تضع الأجهزة الأمنية اللبنانية محافظة عكار تحت المجهر، لا سيما المنطقة الحدودية فيها لجهة وادي خالد، وهي تكاد تطوّقها بالعيون الأمنية وعمليات الرصد والمتابعة اليومية.
ويأتي هذا الاستنفار تحسباً لأية تحركات قد تقوم بها خلايا نائمة بأمر من «داعش» الذي يبدو أنه ما يزال مصراً على مخططه التوسّعي باتجاه لبنان وتحديداً عكار، وكلما كشفت الأجهزة الأمنية خلية له وأوقفت أفرادها، سارع التنظيم الى تشكيل غيرها لتكون جاهزة لاستخدامها عندما يحتاجها في أي عمل أمني يمكن أن يُقدم عليه.
ولا شك في أن التقارير التي صدرت مؤخراً حول إمكانية قيام بعض الدول بتحريك الجبهة الشمالية من خلال تنشيط الخلايا الموجودة في القرى الحدودية العكارية وتعزيزها بمقاتلين وتأمين الأسلحة اللازمة لها، بهدف الضغط على النظام في سوريا، قد ضاعف من الرقابة الأمنية في تلك المنطقة، خصوصاً في ظل ما يُشاع عن عودة بعض الجهات السياسية والدينية الى التواصل مع بعض المجموعات تمهيداً لاستخدامها في أكثر من مخطط ضمن الأراضي السورية واللبنانية، انطلاقاً من قناعتهم بأن الهدنة في سوريا لن تصمد طويلاً.
وما يلفت انتباه الأجهزة الأمنية هو عودة النشاط الى بعض المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا والتي تستخدم في تمرير السلع والمواد الغذائية والمواشي، وذلك بموافقة الجيش السوري، من أجل تسهيل مصالح القرى والبلدات الموالية للنظام، ولكن ما تخشاه هذه الأجهزة هو أن يُصار الى استخدام هذه المعابر أو معابر أخرى موازية من أجل تهريب مقاتلين الى طريق حمص ومنها الى بلدة القريتين، خصوصاً في ظل المعلومات المتوفرة عن قيام بعض الأسماء الكبيرة المنتمية الى «داعش» بالدخول الى سوريا والعودة منها محملة بالتعليمات والتوجيهات لتنفيذها ضمن الأراضي اللبنانية.
وتشير المعلومات الأمنية الى أن الجيش السوري استقدم تعزيزات كبيرة الى القرى الحدودية السورية، وأن هذه التعزيزات ستتنامى خلال الأسابيع المقبلة، وأن هناك أوامر صارمة من القيادة السورية الى الجيش باستخدام المدفعية وقذائف الدبابات ضد أي نقطة تخرج منها رصاصة واحدة باتجاه الأراضي السورية، ما يعني بحسب هذه المعلومات أن أي جهة ستحاول اللعب على الوتر الأمني في القرى الحدودية، عليها أن تتحمّل تبعات ما قد يصيب أبناء تلك المناطق.
وتقول هذه المعلومات إن عمليات الرصد والمتابعة تجري على قدم وساق تجاه بعض المطلوبين الخطرين وفي مقدمتهم محمد ص. ونبيل س. وطارق خ. وبلال ع. الذين يُخشى من أن يعودوا من الرقة السورية التي هربوا إليها قبل نحو شهرين، من أجل تنفيذ أجندة أمنية تخدم مشروع الفلتان الذي تأمل بعض الجهات المدعومة من بعض الدول الوصول إليه على الحدود اللبنانية ـ السورية، وهذا ما يدفع الأجهزة الأمنية الى ملاحقة كل مَن يثبت تواصله معهم، حيث أوقفت مخابرات الجيش اللبناني أمس الأول المدعو أ. خ. الذي تبين من خلال مراقبة هاتفه بأنه مشروع انتحاري وكان يتواصل مع نبيل س. وهو كان من ضمن مجموعته التي خاضت معركة بحنين الى جانب الشيخ الموقوف خالد حبلص في 24 تشرين الأول من العام 2014.
كما أوقفت شعبة المعلومات في الأمن العام اللبناني قبل أيام أحد الأشخاص المنتمين الى «داعش» والذي يبدو أنه مدرب تدريباً قوياً على تحمل ضغط التحقيقات، حيث لم يُدلِ بأية معلومات حتى الآن.
وتؤكد المعلومات التنسيق الكامل بين الأجهزة الأمنية في عكار، وأن ثمة لائحة بأسماء بعض المتورطين بالانتماء والتعامل مع «داعش» يتم التعاون بينها من أجل توقيفهم.
وتقول مصادر أمنية واسعة الاطلاع إن الأجهزة الأمنية تعمل وفق تقارير تردها تباعاً حول الوضع الأمني في المنطقة الحدودية الشمالية، وهي تقوم بواجباتها على أكمل وجه في إطار حربها الاستباقية على الإرهاب والهادفة الى حماية لبنان من أي خلل أمني قد يحصل، ليس في عكار فحسب بل في كل المناطق.
وتلفت هذه المصادر الانتباه الى أنه بعد التوقيفات التي جرت خلال الأشهر الماضية، وطالت شبكات وأفراداً كانوا يستعدّون لتنفيذ عمليات أمنية ضمن الأراضي اللبنانية، فإن أي تحرك جديد للخلايا الإرهابية يحتاج الى كثير من التحضير، مؤكدة أن الجهود الأمنية التي تُبذل حالياً تجعل الوضع الأمني في عكار نوعاً ما تحت السيطرة، فضلاً عن صعوبة وصول السلاح الى تلك المناطق، وإن وصل فإنه سيكون غير قادر على مواجهة السلاح الذي سيستخدمه الجيش السوري في الجهة المقابلة.
وتعبّر هذه المصادر في الوقت نفسه، عن خشيتها من تفاعل التوترات السياسية الحاصلة، وإمكانية انفجارها في الشارع، لافتة الانتباه الى أن فلتاناً كهذا من شأنه أن يفتح الأمور على مصراعيها، وأن يشجّع «داعش» على تنشيط خلاياه في لبنان بهدف تنفيذ مخططاته، وعندها يصبح تأمين السلاح من مختلف الأنواع وارداً.
في غضون ذلك، يشير أهالي وادي خالد الى أن المنطقة بكاملها تعيش في كنف الجيش اللبناني والمؤسسات الشرعية، مؤكدين أن أي مجموعة تسعى للإخلال بالأمن ستتم مواجهتها من أبناء الوادي قبل أن يصل الجيش أو القوى الأمنية إليها.
غسان ريفي | السفير
2016 -آذار -02