أي فكر ينتهجه مبدعو عالم البرامج في تلك الحلقات التلفزيونية؟ هل يعتقدون بأنها مثمرة ومفيدة وغنية بالمعلومات التي تثير المشاهد، أو يعتمدون على صيغة إملاء الفراغ المتاح (الهواء) بالكلام المباح؟
لا ندري ما هي سياسة التلفزيونات… برامج أسخف من أن تتكلف عليها إدارة الإنتاج، فهل هي “تنفيعة” أم أن تلك البرامج هي بالفعل مستوى ما وصلت إليه الشاشة اليوم؟
ما الهدف من أن تستقبل نجمة برنامج فني اشتهر بالفكاهة على إحدى القنوات، فنانة عرفت بأداء الفن الراقي وجلستا معاً يتسامرن عن كمية الهواتف التي تحملها وعن الـ(SMS) التي تصل والرنات والإكسسوارات وذاكرة الهاتف عدا عن التكلفة التي تزيد عن خمسة آلاف دولار، بالإضافة إلى حديث عن الطبخ والتنظيف والترتيب والأماكن التي تحب أن تحتسي فيها فنجان قهوة.
لا ندري لماذا طلب من الفنانة الاتصال بوالدتها على الهواء، ولا ندري لماذا أصرت المذيعة على تكرار مزايا الفنانة وكأنها تبحث معها عن إبن الحلال!
في العودة إلى اختيار أسماء البرامج، من دون شك في أن بعضها (حفر وتنزيل) فارغة المعنى كمضمونه، وفي البعض الآخر لا يمتّ لمضمونه بِصِلة، فمن يختار تلك العناوين الطنانة الرنانة؟ ولما الأمركة في تلك؟ هل هي من باب الدخول إلى الساحة الغربية للمنافسة؟ أم هي من باب “التمدن” المزعوم؟
وبكلتا الحالتين هناك فشل ذريع سيصيب شاشاتنا، أقول “سيصيب”… من باب الأمل بالتغيير، لأن تلك الشاشات خاصة اللبنانية هي الواجهة لحضارة الوطن للخارج، لذا على المعنيين التنبه إلى هذه النتائج إن كانوا مهتمين.
عديدة البرامج التي تقدم هذا المستوى الهابط من البرامج الاجتماعية فعلى شاكلته برامج عديدة تخصصت فيها إحدى المحطات، بل وأصبحت العنوان المناسب لمحبي (المسخرة) والكلام الفارغ، بل والأسوأ بأنها أصبحت الأكثر جماهيرية، ولا ندري فإذا اشتركت في أحد الاستطلاعات قد تكون الأولى.
ولما لا فالمال يتكلم والضمير بهذه الحال لن يتألم، فمن يقبض “آخر همه” ومن يدفع “مش من جيبتو”، والمشاهد العادي “يتسلى”، أما المثقف فيقال له “غيّر المحطة”.
ببساطة هذا هو حال مجتمعنا وتلفزيوناتنا التي كنا نعوّل عليها في بناء جيل واعد، لكن هذا الجيل رمى الكتاب وفضل عليه التلفاز والانترنيت فبات يعرف بجيل الانترنيت الذي منه يستقي مفاهيم الحياة المتمدنة بكل ما تحتويه من “ثقافة” و”علم” ومن مفاهيم سواء أكانت صحيحة أم مغلوطة وأحياناً تمرير السم في الدسم.
لا يعني هذا أننا نرفض شاشة التلفزيون أو الانترنيت، بل جل ما ندعو إليه هو الاستفادة من هذه التكنولوجيا ووضعها في ترشيد الأجيال وتثقيفها وفي خدمة قضايا المجتمع والوطن لا أن تتحول إلى نسف المفاهيم والتقاليد والقيم وإلى تسخيف العقل حسب ما يحصل عبر بعض الشاشات.
أليسار نافع