أعلن رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي في لقاء صحافي عقده بعد ظهر اليوم في السرايا، انه حول حصة لبنان من تمويل المحكمة الخاصة بلبنان،واستهله بالقول :
“أيها اللبنانيون واللبنانيات، في هذه اللحظات المهمة أجد أن الأخطار التي تواجه وطننا تتطلب موقفا واضحا وقرارا جريئا، على قدر المسؤولية التي حملتموني إياها للمشاركة في قيادة سفينة الوطن التي تتأرجح وسط الانقسامات الداخلية العميقة، والضغوط الاقتصادية والحياتية الخانقة، والحرائق الاقليمية على امتداد الخريطة العربية.
إن إصراري على تمويل حصة لبنان من المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، ينبع اولا من حرصي على حماية لبنان، دولة الحق بشعبه وجيشه ومقاومته، وثانيا من إيماني الراسخ بمبدأ احقاق الحق والعدالة، لأنه لا يجوز التغاضي عن متابعة ملف إغتيال رئيس سابق للحكومة ورفاق له، وثالثا من إلتزامي الا أكون رئيسا لمجلس الوزراء يخل بتعهدات لبنان الدولية أو يخرجه من حضن الاسرة العربية والدولية أو يساهم في تدهور اوضاعه الداخلية على الصعد والمستويات كافة.
لهذه الاسباب قمت اليوم بتحويل حصة لبنان من تمويل المحكمة الخاصة بلبنان.
إن هذه الخطوة ليست انتصارا لفريق او انهزاما لآخر، ولا هي تسليم باتهام أشخاص او جهة بالضلوع في جريمة الاغتيال …انه باختصار قرار وطني يحفظ لبنان ولا يعرضه لاختبارات قاسية بدأت تلوح طلائعها في اكثر من مجال، إنه قرار وطني يحمي وحدة لبنان ارضا وشعبا ومؤسسات ويخنق الفتنة في مهدها ، إنه قرار يجنب لبنان استحقاقات تخدم مخططات العدو الاسرائيلي وتعطي الوطن فرصة اضافية لنبعده عن تداعيات ما يحصل في منطقتنا من تطورات متسارعة، انه قرار عكس إلتزام لبنان بتعهداته الدولية وبمبدأ العدالة ويعزز الثقة بالمستقبل وبالعمل والاصلاح والانجاز خدمة لمصلحة لبنان واللبنانيين.
إن القرار ليس إنتقاصا من دور أي مؤسسة دستورية على الاطلاق، وليس إنتصارا لفريق من اللبنانيين على فريق آخر، بل على العكس تماما فهو مكسب للدولة اللبنانية والمؤسسات مجتمعة، ولجميع اللبنانيين من دون إستثناء.
ايها اللبنانيون واللبنانيات، ان التزامنا السعي الجاد الى تحقيق العدالة، يجعلنا نتمسك اكثر فاكثر بضرورة متابعة عمل المحكمة الخاصة بلبنان مع تأكيد اهمية ان تكون حيادية وعادلة في مقاربة هذا الملف بحيث تبقيه بعيدا عن التسييس او تصفية الحسابات او التعاطي الكيدي، عسى ان يشكل التمويل حافزا لجميع اللبنانيين من كل الطوائف والمشارب والاطياف كي يتخطوا إنقساماتهم الكبيرة وخلافاتهم الماضية والنزعة المتمادية الى الانزلاق نحو المغامرات المراهنات والاخطار.
إننا ندعو الى العودة فورا الى طاولة الحوار الوطني الجامع، برعاية فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، لأن الحوار يبقى السبيل الافضل لايجاد مساحات مشتركة بين اللبنانيين عبر المزيد من التلاقي والتفاهم وبناء جسور الثقة المتبادلة.
كما أدعو جميع الوزراء الى إعتبار هذا اليوم بمثابة إنطلاقة جديدة للعمل الحكومي وبالتالي السعي الجدي والسريع الى تفعيل أداء وزاراتهم، عبر معالجة المشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية المتراكمة وحل الملفات الشائكة والمزمنة، خدمة للوطن والمواطنين.
أتمنى صادقا على الاسرة العربية والدولية أن تتفهم حساسية الوضع اللبناني، جغرافيا وتاريخيا وسياسيا وإقتصاديا، عبر مؤازرته ودعمه في المجالات كافة، ليبقى لبنان منارة في هذا الشرق ضامنا الاستقرار والتعدد والرقي والازدهار.
إنني اثمن عاليا إدراك وتفهم كل الفرقاء للوضع الراهن الذي نمر فيه وأتعهد مجددا تقديم مصلحة لبنان وإستقراره وسلامة أراضيه على أي مصلحة اخرى. والله ولي التوفيق”.