مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان غابت عن مدينة طرابلس صوت صافرة قطار الشرق السريع، هذه الصافرة التي تعود عليها سكان المدينة فجر كل يوم لتعلن عن استعداد القطار لرحلة جديدة في العالم العربي.
مرت سنوات ومحطة القطار في طرابلس مهملة غابت عنها أصوات ضجيج المسافرين وهم يودعون أحباءهم، واستقبال المسافرين بعد سفر طويل. كانت المحطة تنبض بالحياة حيث الباعة المتجولون يفترشون بضائعهم ويعولون على المسافرين شراءها، اما اليوم فأضحت المحطة مكانا مهجورا حيث الصدأ الذي أكل القطارات ونبتت النباتات في كل مكان حتى تحولت المحطة الى أحراج مهملة تنتظر من يحمل اليها شعاع أمل لتواكب العصر الجديد.
وفي عام 2002 في شهر نيسان قام وزير الاشغال نجيب ميقاتي آنذاك، ووزير الاشغال من الجانب السوري بوضع حجرالاساس لمشروع إعادة تأهيل سكة الحديد وترميم المحطة وتشغيلها بين لبنان وسوريا.
سكة الحديد التي تنتظر عودة الروح اليها يعود تاريخ تأسيسها الى أوائل القرن الماضي حين تم مدّ الشبكة التي تربط بيروت بدمشق، وبلغ طولها 144 كلم. وكانت الشبكة تتألف من خطين، الاول يتصل بالخط الحديدي الحجازي الذي أنشأه السلطان عبد الحميد، ويربط دمشق بالمدينة المنورة عبر عمان، وهذا الخط توقف نهائيا في لبنان مع اندلاع الحرب الاهلية. والخط الثاني الذي أنشأ عام 1911 يربط الرياق بمدينة حمص عبر محطة تقع على الحدود اللبنانية ـ السورية. أيضا توقف عن العمل في سبعينيات القرن الماضي وسرقت جميع خطوطه.
وكان هناك خط ثالت استثنائي بناه الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية لأغراض عسكرية وهو امتداد لخط طرابلس ـ حيفا، أيضا يصل أفريقيا باوروبا عبر آسيا، ويبلغ طوله في الاراضي اللبنانية 190 كلم، وتوقف هذا الخط بعد نكبة فلسطين عام 1948، وأقفل الخط واستخدم في رحلة واحدة الى الاسكندرية كما توقفت الحركة بين طرابلس والناقورة اضافة الى نهب خطوطه الحديدية، واكثر من 2000 دعوى قضائية مرفوعة ضد المعتدين على أملاك المصلحة.
وكان لمحطة القطار في طرابلس دور اقتصادي فاعل وذلك من خلال نقل الترانزيت عن طريق البر عبر الاراضي السورية لدول الخليج والعراق وايران، أيضا يساعد خط القطار على فتح رابط اقتصادي مع الدول العربية والاوروبية.
عام 2001 قامت وزارتي النقل السورية واللبنانية باعداد دراسة تقضي بمسح الاراضي وازالة التعديات عن الخطوط الحديدية، لكن بسبب عدم توفر وجود خبراء لبنانيين، قرر الجانب السوري دراسة الموضوع، وقررت الحكومة اللبنانية ضرورة تشغيل سكة الحديد الواقعة الى جانب مرفأ طرابلس والهدف وضع لبنان على خريطة سكة الحديد في الاتحاد العربي.
وذكرت معلومات مطلعة أنه تم رصد مبلغ 700 الف دولار لاعادة وصل رياق بدمشق عبر طريق سرغابا، وذلك بعد تفكيك سكك الحديد المتواجدة في مناطق مختلفة.
أما فيما يتعلق بخط العبودية فإنه سيتم تمديد الخطوط وفق مواصفات حديثة وعالمية، حتى يستطيع الخط استيعاب سرعة قصوى وهي 150 كلم بالساعة، والقطارات تسير عليه بمسافة 120 كلم، والمبلغ الذي رصد للمشروع قيمته 20 مليون دولار تبين من خلال الدراسة النهائية أن المشروع بحاجة الى اضعاف هذا المبلغ.
تسع سنوات مضت على هذه الدراسات والاتفاقيات والتي ما تزال مركونة على جنب بانتظار صفارة التنفيذ، وعندما عدت العدة وبدأت المساعي وطلبت القروض من جهات تمويلية عديدة تم اعادة تقييم الدراسة السابقة مع القيام بتعديل بعض بنودها منها اقامة محطة تسفير في طرابلس لنقل الركاب عبر القطار، ولكن بسبب المشاكل التي تواجهها وزارة الاشغال العامة خاصة تمديد الشبكات والبنى التحتية اللازمة واستملاك الاراضي، ولهذه الاسباب اعتبر مصدر مطلع أن كلفة 5 كلم مشغولة تكلفتها تتجاوز اضعاف العقارات الحكومية.
وقال المصدر: هناك طموحات لبنانية تقضي باقامة “قطار لبناني” لكن هذا الحلم يحتاج الى الملايين، وفي حال رصدت الاموال لتنفيذه يعتبر من أهم المشاريع الحيوية النهضوية في هذا القرن من حيث توفير فرص عمل كبيرة أمام عدد كبير من اللبنانيين، ومن كافة الشرائح كالمهندسين والموظفين والمستخدمين وسائقي قطارات وحراس مناطق وعمال تحميل وتفريغ.
ومنذ فترة شهدت منطقة سكة الحديد في طرابلس تطوراً ايجابيا حيث قامت الوزارة المعنية بازالة كل العراقيل وجمع كل التعديات على طول الخط من طرابلس الى العبدة وذلك بالتعاون مع قيادة الجيش اللبناني، ويبلغ طول المسافة 35 كلم وحاليا تعتبر جاهزة للتنفيذ.
وفي دراسة أكاديمية لمشروع سكة الحديد تضمنت جملة مقترحات أبرزها: ان وجود قطارين عائدين الى أواخر القرن الماضي واحياء خط سكة الحديد واعادة تسيير قطار بين طرابلس وحمص خطوة تشجيعية لبداية الانطلاق بتنفيذ مشروع حيوي وذلك عبر الاستفادة من المعدات القديمة الموجودة بتحويلها الى متحف تراثي، واعتبروا ان تشغيل خط طرابلس ـ حمص لا يتطلب امكانيات مالية ضخمة خاصة وان سكة الحديد ما تزال على حالها لم تتعرض لا للتخريب او تعديات تذكر نظرا لبعدها عن المناطق السكنية اي خارج المدينة.
وتضمنت الدراسة اعادة تشغيل سكة الحديد بانتظار استكمال الانفراج السياسي ليدفع بالمشروع قدماً، خاصة وانه بعد التعاقد مع شركة سورية لتفيذه أدى الوضع المأزوم منذ خمس سنوات الى تجميده لكن عودة المياه الى مجاريها الطبيعية بين لبنان وسوريا لا بد سيؤدي الى الاهتمام بهذا المشروع الحيوي في اطار تنشيط الحركة الاقتصادية بين البلدين.
دموع الاسمر