لم تنحصر الانتخابات البلدية والاختيارية في عكار في نطاقها البلدي بل تحولت الى مبارزة سياسية بين النواب الحاليين وبعض النواب السابقين وما بين التيارات والقوى السياسية والحزبية الناشطة على الساحة العكارية.
هذه المبارزة احتدمت في بلدات كانت محور التنافس والتصارع بين فريقي 8 و14 آذار ( حلبا والقبيات )ـ وفي بلدات اخرى احتدمت بين العائلات التي كانت واجهة لتنافس سياسي مخفي .
فالنتائج في عكار شكلت مفاجأة للجميع حيث لم يكن متوقعا هذا التغيير الذي حصل في بلديات كانت محسومة النتائج ومتكئة على نتائج الانتخابات النيابية التي مضت عدا عن الطابع العام الذي اتسمت به عكار فارتاح النواب الى هذا الطابع لدرجة الغلو في الثقة بالفوز في بلدات اعتبروا المزاج الشعبي فيها محسوما لصالحهم كحلبا وتكريت والقبيات وببنين وبرقايل.
فلطالما اعتبرت سماء عكار “زرقاء “وان الفوز حتمي في معظم البلديات لاسيما في بلديات جرى حشد كل القوى لمعاقبة رؤساء فيها استمروا في نهج عكس التيار الجارف الذي احاط المنطقة على مدى السنوات الخمس كرئيس بلدية منيارة على سبيل المثال فجاءت النتائج لتشكل صدمة لا يستهان بها للنواب الحاليين ولقوى 14 آذار.
ويمكن تسجيل جملة ملاحظات حول هذه النتائج ابرزها:
ان سماء عكار قد تلونت بالازرق والاحمر والبرتقالي والاصفر فلم تعد آحادية اللون، وان المزاج الشعبي آخذ بالتغير..
الدليل على ذلك نتائج بلدية حلبا التي فازت فيها اللائحة التي توافق فيها اطراف 8 آذار وفي الطليعة الحزب القومي والتيار الوطني الحر الى جانب الشيوعي مع دعم النائبين السابقين : مخايل ضاهر وطلال المرعبي بالاضافة الى تكتل عائلي بارز في حين بذل النائب خالد الضاهر جهدا استثنائيا مع تيار المستقبلوالنائبين رياض رحال وهادي حبيش في دعم اللائحة التي سميت بلائحة مستقبل حلبا . فكل الجهود انصبت على حلبا لتحقيق فوز يغير وجه حلبا باعتباره وجه عكار ولأن رئيس بلديتها هو رئيس اتحاد بلديات الشفت وإحراز الفوز فيها يعني فوزا لنواب المستقبل فجاءت النتيجة مغايرة للتوقعات بعد أن صبت الاصوات المسيحية في حلبا بنسبة التسعين بالمئة لصالح لائحة سعيد الحلبي بعد مشاركة نواب المستقبل خالد ضاهر ورياض رحال وهادي حبيش في اعلان لائحة عبد الحميد الحلبي “المستقبلية”.
الصدمة الاخرى كانت في ببنين بفوز لائحة الجماعة الاسلامية برئاسة الدكتور كفاح الكسار رغم ان ببنين هي عرين تيار المستقبل منها النائب خالد ضاهر والنائب السابق مصطفى هاشم ومنسق تيار المستقبل في عكار حسين المصري وفي حين تركز دعم الضاهر على لائحة الرئيس الاسبق المحامي عدنان الرفاعي تركز دعم تيار المستقبل على لائحة الرئيس السابق الدكتور هيثم المصري وفي ببنين كتلة ناخبة لا يستهان من قوى المعارضة وفي الطليعة الحزب القومي سارعت الى اتخاذ خيارها بالتحالف مع الجماعة الاسلامية فتحقق لها الفوز الذي فاجأ الجميع.
اما ام المعارك فكانت في فنيدق التي شهدت تجاذبات حادة ومحاولات توافق تدخل فيها الرئيس سعد الحريري فلم يوفق في انجازها تاركا المجال للتنافس بين لائحتين الاولى لائحة الرئيس الحالي سميح عبد الحي الذي يعتبر من اهم مرتكزات تيار المستقبل في عكار والثانية رعاها الدكتور الشيخ محمد بكار زكريا الذي رشح ابن شقيقه المربي عبدالإله زكريا وانضم الى هذه اللائحة النائب وجيه البعريني عبر مرشحين اثنين عدا عن مشاركة بارزة في الحوار حول اخراج اللائحة من قبل المرشح السابق للانتخابات النيابية محمود الحسن.
كانت خسارة عبد الحي مدوية خاصة بعد تحقق الالتفاف العائلي الواسع في فنيدق للاطاحة به حيث التقت العائلية بقواسم مشتركة مع المعارضة لكن الطابع العائلي بقي مسيطرا على الجو الانتخابي في البلدة .
في القبيات كانت المبارزة واضحة بين النائب هادي حبيش والنائب السابق مخايل ضاهر الذي انجز تحالفا قويا اوحى بفوز مسبق للانتخابات خاصة وان الانطباع السائد في القبيات ان التيار العوني هو الاوسع حضورا بالاضافة الى المرشح السابق للانتخابات النيابية جوزيف مخايل والرئيس السابق للبلدية صبري عبدو بينما تحالف حبيش مع القوات اللبنانية والكتائب ومرشحه ايضا عبدو عبدو احدى اكبر عائلات القبيات .
الخسارة في القبيات لتحالف المعارضة كان مدويا وغير متوقع فلطالما اوحى ضاهر بان معركته مريحة ولا خوف من الفشل فكانت المفاجأة في فوز لائحة حبيش الذي رده البعض الى الخلل التنظيمي في صفوف التيار العوني بينما رده آخرون الى التشطيب الذي ساد الانتخابات والى المال السياسي،فكانت المنافسة على المنخار.وفي الوقت الذي كان ضاهر مرتاحا الى النتائج كان النائب حبيش في حركة ديناميكية يعد لمعركته وكأنها معركة مصير وأحجام.
في منيارة كان الفشل ذريعا للقوات اللبنانية والكتائب التي رشحت سليم زهوري لإزاحة رئيس البلدية انطون عبود المعروف بانتمائه القومي الاجتماعي وان الهدف هو ضرب عصفورين بحجر واحد عبود والحزب القومي من جهة والتيار العوني من جهة ثانية فكان الفوز الكاسح لعبود الذي ارتكز على جملة منجزات في البلدة وعلى شبكة علاقات اجتماعية وعائلية ثابتة عدا عن أن المواجهة مع التيار العوني في منيارة خاسرة سلفا نظرا للحضور العوني الواسع في البلدة.
من هذه الملاحظات يمكن استنتاج ما يلي :
ان تيار المستقبل انكفأ في بلديات وثبت بمكانه في بلديات أخرى وابرز البلديات التي خسرها هي ببنين ، فنيدق ، تكريت ، حلبا ، العيون ،دنبو،جديدة القيطع.
وان النائب خالد ضاهر خسر البلديات التي دعمها في حلبا وتكريت وببنين والتي كانت محور اهتمامه الخاص .
ان النائب رياض رحال خسر البلدية في بلدته الشيخ محمد التي شكلها من انصاره متحالفا مع الشيوعيين في البلدة وفازت لائحة طلال الخوري المدعومة من التيار الوطني الحر والنائب السابق كريم الراسي وومن عائلات البلدة .
فازت في البرج اللائحة المدعومة من النائب معين المرعبي بينما لم يلحظ له تدخلا في بلديات اخرى التي كانت من مهام مكتب تيار المستقبل.
فاز النائب هادي حبيش في القبيات بينما خسر في بلدات اخرى دعمها مثل حلبا اما مخايل ضاهر فعوض خسارته في القبيات بفوز اللائحة التي دعمها في حلبا.
اما النائب خضر حبيب فلم يلحظ له حركة في اي بلدة من بلدات عكار وخاصة في سهل عكار حيث الطائفة الاسلامية العلوية باعتباره نائب الطائفة في عكار فخسر عديله في بلدة تلمعيان وفازت اللائحة المختلطة من الطائفتين السنية والعلوية.
لم تلحظ انشطة بارزة للنواب السابقين باستثناء البعريني في دعمه لائحة عبد الإله زكريا في فنيدق والنائب السابق محمد يحي في بلدته المقيبلة التي تحقق التوافق فيها بمشاركة فاعلة من الحزب القومي.
اما البارز فكان التيار الوطني الحر في البلدات المسيحية التي حقق فيها فوزا كاسحا ازاء لوائح القوات اللبنانية والبلديات التي فاز بها التيار العوني ابرزها : شدرا ، عندقت ، بقرزلا، بيت ملات ، الشيخ محمد ، جديدة الجومة،عدا عن مشاركته في توافق بلديات عديدة.
ولوحظ ان المرشح المنفرد في بلدة جديدة الجومة ايلي الورد وهو مرشح القوات اللبنانية قد نال 370 صوتا في مواجهة لائحتين متكاملتين مما يعني حضورا شعبيا للورد في بلدته تعكس نشاطه الاجتماعي والخدماتي في البلدة غير اللائحة العونية كانت قادرة على تحقيق فوز كاسح حيال الوجود القواتي في البلدة.
كما برز الحضور الفاعل للحزب السوري القومي الاجتماعي في بلديات عديدة محققا فوزا لافتا حيث استعاد الحزب مواقعه فيها وابرزها تكريت ، جديدة القيطع ، مجدلا ، حلبا ، شدرا ، المقيبلة ، منيارة ،الحاكور، دير دلوم ،رحبة ، عدبل ،العيون ، بينو ،بزبينا ، عكار العتيقة ،جبرايل وفي ببنين الى جانب الجماعة الاسلامية .
وفي حين لم يستطع تيار المستقبل من انجاز بلديات بالتزكية استطاع تيار الرئيس عصام فارس من انجاز عشر بلديات بالتزكية عمل على تحقيقها فريق مؤسسة ومكاتب عصام فارس عبر مدير عام المؤسسة وليم مجلي ومدير اعمال فارس سجيع عطيه .
وبلديات التزكية كانت في البلدات الارثوذكسية التي بكرت باعلان التزكية وفاء للرئيس عصام فارس والتزاما بسياسته ونهجه الانمائي الامر الذي اعتبر ان انجازات فارس في عكار قد ارست نهجا عميقا في عكار وصار نموذجا يحتذى.
فبعد بينو وبزبينا كانت رحبه ذات النسيج المتنوع من كل الاطياف السياسية نجح سجيع عطيه مدير اعمال فارس في انجاز توافق نال اجماع الاهالي في رحبة والتوافق عليه رئيسا للبلدية كي يتابع مسيرة اتحاد البلديات في استكمال ما بدأه من انماء واعمار.
المتتبع لمجريات الانتخابات يلحظ تغييرا في المزاج الشعبي العكاري وهذا التغيير بدأت معالمه الاولى في تقدم بارز للمعارضة وفي الطليعة التيار الوطني الحر والحزب القومي رغم ان هذه القوى ( المعارضة )لم تظهر متماسكة ومتناسقة في ما بينها الامر الذي يحتاج الى اعادة نظر في التنسيق والتحالف ، كما لوحظ الخلل بين مكتب تيار المستقبل ونوابه حيث خاضوا معارك في بلدات غير متناسقة فكان المكتب احيانا في مكان وبعض نوابه في مكان آخر.
كما لوحظ هزالة وجود القوات اللبنانية في مواجهة التيار الوطني الحر رغم حاجته الى اعادة النظر في هيكليته التنظيمية.