يعاني القطاع الصحي والدوائي في لبنان من العديد من الشوائب والانتهاكات التي لا تنتهي فصولها وظلت جاثمة على صدر الوطن والمواطن لسنوات طوال, وظل المواطن يرزح تحت ثقلها بدءاً من ارتفاع سعر الدواء مروراً بمشكلة الأدوية المزورة أو المنتهية الصلاحية التي غزت الأسواق اللبنانية وصولاً إلى مسألة الأصناف الهائلة التي تغطي السوق وتفوق حاجته وخاصة مع وجود مافيا الدواء التي تغطيها جهات سياسية مستفيدة والتي تخطي 90% من السوق.
وظهرت مؤخراً ملامح محاولات لتعديل وتثبيت عدد من القوانين التي من شأنها أن تحد من الفلتان الحاصل, وفي هذا الشأن أقدم وزير الصحة محمد جواد خليفة على فتح ملف الدواء منذ شهر شباط الماضي بعد كشفه عن رفض تسديد معاملات مزيفة من المستشفيات, وأعلن أنّ فاتورة الصحة في لبنان هي الأغلى في العالم نسبة لعدد السكان وذلك حسب تقرير البنك الدولي.
وبالتالي فقد قامت نقابة الصيادلة باتخاذ قرار بتفعيل البند 80 من قانون الصيادلة والذي ينص على أن وزارة الصحة هي المسؤولة عن وضع لائحة أسعار الأدوية التي على الصيادلة إتباعها, أي أنها قررت منع الحسومات على الدواء والتي تعودت عليها الصيدليات لكسب الزبائن كما تعود عليها المواطن نظرا” لكونها تراعي ظروفه المعيشية, وقد أثار هذا القرار موجات من ردود الفعل منها المستهجنة ومنها المرحبة, ولكن التساؤلات تبقى حول تقبل القرار من قبل المواطن الذي تعود على تخفيض سعر الدواء أو على أن تصل أدويته إلى المنزل وخاصة أنّ هذا القرار جاء في ذروة ضغط الظروف القاسية والضائقة المعيشية التي يعيشها اللبنانيون, وبالتالي هل يستطيع الصيدلاني أن يقنع زبائنه بضرورة التقيد بالقرار؟
ولاستطلاع الأمر كانت لنا جولة على عدد من صيدليات عكار وعدنا بالمقابلات التالية:
اعتبرت د. زينة بيطار (صيدلية نبوتحلبا) أنّ القرار الصادر هو “قرار جيد يعيد الحقوق المهدورة للصيدلاني, ونحن كمعنيين سنقوم بتطبيق القانون بدقّة وذلك بالرغم من أننا كنا نتعامل مع الزبائن قبل صدور القرار بأسلوب الخصم على السعر شأننا في ذلك شأن كل الصيدليات في لبنان, ولكن الآن نحن مضطرين للالتزام بالقرار ولو أنه لا يفرق بين المرتاح الذي يستطيع أن يدفع سعر الدواء وبين المحتاج الذي يجد في الخصم تخفيفا” من أعبائه المادية”.
وبالنسبة لكيفية التعامل مع الزبائن “إن زبائننا يأتون إلينا ليس بسبب الخصم وإنما بسبب الأسلوب والمعاملة وان زبائننا قد تقبلوا الموضوع وتفهموه وبالتالي نحن لا نواجه مشكلة مستعصية في ذلك فتثبيت سعر الدواء ووضع لوائح سعره من قبل وزارة الصحة يشكل وضع مريح لنا وللزبون في الوقت نفسه”. وبشأن توصيل الدواء إلى بيوت الزبائن أجابت “من الأساس نحن لا نتعامل بالتوصيلات لا للأقارب ولا للزبائن وان العاجز عن الحضور لابد وأن يجد أحد الأشخاص ليحضروه له ”. وعن سؤال التعامل بالدين قالت: “لا نبيع بالدين لمجرد أن الزبون هو عسكري أو موظف وإنما نتعامل بالدين مع الزبائن المعروفين والأقارب لآخر الشهر ولكن هذا الأمر قليل جداً ومحصور”. وبالنسبة للرقابة “تقوم وزارة الصحة بإرسال مفتشين صيادلة من أجل الكشف عن الأدوية المزورة أو المهربة أو الفاقدة للصلاحية, وكذلك الرقابة على وجود الصيدلي القانوني في الصيدلية وبالتالي للكشف عن التقيد بالقرار الصادر مؤخراً “. وعن إمكانية خرق القانون والتهرب من الرقابة “يمكن ذلك من خلال عدم وجود كمبيوتر والاعتماد غلى دفتر وهمي” وختمت “ليس لدينا مشكلة مع أي قرار قانوني لأننا نعمل بالأصل ضمن القوانين المرعية وليس لدينا أي مخالفات وعلاقتنا مع الزبائن هي علاقة ثقة بنوعية الأدوية التي نزودهم بها وبأسلوب المعاملة الصادقة والواضحة”.
أكد د. رياض شدراوي (صيدلية رياضحلبا) على فعالية القرار قائلاً “إن القرار هو موجود بالأصل وذلك ضمن البند 80 من قانون الصيادلة, ولكن مؤخراً جرى تفعيله وهو قرار صائب وجيد ويهمنا الالتزام بالقانون الذي يحد من ذهاب الكثير من الربح المشروع للصيدلاني, ذلك أن الخصم على سعر الدواء يأتي على 20 إلى 25% من هامش الربح للصيدلية, وبالتالي فان العروضات تأتي من قبل الشركات الرأسمالية ونحن ضدها”. أما عن تقبل الزبائن للموضوع “إن القرار لا يغير الكثير إذ أن الخصم كان بسيط وهو لا يتجاوز الخمسة آلاف, وفكرة التوصيلات ليست واردة وهي تحول الصيدلية إلى سوبر ماركت وما يهمنا هو الحفاظ على المهنة واحترام أصولها”, وعن العاجزين عن شراء الأدوية الباهظة الثمن هناك طرق عديدة تمكن الفقراء من العلاج بأسعار أقل كالذهاب إلى المستوصفات, والاستعاضة عن الأدوية الباهظة بأدوية “الجنريك” وهي أدوية تتمتع بنفس المواصفات والفعالية والجودة وتقل أسعارها أضعافاً عن أدوية “العلامة التجارية المسجلة” Marque Déposée” “ وذلك عبر قيام وزارة الصحة ونقابتي الأطباء والصيادلة بالترويج لاستعمال هذه الأدوية الصحية والفعالة. وعن القرارات الأخرى التي يجد ضرورة في اتخاذها: إن فترات المناوبة طويلة إذ أن النظام ينص عليها من 20 إلى 22 ساعة وإلزامية وجود الصيدلاني في الصيدلية طيلة هذه الفترة.
أمّا د.جميلة لحود (صيدلية العبدة ) فاعتبرت “أن الخصم في الأساس هو حاصل في الصيدليات الضخمة القائمة على رأسمال قوي والتي تعمل على تنظيم نسبة الخصم بشكل أنه يضاهي رأسمال الصيدليات الصغيرة التي تضررت كثيراً حتى أنها أصبحت هامشية, ومن هنا نستطيع القول أن هذا القرار ايجابي من هذه الناحية أي أنه يفسح المجال للصيدليات الصغيرة بالتنفس ويكسر الاحتكار, ولكننا لا نستطيع إغفال سلبية القرار بالنسبة للمواطن وخاصة العكاريين الذين يعانون من أوضاع معيشية صعبة” وبالنسبة للبديل قالت: “يمكن للمستوصفات أن تقدم أدوية بأسعار تناسب الفقراء وكذلك يمكن الاستفادة من أدوية الجنريك إذ أنه من الناحية العلاجية لا فرق بينه وبين الأدوية الباهظة الثمن ولكن هناك مشكلة في وصفة الطبيب الذي يدرج اسم الدواء الغالي والمريض لا يقبل بإبداله لأن هناك خلل وقلة ثقة بحيث يعتبر المريض أن التبديل هو عملية تجارية يستفيد منها الصيدلي” وبشأن المشكلات الأخرى التي تعاني منها الصيدلة وهناك ضرورة لوضع حد لها “نعاني بشكل أساسي من التخمة في أصناف الدواء, فهناك 20 اسم من الدواء نفسه ونحن مضطرين أن يكون لدينا كل الأصناف فمثلاً هناك Augmentin أوروبية وAmoclanأردنية ولا يوجد فرق بين النوعين ويستعملان لنفس العلاج وهناك بعض الخصومات التي تضعها الشركات والتي يمكن أن نصرفها بدون وصفة وهي تدعى O.T.S”
وعن إمكانية تحول الصيدلية إلى سوبر ماركت تجارية “انه يحق لكل الصيدليات أن تبيع المواد التجميلية ولكن لا يحق لها أن تعطي علاج تجميلي وبقانون المزاولة لا يملك الصيدلي إلا الصيدلية وعكس ذلك يذهب الملكية, مع العلم أنه جرت عدة محاولات لوضع الصيدليات في الخانة التجارية من خلال وضع قسم خاص بالأدوية داخل السوبر ماركت على الطريقة الأمريكية ولكن رفضنا الأمر من أساسه وبالتالي لا يمكن للصيدلية أن تتحول إلى تجارية بأي حال من الأحوال”.
إذاً فملف الدواء قد فتح والأهم أن يفتح على مصراعيه كونه يشغل حيزاً واسعاً من اهتمامات الناس اليومية, وعلى القيمين من وزارة ونقابات السعي إلى الحد من الأدوية المغشوشة والعديمة الفعالية التي تهدد المواطن بصحته وسلامته وتخفيض الأسعار الباهظة للدواء خاصة منها ما يتعلق بالأدوية العلاجية لبعض الأمراض المزمنة كالسكري والضغط…
والإصلاح لا يعني حفظ حق الصيدلي وغض النظر عن مخالفاته وخاصة فيما يتعلق بالمناوبة إذ أننا نلاحظ غياب العديد من الصيادلة بحيث يحل مكانهم موظفون لا علاقة لهم بالمهنة ولفترات طويلة, بالإضافة إلى تحول العديد من الصيدليات إلى سوبر ماركت تحوي الماكياج والعطور والشاي والعلكة وغيرها من المواد الغير طبية والغير مرخصة من وزارة الصحة.
سحر خضر