أحيت نقابة المحامين في طرابلس بدعوة من المجلس الدستوري ومجلس القضاء الاعلى الذكرى السنوية الثانية لغياب القاضي ميشال تركية في حضور وزير العدل البروفسور إبراهيم النجار، الرئيس نجيب ميقاتي، وزيرة الدولة منى عفيش، وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي ممثلا بعقيلته منى الصفدي، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي ممثلا وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، الوزيرة السابقة ليلى الصلح حمادة، النواب: سميرالجسر، محمد كبارة، روبير فاضل، نقولا غصن وممثلين عن نواب سابقين.
حضر رئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان، رئيس مجلس القضاء الأعلى الدكتور غالب غانم، رئيس مجلس الخدمة المدنية القاضي خالد قباني، عضوا المجلس الدستوري الرئيس طارق زيادة والبروفسور أنطوان خير، راعي أبرشية طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس المتروبوليت إفرام كرياكوس، راعي أبرشية حدث الجبة المارونية المطران فرنسيس البيسري، رئيس بلدية طرابلس رشيد جمالي، رئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين، نقيبة المحامين في بيروت أمل حداد، نقيب المحامين في طرابلس أنطوان عيروت، نقيب المهندسين في الشمال جوزيف إسحق، نقيب أطباء الأسنان في الشمال محمد سعادة، نقباء سابقون للمهن الحرة، رؤساء الهيئات والجمعيات التربوية والثقافية والنسائية وحشد من القضاة والمحامين، قائد منطقة الشمال الإقليمية في قوى الأمن الداخلي العميد علي خليفة، عقيلة القاضي الراحل السيدة فائقة تركية وأفراد العائلة.
بعد النشيد الوطني الوقوف دقيقة صمت عن روح القاضي تركية، وقدم الخطباء بإسم لجنة إحياء الذكرى نقيب المحامين السابق رشيد درباس من خلال كلمات مؤثرة، فقال: “قد ينكسر القلم وتبقى ريشته تواقة إلى مزيد من معاني الحبر المكنونة، ويغيب ميشال وما زالت الأقلام متلهفة للإنغماس في أعماق فكره لأن كرسيه الشاغر تمتلىء به المشاعر كما يلتئم في صالته من كان يلتئم فيها حال حياته كل عيد”.
ثم تحدث الدكتور سليمان، فقال: “ما واجه المجلس من تحد كبير في إنطلاقته الأولى وفي إطار الصلاحيات المحدودة الممنوحة له وهو تقليص المسافة بين الواقع والمرتجى وتذليل الصعوبات التي إعترضت مسيرته وإعادة الأمل ببناء دولة المؤسسات وتطوير تجربة لبنان الديموقراطية ولو بالحد الأدنى، وقد جابه فقيدنا الغالي مع زملائه في المجلس الدستوري التحدي وكان مصمما على إنجاح المهمة الموكولة إلى المجلس، فواجه الصعوبات بشجاعة وحكمة ومثابرة ورأي سديد، وكان مطمئنا لسلامة أدائه مرتاح الضمير غير آبه بالحملات التي كانت تشن على المجلس الدستوري بين الحين والآخر فإستحق الإعجاب والتقدير والتكريم”.
أضاف: “إن أفضل تكريم لفقيدنا الغالي هو الإلتزام بالنهج الذي سار عليه والقيم التي آمن بها، وقد آلينا على أنفسنا في المجلس الدستوري يوم تسلمنا مهامنا في الخامس من حزيران من العام المنصرم أخذ العبر من التجارب والعمل من أجل تعزيز دور هذا المجلس، بممارسة صلاحياتنا بإستقلالية تامة عن مختلف السلطات والوقوف على مسافة واحدة من مختلف الأطراف السياسية مع الأمل بتحقيق التوافق في ما بينها في إطار الإلتزام بالمبادىء والقواعد والآليات التي نص عليها الدستور والتي جاءت نتيجة وفاق وطني، فقراراتنا لم ولن تتأثر بالظروف السياسية فهي مبنية على حيثيات قانونية، وليس على حيثيات سياسية، وإن كان لهذه القرارات مردود سياسي ينبغي القبول به كونها صادرة عن مرجعية دستورية موثوقة”.
الدكتور غانم كما، ألقى الدكتور غانم كلمة توجه في مستهلها إلى القاضي الراحل، فقال: “لقد رحلت وتركت في الساح القضائية كوما من الشرف تنشر الأماثيل المطيبة كما تنشر كوم الورد بهاء حضورها وعبقات عطورها، على إيقاع الأصالة أقول أيضا، الأصالة يد تمسك بالإرث العريق وتفتح طريقا في آفاق الغد، والأصالة لا تتنكر للماضي ولا تتحجر فيه ولا تغلق الأبواب على الحديث ولا تترنح في متاهاته”.
وتابع: “على هذه الصورة كان جيل القضاة المنورين وأنت من طلائعه، كوكبة عمرت وزرعت فإرتفعت شواهق القيم وملاء الحصاد بيادرها، كوكبة يعود إليها الفضل في رفع القضاء اللبناني إلى أعلى الذرى حتى غدا مثالا يحتذى في عالمنا العربي ومنافسا للمؤسسات القضائية الراقية في الدول ذات التاريخ العريق في هذا الميدان. هذا أوان العمل بلا كلل ولا تبرم يا أهل القضاء، هيا إلى العمل، الأنفس عطشى إلى العطاء، والملتجئون إليكم هم طلاب عدالة، فيا أيها القاضي الراحل ببساطة ووداعة كنت تعامل أصحاب العلاقة وتواجه الحياة وتتصدى للمسؤوليات، وكلما أمعنت في هذا المسلك كنت تكشف عن الأبعد والأغنى في ثنيات ذاتك، كانت الجواهر تلتمع وكنوزها مرصودة في أعماق الوجدان، وكان العطر يشيع وآنيته في الخفاء”.
ثم تحدث عضو المجلس الدستوري ورئيس مجلس القضاء الأعلى سابقا البروفسور أنطوان خير، فأشار إلى “زمالته مع القاضي الراحل في المجلس الدستوري”، وقال: “أعطى مدينته أغلى سنين حياته ولم يبرحها إلا ليبلغ الذروة ببساطة مدهشة وطوية لا أنقى، ألفته يحن إلى الرياضيات لكي لا يخطىء في حساب ، ويزن الوزنات بمكيال من ذهب فلا تزر الواحدة منها وزر أخرى”.
أضاف: “لن أنسى ما حييت مقدار اللوعة في عيني رفيقة حياته وأولادهما عندما غادرهم على حين غرة، هو الحبيب الغالي المحب يترك في القلوب الما وحسرة لا ينساهما إلا من لم يعرف أن هنا في القلوب يبقى الأحباء حيث ذكراهم لا تمحى، وتبقى هذه الربوع الجميلة المزهوة برائحة زهر الليمون، زهر طرابلس الفيحاء مرتع الطيب المضمخ بالمودات والأصدقاء والبسطاء من الناس يرفعون الدعوات إلى الأعالي راجين لأمثالك من رب العالمين وسع ما أعطاهم وقدر ما أعطوا”.
وألقى جمالي كلمة قال فيها: “إحياء ذكرى الراحل الكبير ميشال تركية محطة هامة في مسيرة فيحائنا بما هي تكريم لقيم ومفاهيم وممارسات وأداء جسدها فقيدنا الغالي في مراحل حياته المختلفة التي قضى معظم أيامها في طرابلس لم يغادر المدينة ولم يفارق أصدقاءه ومحبيه حتى في أحلك ساعات حربنا العبثية الدامية، فإذا بالفيحاء ولبنان يلتقيان اليوم في تكريمه، بعدما سبق لمجلس بلدية طرابلس أن قرر وبالإجماع إطلاق إسم الرئيس ميشال تركية على أحد شوارع المدينة إكبارا لدوره المميز في إطار حياتنا العامة، بعدما كان المجلس نفسه قد أطلق إسم القاضي الرئيس سعيد عدرة على شارع آخر”.
أضاف: إختزنت الفيحاء وما تزال بين جنباتها من القدرات والكفاءات الكثير الكثير، لكنها تبقى مهمشة وتعاني من تشويه لصورتها وأدائها وقيمها وتتعرض لظلم ذوي القربى ينسبون إليها ما ليس في تراثها من إنغلاق أو تطرف أو رفض للآخر، لكن فقيدنا الكبير وكل رجالات المدينة وأبنائها عرفوا ويعرفون ان طرابلس هي مدينة العيش الأخوي المشترك، مدينة تحترم الحق في الإختلاف وتقدس حرية الرأي والمعتقد وليس في تاريخها الحديث والقديم ما يشوب أداءها من عيوب المظالم التي تنسب لها”.
وألقى علم الدين كلمة قال فيها: “هذا الشاب العصامي الطموح درس القانون وذهب إلى العدالة يبحث عنها بصمت وهدوء وبعقل راجح ثاقب، وكان أول قاض من مدينة الميناء، على شاكلة أهلها محبا منفتحا خادما للجميع عبر ثقافة موسوعية قانونية تشق عباب الكتب كما شق مركب صباه عباب البحر، وهذه العصامية ورثها ميشال تركية من هذا الثغر المالح إلى حد العذوبة فكان سفير العدالة في أقواس المحاكم أينما حكم”.
أضاف: “نحن اليوم في بلدية الميناء إذ نطلق على أحد شوارعنا الرئيسية إسم القاضي ميشال تركية فلأننا نؤمن أن من خرج من الميناء إلى العالم ليستزيد من المعرفة والإبداع يود بالنفع إلى احبته ومدينته، ونؤمن في الوقت نفسه أن تكريم الكبار هو تكريم لتاريخ تعرفه المدن الساحلية في نسيجها الوطني، ونحرص اليوم مع أبنائنا وأحفادنا على المحافظة عليه من أجل لبنان الآتي”.
وتحدث النقيب عيروت كلمة قال فيها: “أن الرئيس ميشال تركية لم يكن في أحكامه ناطقا بالعدل والحق فحسب لكنه كان يقدم فيها وليمة راقية من الفكر القانوني والأدب النقي واللغة الصافية، بحيث كانت تغتني بالتعليل والمناقشة والإستشهاد بالنصوص والفقه والإجتهاد وخصوصا بالقانون المقارن يقدمها كلها في لغة عربية مبينة فتأتي احكامه رضا للحق ومتعة للأدب في آن واحد”.
أضاف: “نستذكر سيرتك الملتحفة بالأصالة الطرابلسية التي كانت تذكرة مرورك إلى كل المواقع التي تبؤتها وها هي طرابلس تؤكد مجددا أنها هي هي لم تتغير إنها مدينة النور وقلعة الوطنية وموئل الوفاء وموطن الحرية لمن عاش فيها لاي طائفة إنتمى، وها هي البلديتان في طرابلس والميناء ترفعان إسمك على شارعين من شوارعهما، وفاء لك لأن كل الشوارع فيها تفتقد إلى وقع قدميك اللتين لم تغيبا عنها حتى في أحلك الظروف الطائفية، فاليوم ليس يومك وحدك لكنه يوم طرابلس التي إشتاقت إلى علمك وتجردك وحضورك الأنيق ويوم الشمال كله الذي يفتخر بك وبأمثالك”.
ثم تحدث الوزير نجار فقال: “يا ست فائقة يا طرابلس قبل كل شيء دعوني في هذا المقام الذي نكرم فيه ذكرى قاض مميز، دعوني أحيي قضاة كبار زهدي يكن، شوكت المنلا، محمد الذوق، سعيد عدرة، عبد الرزاق أديب وغيرهم، دعوني أحيي رؤساء مميزين من بينهم محمد عويضة، طارق زيادة وليد غمرة، نزيه عكاري، خالد ذوق، ودعوني أحيي رجالات القانون البارزين الذين أعطو الصرح القانوني في لبنان الشمالي وفي كل لبنان ما نفخر به ويؤلف جزء كبيرا من تراثنا”.
أضاف: “دعوني أشير إلى أنني لست فريقا في هذه المبارة الرائعة الخطابية، أنا هنا لأن لدي ما أقوله لأن في عيني صورة من القلب ثلاثية الأبعاد لميشال تركية، انه كان عصاميا من الميناء، وكان قاضيا للبنان وكان صديقا، فلا تعجب إذا ما إختلط كلامي بين العقل والقلب. ميشال تركية إبن الأسكلة كما كانت تسمى بالتركية، كان نموذجا عن الشباب الطموح الذي أسس لمجتمع منفتح عالم بتقن اللغات ويستوعب الثقافات، وأنا فخور أن تكون بلديتا طرابلس والميناء قد خصصتا شارعين بإسم القاضي ميشال تركية، وأخص بالذكر بلدية الميناء التي أطلقت إسم ميشال تركية على الشارع الذي يصل مدرسة مار الياس حيث درس ميشال بالموقع الذي كنت أتردد إليه عند الشاطىء”.
وقال: “مسيرة ميشال تركية قد تكون مثالية، تبوأ المراكز التي كتبت تقليديا لكل قاض نزيه وجريء، وبعدما أسندت إليه مسؤولية القاضي المنفرد ثم مسؤول ثم رئيس المحكمة الإبتدائية في طرابلس تم تعيينه رئيسا للمحكمة الإستئنافية في الشمال ولولا الأحداث التي عصفت العام 1775، لكان دون شك قد تسلم رئاسة الغرفة الثانية في محكمة التمييز، ولعل أبرز ما يلفت في مسيرة ميشال تركية أنه اختير من قبل مجلس النواب قاضيا في المجلس الدستوري ليس فقط دون أن يسعى لمثل هذا المنصب بل على غفلة منه والأمر اليوم بالطبع يدنو إلى مزيد من التقدير، بعدما شهدته معركة إكمال تعيين أعضاء المجلس الدستوري الحالي من تموجات سياسية وخضات إنتهت، والحمد لله إلى النتيجة السعيدة التي شهدناها”.
وقال: “كان ميشال تركية القاضي مثالا للإستقامة فأدرك فعلا ان مهمة القاضي تنطوي في ممارساتها على موجب التحفظ والحذر وتطبيق القانون، فنظامنا القضائي كما فصل السلطات يوجب على القاضي عدم الخلط بين مفاضلاته الشخصية وموجب تفسير القانون من أجل التوفيق بين القاعدة المجردة والعامة من جهة والمعطيات الواقعية والثابتة من جهة ثانية، لم يسع ميشال تركية يوما إلى حب الظهور ولا التنطح في وسائل الإعلام بل كان قدوة في قدرته على تجاوز ذاته وعلى الإلتصاق بالحدث وبالفكرة التي كانت تؤلف مادة المناقشة والمنازعة، وأنا شاهد على مدى الشغف الذي كان يسكن ميشال تركيه في محاولاته تلمس آخر ما توصل إليه الفقه والإجتهاد بكل موضوعية”.
وختم الوزير نجار: “عندما توفي ميشال تركية رحمه الله ظننت وأنا المبتدىء في وزارة العدل أنه يستحق أن يمنح وسام الإستحقاق، أليس هو عظيم من لبنان ؟ ومن الميناء ومن الفيحاء؟ لكن سرعان ما تبين لي وأنا الجديد في تلك المهام أن وساما من هذا النوع لم يسبق أن منح لقاض ولو كان عضوا في المجلس الدستوري لمجرد أن تقاعد أو توفاه الله، وبعد مداولات حثيثة ومتعددة كان لا بد لي أن أرضخ لهذا الواقع، ولكن لأنني أريد أن اقول لكم فإنني إن أنسى فلن أنسى لا القاضي ولا الصديق ولا الكبير من لبنان، فقد حرصت وبطريقتي الخاصة على تقديم درع وفاء في ذكرى غيابه الثانية ودعوني أسلمه إلى رفيقة حياته التي أبت إلا أن تجعل له المكان الذي كان ولا يزال يستحقه”.
وإختتم الإحتفال، بكلمة العائلة ألقاها الدكتور فادي تركية نجل القاضي الراحل فقال: “إذ نشكر حضوركم ومؤازرتكم الصادقة يوم غادرنا وكلماتكم الوجدانية المكتوبة، نتذكر معكم ميشال القاضي والزوج والأب والصديق، ومع صدق الثناء وحرارة الرثاء نتذكر ما قاله الأنبياء إن الله يحيي الأتقياء وينشرهم بعد الفناء إن لم يكن بالجسد، فبالروح للمحبوبين الصالحين الطيبين”.
وتناول علاقة القاضي الراحل بعائلته، وقال: “لم يكن يحب الزهو والمديح ويعمل بجد وتواضع وصمت، ولم يكن متعاليا على أحد بل كان كبيرا حكيما مع الكبار وطفلا طيبا مع الصغار، وكان يتفادى أضواء الإعلام والمجتمع والمادة. كان روحانيا فلسفيا يتجاوز الطوائف والأديان ويرتكز على الزهد والقناعة والترفع عن الماديات، مؤمنا بالله والآخرة”.
الوسوماشرف ريفي افرام كرياكوس العميد علي خليفة امل حداد انطوان خير انطوان عيروت جوزيف اسحق خالد قباني رشيد جمالي رشيد درباس زياد بارود سمير الجسر طارق زيادة عبد القادر علم الدين عصام سليمان غالب غانم فائقة تركية فرنسيس البيسري ليلى الصلح محمد الصفدي محمد سعادة محمد كبارة منى الصفدي منى عفيش نجيب ميقاتيد نقولا غصن
شاهد أيضاً
شائعات تطال المرشحين العلويين… أوساطهم: لا مصلحة لأحد من خسارة أصواتنا
دموع الاسمر لا يزال مرشحو المقعد العلوي من سكان جبل محسن يتخبطون نتيجة الشائعات التي …