمكننا أن نكون إيديولوجيين – لأن الشعب يريد حلولاً واقعية ومعقولة.
وزير خارجية تركيا:
وألقى كلمة وزير خارجية تركيا احمد داوود اوغلو ممثله شكري كوميتو فلفت الى أهمية العلاقات التركية اللبنانية مشدداً على “أنه تربط تركيا بلبنان علاقات سنظل نحافظ عليها عبر المشاركة في القوات الدولية في جنوب لبنان، واعادة اعمار لبنان”.
أضاف: نشهد مرحلة حساسة في منطقة الشرق الاوسط المليئة بالتحديات التي تدعو الى ايجاد الحلول واعتماد نموذج للتخلي عن احكام مسبقة وإبعاد المنطقة عن النزاعات، وأنا على ثقة باننا قادرون على اعتماد معايير بغية ارساء الاستقرار واقامة الحوار السياسي وتدعيم الحوار، وخصوصاً الحوار المستقل من اجل ان يبلغ اهدافه المرجوة.
واشار الى “مبادرة تركيا لاعتماد آلية استراتيجية لتسوية النزاع العربي الاسرائيلي وتطبيع العلاقات، واقامة الدولة الفلسطينية تكون عاصمتها القدس الشرقية، وتعيش الى جوار اسرائيل”. وقال “إن معوقات السلام العربي الاسرائيلي تعود الى التعنت الاسرائيلي”، ودعا “الى وقف النشاطات الاسرائيلية ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني ومعالجة الوضع الانساني غير المقبول في غزة”. وختم: القدس مسألة حساسة يجب التصدي لمحاولة تغيير نسيجها، وتضافر الجهود بغية حماية إرثها الديني والتاريخي.
الصادق المهدي
والقى رئيس المنتدى العالمي للوسطية والرئيس السابق لحكومة السودان الصادق المهدي كلمة قال فيها: الوسطية لا تعني نصف المسافة بين الحق والباطل، خير الأمور أواسطها بمعنى أفضلها. الاستقرار لا يعني تكريس الواقع أي استقرار المقابر، لا استقرار بلا سلام ولا سلام بلا عدالة، فالاستقرار مفهوم دينامي غير جامد. الاستقرار النفسي يقوم على شعبتين هما: الإيمان والمحبة في العلاقات بين الناس. أما الاستقرار الاجتماعي فلا يكون بلا سلام، والسلام يقوم على العدل. إنها قيم من أهم فرائض الإسلام التي تقوم على الخماسية الذهبية: الكرامة، الحرية ، العدل ، المساواة، والسلام.
أضاف: هنالك خمس عوامل تتعارض مع هذه المبادئ وتطيح بالاستقرار في منطقتنا. اثنان داخليان هما: الاستبداد، والظلم الاجتماعي. وثلاثة خارجية هي: الاستيطان الصهيوني الغاصب، الاحتلال الأجنبي، والهيمنة الثقافية الغربية.
وقال: الغلو الإسلاموي ليس واجباً إسلامياً ولا هو ضرب من الجنون بل هو ظاهرة سياسية استمدت من إخفاق الأطروحات العلمانية واليسارية في رفع المظالم، ومن العدوان الإسرائيلي، ومن الاحتلال السوفياتي ثم الأميركي. رواد الهيمنة الدولية أرادوا إملاء سياساتهم على العالم، ويرون أن الغلبة العسكرية عن طريق الأحادية والاستباقية كافية لذلك. وفي كل الحالات؛ من أفغانستان، إلى العراق، إلى الصومال، حققت هذه السياسة عكس مقاصدها. إن الوسطية هي المخرج من هذه الدوامة المقيتة، ومشروع الوسطية هو البديل إذا استطاع أن يحشد معه القوى الاجتماعية الفاعلة، وأن يتعاون مع القوى الدولية التي استبانت خطأ وخطر الهيمنة والحاجة لنظام دولي اعدل وأفضل.
مؤسسة ثقافة السلام
ووجه رئيس مؤسسة ثقافة السلام في مدريد فريديريكو مايور زاراغوزا كلمة متلفزة الى المؤتمر قال فيها: إن هذا المؤتمر هو مبادرة في وقتها، من خلال انعقاد مؤتمر الوسطية الذي يندرج في سياق نهج الاستقرار في الشرق الاوسط. من هنا اهمية العمل.
أضاف: لدينا التشخيص الحقيقي، وحان الوقت للتحرك، وعلينا التشديد على امرين أساسيين هما الآفاق والوساطة. المستقبل مهم وعلينا استخلاص العبر من اجل الاجيال المستقبلية.
وقال : كثيرة هي الامور من الواجب ذكرها او نسيانها لانها من الماضي، فضلا عن ضرورة الانفتاح على رؤية الامور المجدية والتحلي بالجسارة للخروج من جمود الماضي والنظر الى المستقبل. إن آفاق منطقة الشرق الاوسط تكمن في أن الوساطة تحدث التغيير. بعض المجتمعات يلجأ الى القوة والهيمنة وحل مشكلاته من خلال التعبير عن القوة، بينما مطلوب راهناً الاقتراب من الآخر والتبادل مع الآخر.علينا ابتكار الحلول نظراً الى الانقسامات المزمنة في العالم. فقد عشنا في برج عاجي لسنوات حيث استحالت علينا عملية فتح الابواب لفهم الآخر واقامة تحالفات هي ثمرة الحوار.
أضاف: الوساطة تحقق المصالحة وتوجد حلول للمشكلات. نحن مدعوون الى ابتكار حلول غير مسبوقة من اجل المستقبل، ومن اجل احداث التغيير المرجو . يجب مراعاة المرحلة الانتقالية والانتقال الى ثقافة المصالحة والسلام وهذا مُجد ويستلزم منا الاعتراف بالآخر من حيث المساواة بالكرامة، وبين مختلف الكائنات البشرية مهما كان وعيها الاجتماعي وانتماءاتها، والتمتع بالمساواة في الحقوق.
وقال: نحن مدعوون الى رص الصفوف والعيش معا ونسيان الماضي وإستخلاص العبر والاعتراف بدولة فلسطين وأن يعزز الشعور العام بالاعتراف المتبادل. حان الوقت للتحلي بالشجاعة وتسخير وسائل التكنولوجية كالرسائل القصيرة للتحاور واحداث التغيير الذي ينجم عنه السلام.
مجموعة الرؤية الاستراتيجية
وألقى منسق مجموعة الرؤية الاستراتيجية لروسيا والعالم الاسلامي السفير فوق العادة فينيامين بابوف كلمة قال فيها: من الأهمية بمكان أن نستخلص أمثولة مناسبة من تجربة لبنان المفيدة وهو بلد تمكن بعد سنوات طوال من المواجهة الداخلية المؤلمة من تخطي التناقضات الأليمة، وتضميد جراح الحرب الأهلية وهو الآن يحقق ولادته من جديد. وليس لمثل لبنان الإيجابي هذا أبعاد وطنية وإقليمية فحسب بل له أيضا أبعاد إنسانية أوسع. لأنه يؤكد أن النوايات الحسنة، وقوة الإرادة، والثقة المتبادلة والحكمة الطبيعية يمكن أن تحقق معجزات وتؤدّي إلى انتصار مفيد للجميع. والبديهي ان الاستقرار في لبنان هو ركيزة أساسية للاستقرار في المنطقة ككل ويجب الاّ ندّخر أي جهد للحفاظ على ذاك الاستقرار واستدامته.
أضاف: إن الأحداث الأخيرة التي حصلت في منطقة الشرق الأوسط وبصورة خاصة في النزاع العربي الإسرائيلي تؤكّد ولأسفنا الشديد أنّ الوضع هناك يزداد حدّة أكثر فأكثر ويقترب من خط الخطر، وحتى من شفير الحرب تقريبًا. وهذا الوضع الدقيق والحاد جدًّا هو النتيجة المباشرة للحائط المسدود الذي وصلت إليه عملية التفاوض كنتيجة لموقف حكومة نتانياهو المتشدّد والوقح. ويتفاقم الجوّ ككلّ بسبب النزاعات المتعددة التي تعانيها شعوب المنطقة في الوقت نفسه. ونحن الآن، أكثر من أيّ وقت مضى، بحاجة إلى أعمال مشتركة وصادقة لا إلى كلام يسعى إلى استراتيجيات براغماتية وواقعية لإيقاظ وعي الأطراف المعنية في عملية الشرق الأوسط كافة واعتماد مقاربة تؤدّي إلى سلام عادل ودائم.
وقال: إن الوقت قد حان لنفكّر بطريقة عملية وبراغماتية في مشاريع استراتيجية مشتركة مع البلدان الإسلامية والعربية مثل خطّ انابيب للمياه، وإنتاج الحبوب، ومشاريع بيئية، وفي مجال الطاقة المتجددة، والمحافظة على الطبيعة وغيرها من مجالات. وبرأينا إنّ النظرة المستقبلية الجيّدة قد تشمل مبادرة شراكة الحضارات يمكن أن يعرضها مفكّرون روس بالشراكة مع مفكّرين عرب. على أن يرتكز هذا التحرّك على مبدأي المساواة والتسامح. كما أنّ مضمونها وتصميمها يتمثّلان في رفض الحرب كوسيلة لحلّ النزاعات، وإنشاء مراكز للدبلوماسية الوقائية وابتكار حلول مقبولة من الأطراف كلها للتناقضات والنزاعات.
الاسكوا
وألقى بدر عمر الدفع كلمة قال فيها: يلتقي موضوع الوسطية مع مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها المتجلية بالميثاق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية المتعلقة به ويتماثل مع روحية المنظمة الدولية وعلة وجودها في السعي إلى تحقيق السلام والتنمية. فالوسطية هي السبيل إلى تعزيز احترام الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية بلا تمييز في الجنس أو العرق أو اللغة أوالدين. وهي مقاربة حضارية راقية في الدعوة إلى الحوار وقبول الآخر ووضع الأسس اللازمة لتعميم الديمقراطية ليس كممارسة فحسب بل كثقافة يتربى عليها الفرد والمجتمع بطريقة منظمة وسُلّمية متدرّجة تستمد قوتها من إرث الحضارة الإنسانية التي تمكنها من التفاعل والتجدد مع واقع الإنسان وبيئته ومع الفكر وتطوراته.
أضاف: يرتكز النهج الوسطي على النقد البنّاء ومراجعة الذات من أجل التفاعل بطريقة سليمة مع مصالحنا السياسية والاقتصادية ومع الظروف المحيطة بنا. وفي هذا الإطار، يجب السعي إلى بناء السلام مع أنفسنا وفي ما بيننا أولاً حتى نتمكن من تقرير مصيرنا بأيدينا وبناء السلام مع الآخرين على أساس الحلول العادلة والشاملة. وقد أدركت منظومة الأمم المتحدة، بما فيها الإسكوا، أن المعضلات المحلية يجب أن تأتي حلولها أيضاً محلية مع الاستفادة من تجارب الآخرين. فلا أحد يعرف شعاب منطقتنا وخصوصياتنا أكثر منا. ولا أحد يدرك قدراتنا أكثر منا.
وقال: ترتبط الوسطية بالعمليات الإصلاحية المتأنّية. فتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالتدرج، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية في المنطقة، يمكّن من التقدم والتطور وتحقيق الإنجازات بمنأى عن الهزّات العنيفة التي تزيد من حدة عدم الاستقرار. ويساعد ذلك على توجيه سلوك المجتمع نحو الاعتدال. وكلما تمحورت العملية الإصلاحية حول الإنسان والتنمية البشرية، اتجهت غالبية المجتمع نحو الوسطية.
وتابع: إن القرارات المصيرية التي اتخذتها الأمم المتحدة على مدى السنوات العشر الأخيرة، وعلى رأسها الأهداف الإنمائية للألفية، تنبع من مبدأ الوسطية. فحكومات المنطقة مدعوة، أكثر من أي وقت مضى، إلى القيام بجهود حثيثة نحو تحقيق هذه الأهداف. وبذلك تتراجع أسباب التطرف النابع من الحرمان والفقر والقمع وعدم التمتع بالخدمات الصحية والتعليم وغيرها من الحقوق.
وقال : تؤمّن الوسطية مساحة رحبة من المشاركة في العملية الإنمائية لشرائح المجتمع كافة. لذلك، لابد لحكومات المنطقة من إعطاء الشباب اهتماماً خاصاً من خلال إرساء سياسات شبابية متكاملة في سياق البرنامج العالمي للشباب حتى سنة 2000 وما بعدها الذي اعتمدته الأمم المتحدة في العام 1995. وقد قررت الأمانة التنفيذية للإسكوا التركيز على موضوع الشباب في مجلسها الوزاري السادس والعشرين الذي يُفتتح بتاريخ 19 أيار المقبل، من خلال حوار بناء بين الشباب اللبناني والعربي والوزراء المشاركين.
وتابع: في إطار مبدأ المشاركة، من الضروري إعطاء القطاع الخاص دوراً أكبر وتعزيز تعاونه مع القطاع العام بهدف خلق طبقة وسطى وحمايتها وازدهارها إذ أنها عامل أساسي في إرساء الاستقرار والرادع أمام تعثر النظام السياسي والتطور الاقتصادي. هذا بالإضافة إلى أنها أحد المحركات الثقافية والفكرية الرئيسية في المجتمع التي تسعى إلى تحسين الحياة السياسية والاقتصادية بكل تشعباتها.
وختم: إن واقعنا الحالي في الشرق الأوسط لا يجب أن يسبب ذعراً أو هلعاَ بقدر ما يجب أن يشكل حافزاً للخروج من دوامة الحروب والتعصب والفقر وغياب العدالة كما فعل غيرنا من الشعوب. لكن الحافز وحده لا يكفي، ولا النوايا الصادقة وحدها تكفي ولا حتى الجهود الجبارة التي تُبذل وحدها تكفي. فكل ذلك ضروري لكنه لن يصل إلى النتيجة المتوخاة من دون رؤية واضحة تنبع من نهج الوسطية وتمكننا من أن نرى الأشياء على حقيقتها ونفهمَ مكامن الخلل ونبصرَ الطريق إلى بناء مجتمعات عربية يسودها السلام بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
الرئيس ميقاتي
وألقى الرئيس ميقاتي كلمة قال فيها : ليس صعباً على من يتتبع احوالنا في منطقة الشرق الاوسط ، ان يدرك ، من دون كبير عناء ،أن اهم ما يشغلنا في هذه المرحلة من حياتنا هو الوصول الى السبل الممكنة لحل النزاعات التي تعاني منها دولنا نتيجة الاطماع المتراكمة والتسلط ومحاولة فرض ارادة الغير على ارادتنا وقراراتنا وثوابتنا.
أضاف: لا يختلف اثنان على ان المنطقة العربية تمر في حالة عدم إستقرار بفعل المتغيرات والتحديات، مما يجعل دولها تعيش حالاً من الصراع الوجودي للدفاع عن استمراريتها ودورها. ومن البديهي ان يتركز البحث على ضرورة ايجاد الطرق السلمية لمعالجة مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بدقة، مما يفرض اعتماد منهجية علمية وواقعية تكون فيها الحقيقة المرتكز الاساس. وهنا تكمن اهمية المواضيع التي سيناقشها مؤتمركم متصدياً للمسائل الحساسة مثل التطرف وصناعة الحروب الدينية، وضعف الامان الاقتصادي والاجتماعي، فضلاً عن واقع القضية الفلسطينية وما آلت اليه، والوضع في العراق، من دون ان ننسى لبنان الذي مرّ باستحقاقات حساسة وخطيرة استطاع تجاوزها على امل الا تتكرر في ظروف مختلفة. بكلمة واحدة نريد الاستقرار.
وقال: لو عدنا بالذاكرة الى القضايا الوجودية التي واجهت دولا وشعوبا في منطقتنا وخارجها، لوجدنا ان الكثير من المواجهات والحروب كانت تجد نهاية لها من خلال اعتماد حلول وسطية يلتقي حولها افرقاء النزاعات، حيث لا منتصر ولا منهزم، بل توافق يقوم على مفاهيم العدل والاعتدال والتوازن التي تختصرها الوسطية وهي فكر وعقيدة ونهج يشمل كافة مكونات الحياة العامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث الانسان هو القيمة الاساسية والمحورية التي يجب العمل على اغنائها وتطويرها.
واذا كنا في لبنان استعدنا السلم الاهلي والاستقرار الداخلي بعد سنوات من التنابذ وصلت الى حد الاقتتال والانقسام الحاد، فلأننا سلّمنا كلبنانيين بان الوسطية هي الناظم الحقيقي لمعادلات العيش الواحد وتوازنات الحكم في الدولة، وهي الضامن الحقيقي للوحدة الوطنية ومقياس لعلاقات لبنان بدول محيطه العربي والعالم اجمع.
وتابع: لقد اقتنع الافرقاء في لبنان ان الحق المطلق ليس مع طرف منهم، وان الخطأ بالمطلق ليس سمة مواقف الطرف الاخر، فعادت لغة المنطق والاعتدال لتسود في ما بينهم، فكان اتفاق الطائف الذي طوى حقبة أليمة من تاريخ لبنان، وارسى صيغة حكم تحفظ ثوابت الكيان وتوازنات الدولة.
ولعل التجربة اللبنانية جديرة بان تكون مثلاً يُحتذى في عدد من الدول التي تواجه اوضاعاً مماثلة لتلك التي واجهها لبنان، او تكون قريبة منها. ويحضرني هنا مثل العراق الشقيق الذي نتطلع جميعاً الى ان يستعيد دوره المميز في محيطه العربي وفي المجتمعات الدولية، فيجد الاخوة العراقيون في القواسم المشتركة الكثيرة التي تجمع في ما بينهم، الاطار المناسب للحلول التي يرتضونها على قاعدة العدل والمساواة والتوازن، فينعمون اذذاك، كما نعِم اللبنانيون من قبلِهم، بالامن والاستقرار والهناء. وكما شكلت الوسطية قاعدة للتوافق بين اللبنانيين، هكذا يمكن ان تكون مبادىء الوسطية عنواناً لتلاقي العراقيين في ما يحفظ وحدة بلدهم ارضاً وشعباً ومؤسسات، لاسيما وان الاستحقاق الانتخابي الذي شهده العراق قبل اسابيع، شكّل استفتاء لافتاً لارادة الشعب العراقي الشقيق وتطلعاته.
اضاف: لأن الوسطية التي تلتقون اليوم في ظل منتداها، ايها السادة، هي صنو للاعتدال وحماية من الجنوح نحو التطرف، فانها غدت النهج الذي من خلاله نستطيع مواجهة ظاهرة التطرف التي اقتحمت باشكال مختلفة منطقتنا، واربكت دولها وانظمتها واحرجت شعوبها. واذا كان ثمة من يرى في التطرف خياراً واسلوب عمل يرتكزان على تعاليم الدين، فإننا نرى في المقابل ان هذه المقولة لا تستقيم لان الاديان السماوية، على تعددها، تأمر بالاعتدال وتنهى عن التزمت وتنادي بالتسامح، وتدين العنف الذي يستخدم تعاليم الدين لتبرير نفسه.
وقال: لن تهدأ منطقتنا ما لم تجد القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وشاملاً يعيد الحقوق الى الشعب الفلسطيني، وفي مقدمها حق قيام الدولة المستقلة في الاراضي الفلسطينية المحتلة التي تحتضن ابناءها في الداخل والشتات. واذا كنا أكدنا ان الوسطية هي نهج الاستقرار في الشرق الاوسط ، فلأننا نؤمن بان الوسطية ليست حياداً بين سيادة وتبعية، ولا هي خيار بين احتلال ومقاومة، بل هي المؤمنة بحق الشعب بسيادته على ارضه، وبتحريرها بكل الوسائل المتاحة، لاسيما اذا لم تجد القرارات الدولية التي تحفظ السيادة والعدالة والكرامة والاستقلال وتحرر الارض، طريقاً الى التنفيذ كما هي الحالة اليوم في فلسطين المحتلة في ظل الاعتداءات الاسرائيلية المتمادية على الفلسطينيين وممتلكاتهم، وعلى الاماكن المقدسة وفي مقدمها المسجد الاقصى وكنيسة القيامة.
وختم بالقول: أمامنا مواضيع عدة للبحث والتحاور في مضامينها، وانا على ثقة بانكم ستُثرون بمداخلاتكم النقاش حول الوسطية التي هي، في النتيجة، الواقعية في السياسة من دون ابتذال، واليسر في الدين من دون تخلّ، والعدل ولو بالقول حين يستحيل العمل. واني اذ اتمنى لكم التوفيق في مناقشاتكم للخروج بافكار وخلاصات تعزز خيار الوسطية كنهج للاستقرار في الشرق الاوسط، يحضرني قول الشاعر الفرنسي الكبير بول فاليري حين يصف غموض القدر وما يخبئه المستقبل للاوطان والشعوب، اذ يقول: “يدخل الانسان باب المستقبل مديراً له ظهره”… ليكن مؤتمرنا اليوم باباً للمستقبل ندخله ونحن نعدو الى الامام بكل ثقة وإيمان بمبادئنا العربية وعزيمتنا لاسعاد شعوبنا…
بعد ذلك بدات جلسات العمل التي تستمر يومين.