أبو الفقراء اسم على ما يسمى، لكل امرئ من اسمه نصيب، هو نضال منذ نعومة أظفاره يناضل ليكسب قوت يومه من العرق الجبين ويناضل من أجل كل فقير حتى اكتسب لقبه بحق “أبو الفقراء”… من من الطرابلسيين لم يسمع بأبو الفقراء؟ ومن من الفقراء لا يعرف أبو الفقراء؟ ثياب جديدة كأفضل من تلك التي تزدان بها واجهات أرقى المحلات التجارية في طرابلس أما الاسعار فهنا السر وهنا تكمن كل القضية…
بدأ حياته صاحب “بسطة” في حارة البرانية قبالة كورنيش نهر أبوعلي.. شكل ظاهرة في دنيا الفقر.. وبات يعرف “بأبو الفقراء”.. عشرون عاما يعمل على بسطة متواضعة تتكدس عليها مجموعات من الألبسة المتواضعة، القطعة الواحدة بـ “ألف ليرة” “يا بلاش”.. عاش أياماً صعبة افتقد خلالها أبسط حاجات الانسان فبدأ حياته ببائع على بسطة صغيرة على كورنيش نهر ابو علي لينتقل بعدها الى الضفة المحاذية للنهر، بسبب أعمال الترميم التي تجري منذ سنتين (سقف نهر أبو علي).
واليوم يملك بسطة تنافس أهم المحلات التجارية من حيث البيع بأسعار رمزية هي بالفعل في متناول الطبقات الفقيرة والمعدمة عدا عن اعتماده اسلوب غير مألوف في دنيا التجارة والمصالح هو اسلوب التوزيع المجاني في المناسبات واكتساب صيت لم يحظ به أهم التجار الطرابلسيين.
ابو الفقراء هو اليوم ظاهرة ملفتة للنظر في طرابلس والشمال.. ابو الفقراء واسمه نضال عبد الهادي لا يقتصر عمله على البيع وحسب، فقد مساعدة نازحي مخيم البارد الى البداوي فوزع عليهم الثياب مجاناً، كما وزع الثياب على اهالي بلدة المحمرة وفي وادي الجاموس في عكار. وعلى طلاب مدرستي “دوحة الأدب و”النشء الجديد” في منطقة القبة بطرابلس. وبين وقت وآخر يفرش ابو الفقراء بضاعته المكدسة ويوزعها مجاناً على الفقراء “لأن حتى الالف الليرة ما عاد الفقير قادر يدفعها” حسب قوله. أسعار متهاودة حكاية ابو الفقراء حديث الساعة بين التجار والممولين، فقد جاء من ينافسهم ويستقطب زبائنهم خاصة الفقراء منهم الذين باتوا يلتفون حول بسطة ابو الفقراء فلا مقارنة بين اسعار ابو الفقراء واسعار اولئك التجار والفارق بات شاسعاً جداً وماذا يحتاج الفقير غير ثياب تقيه؟ أولئك التجار يتساءلون: “كيف يمكن لشخص أن يوزع أطنانا من الملبوسات دون مقابل؟ وهل هي خطوة ألف ميل استعدادا للدخول الى الحياة السياسية؟ لكن هذا الكلام زاد من عزيمة أبو الفقراء ودفعه الى تقديم المزيد من المساعدات حتى وصل به الامر الى توزيع الاحذية “غير المستعملة” ومن ماركات معروفة. ويلفت ابو الفقراء الى انه يقوم بجمع هذه الألبسة والاحذية من أهم المحلات التجارية والتي لا تبيع الا ماركات معروفة حيث يشتري أكثر من 75 ألف قطعة (ستوكات)، فيحملها في “فانه” وما ان يصل الى بسطته حتى يجد المئات من الزبائن في انتظاره، زبائن من كافة المناطق الشمالية، حتى وصل صيته الى السواح فبات في صفوف المنتظرين كل صباح زبائن من روسيا وبلغاريا ورومانيا والهند ومن سوريا.. ما ان تحمل الزبائن حاجتها من الثياب حتى تبدأ تسأل أبو الفقراء: ماذا ستحضر لنا في الغد؟؟.. وعن ربحه من هذا العمل يقول: “قليل متواصل.. خير من كثير منقطع.. من يصدق أن زبائني تحمل كيسا ممتلئا بالثياب لا يتعدى سعره خمسة آلاف ليرة، أشعر حينها بالفخر والاعتزاز ففرح الفقراء فرح لي، من ليس منا لا يمكن أن يشعر بنا”..
نموذج فريد
وكثيرون يتساءلون عن سر حياة هذا الانسان الذي ما يزال يحمل صفات “الرجل الفقير فهو لا يملك سيارة يتنقل بها خلال النهار.. من يقصده لا يعود خائبا يقدم له من خير الله كما يقول.. تنظر اليه من بعيد تجده انسانا بسيطا متواضعا، يشبه زبائنه الى حد كبير، كرس حياته في خدمة العائلات المستورة التي ترفض مد يدها وطلب المساعدة من النواب والوزراء.. “عائلات تعيش أياما دون طعام.. مهمتي تقديم المساعدة لهم.. أشعر أنني مسؤول عنهم”. وعن المضايقات التي يتعرض لها من منافسيه يقول: يعتبرونني منافس لهم، لانني حرقت الاسعار في السوق، فأنا أبيع البسة كلها جديدة غير مستعملة وهذا يزيد من حقدهم عليّ، فمعظم البسطات هنا تبيع ألبسة مستعملة (باليه)، والناس بطبيعة الاحوال تفضل الجديد من القديم لذلك يعتبرون أنني عائق أمامهم.. لكن من يخاف الله ويساعد الفقراء لا يهاب أي شيء”. كما ان ابو الفقراء ساهم في اعالة العديد من العائلات، كثير من الزبائن تحمل أطنان الثياب لتبيعها وتربح منها. وكم من النساء الارامل التي أُقفلت الابواب في وجهها اتجت الى ابو الفقراء لتجد الحل عنده فيشترين بقيمة عشرة الاف وتبيعهن بعشرين الف وهكذا استطعن تحقيق مدخول تمنعهن من طرق ابواب المسؤولين.. ومن هذه الحالات فاديا حمود التي تتوجه كل صباح الى بسطة ابو الفقراء وتختار منها مجموعة منوعة من الثياب ومن ثم تنطلق بها لتبيعها على الاقارب والجيران. وتقول بفخر: كل الثياب التي أحملها للبيع تلقى اعجابا من جميع زبائني ويسألونني عن مصدرها، أقول لهم “هيدا أبو الفقرا”. ابو الفقراء نموذج فريد من نوعه في مدينة كان يطلق عليها “أم الفقير”، فهل تعود هذه المدينة مركزا تجاريا للفقراء كما كانت؟؟.. والفقير فيها يعيش بعزة وبكرامة..
دموع الأسمر
فعلالالا انسان رائع … بارك الله بيك وزادك رزقا