سوق البازركان في طرابلس أشهر من ان يعرف لأنه السوق الذي كان ولا يزال منذ القدم مقصداً لجميع اهالي المناطق الشمالية كافة، ففي هذا السوق يجد المتسوق كل ما يحتاجه من أقمشة وألبسة جاهزة وكل حاجيات المناسبات والاعياد.. البازركان” اسمٌ على مسمى فأصل الكلمة فارسي معناها “السوق” ثم دخلت اللغة التركية، وهذا السوق هو واحد من اسواق طرابلس الداخلية الاثرية التي يرقى تاريخها الى العصر المملوكي ثم ادخل العثمانيون عليه تعديلات هندسية فبات معلما اثريا مميزا من معالم المدينة ولم يعد يقتصر دوره على التجارة وقاصدي التسوق بل بات ايضا مقصدا للسواح من كل الجنسيات العربية والاجنبية حيث اعتاد تجار السوق رؤية وفود السائحين الذين يهوون الآثار وتصويرها.
قبل الاستعمار الفرنسي كان لا يزال السوق محافظاً على معالمه الهندسية حيث كان مسقوفاً برفوف من القرميد المزخرف الذي يقي الناس حرارة الشمس صيفاً ومن المطر شتاءً، الى أن جرى هدم الرفوف بحجة ضعف الانارة ومنذ ذلك الحين كانت اليد تعبث بالمعالم الاثرية فيه فكادت ان تضيع معالمه الى أن جاءت بادرة الرئيس عصام فارس عبر مؤسسته فأعيد احياء البزركان وجرى ترميم وفق الهندسة الاثرية التي كانت عليه في السابق فأعاد للسوق رونقه التاريخي مما أثار ارتياح جميع التجار فيه حين لمسوا أن الترميم شمل محلاتهم وأضفى عليها مسحة جمالية اخاذة تجذب السواح وتفيد الحركة الاقتصادية التجارية فازداد عدد الرواد من السواح.
على جانبي السوق حيث الاروقة الممتدة من سوق “السمك” الى سوق “حراج” تنتشر المحلات التي تبيع مختلف انواع الاقمشة وما يحلو للمتسوق من قماش اجنبي او محلي اضافة الى اقمشة البرادي والمفروشات واغطية الاسرة بما يتلاءم وحاجة العائلة الى تجهيز المنزل بكافة أثاثاته.. أيضا تنتشر محلات الالبسة لكافة الاذواق والاعمار وبأسعار منافسة وتناسب جميع الطبقات..
امام هواة الاثار فيجد مقصده في الابنية الاثرية وفي الخانات والمساجد والحمامات الاثرية المتلاصقة في سوق البازركان لا بل نجد ان الجامع الاثري يلتصق به مدرسة اثرية او زاوية دينية او حمام اثري وبقربه خان “المصريين” الذي يعود تاريخه الى 700 عام.
محمد لطفي يوضح ان الرئيس عصام فارس رمم الجزء المنطلق من سوق السمك وحتى الشارع العام وجميع تجار السوق ثمنوا هذه الخطوة المباركة التي قامت بها مؤسسة فارس، بينما تحتاج الاسواق الاخرى الى ترميم كي يجد السائح انه امام سلسلة اثرية تبدأ من الجامع المنصوري الكبير وصولا حتى سوق حراج، لكن سوق البازركان هو من اهم الاسواق في الشمال.
احمد جميل قال انه يعمل في السوق منذ ستين سنة شهد خلالها الكثير من المتغيرات التي كادت ان تلغي الطابع الاثري للسوق خاصة هدم الرفوف عدا عن ان السوق كان مهددا بالزوال فجاء مشروع فارس ليحيي الامال ويعيد السوق الى مكانته المميزة، فأصبح محط انظار المهتمين بالتراث والاثار من السواح العرب والاجانب.
ويرى ان طرابلس في الاساس هي متحف اثري قائم بحد ذاته ويا ليت يتم انشاء متحف كبير من الاثار الطرابلسية.
مواطنون لفتوا الى ان تاهيل سوق البازركان حرص على صيانة الوجه المملوكي وعلى بقايا الاثار الصليبية فيه خاصة وان البازركان هو السوق المملوكي الثاني في العالم ومنذ ترميم السوق تدفقت الحيوية الاقتصادية اليه بعد ان كان يعاني اهمالا خاصة وانه جرى توسيعه بعد ازالة البسطات من الممرات والاروقة كما حافظ الترميم على القناطر والجدران والشمسيات فبات السوق بمثابة متحف.
وفي نهاية السوق تقع بركة “الملاحة الشهيرة” التي كان يلتف حولها صبية العيد والمارة حيث كانت تملأ بانواع الشراب من تمر هندي وسوس والليموناضة فيشرب منها الناس ثلاثة ايام مجانا احتفاء بالعيد.
الى جانب الدور الاقتصادي التجاري للسوق فهو لا يزال مكتظا بالسكان في ابنية قديمة متلاصقة تتميز “بالمشربيات” الخشبية ذات الهندسة المعمارية الاسلامية التي تغطي المظهر الخارجي للنوافذ وتسمح بدخول اشعة الشمس عدا عن كونها تسمح لسكان المنزل برؤية الخارج دون ان يرى المتطفلون من في الداخل.