نظم مركز محمود الادهمي الثقافي والرابطة الثقافية في طرابلس ندوة حول كتاب “دمعة.. ويبدأ الكلام..” للأديب الياس عشي شارك فيها أمين عام اتحاد الكتاب اللبنانيين الشاعر غسان مطر، الدكتور جان توما، ودار الندوة رئيس تحرير جريدة الانشاء الاعلامي مايز الادهمي، حضر الندوة الدكتور مصطفى الحلوة ممثلا الوزير محمد الصفدي، الشاعرة مي سعادة، وشخصيات ثقافية ومهتمين.
افتتح الندوة الزميل مايز الادهمي معتبراً كتاب “دمعة.. ويبدأ الكلام” مجموعة “رثائيات” تضاف الى مسيرة الكاتب في عالم الكتابة والادب.
الشاعر غسان مطر قال في الكتاب: غافلني الكاتب ورمى بين يديّ الجمر، ودعاني الى الكلام، وكدت أرفض لولا يقيني من أنه ما فعل ما فعل الا لأخرج بعضا مما اختزنته الروح من وجع واحتراق بعد طول رفقة مع الموت واحلامه.
وتابع: غير أني الليلة غير ما يظن أو يتوهم، فأنا لا أسمي الكتابة إلى الراحلين رثاء، بل رسائل حب ورجاء، فالرثاء اعتراف بموت الذين نحبهم، والذين نحبهم لا يموتون. انهم ينامون نوماً طويلاً، ولكنهم في قلوبنا ينامون، وعلى رجاء لقاء وعفاف وفرح، أو لم يقل السيد المسيح: “لا تحزنوا كالذين لا رجاء لهم”.
وقال مطر: الذين نحبهم، وإن رحلوا، يملأون أيا منا بحضور كثيف قد لا نعرفه وهم بيننا. وحين نبكي فلأننا نفتقدهم لا لأننا فقدناهم. هكذا يكون للانتظار معنى وللقاء روعة، انه الحب الكبير، يأخذنا الى الوجع، ولكنه يغمرنا بعبق الذكريات التي لا تنتهي. بهذا الفهم كتب الياس عشي “دمعة.. ويبدأ الكلام”، فجاءت صفحاته رسائل الى عناوين مختلفة، ولكنها مكتوبة بحبر واحد، هو حبر الحبّ والرجاء، لا التفجّع واليأس. وفي هذه الصفحات، تعود الوجوه بكل بهائها، تلّوح لنا، فتستعيد معها ألق الحياة وجمالها.
اضاف: الرثاء اعتراف بموت الذين نحبهم، والذين نحبهم لا يموتون، لا نراهم، ولكنهم بين أرواحنا، يشعلون قناديلهم، يقرأون مطالع أسرارنا، يحرسون الجهات التي لم ارد في الكتاب ويزورون أحلامنا كلما هبّ شوقة التراب.. لا نراهم ولكنهم ههنا بين قلب وخفقته، بين عين ودمعتها يملأون الغياب.. لا نراهم، لكنهم يعرفون مواعيدنا، يفرشون مكاناً لنا بينهم عندما يتهاوى جدار الضباب.
الدكتور جان توما قال في الكتاب: يخربط الكاتب في كتابه العالم ليبدأ رسمه من جديد، يزينه بأساور الياسمين “لآن الوطن ليس نفقاً ولا غربة”، من هذا الوطن يخرج الكاتب من الغاء العقل الى المراعي الخضر حيث يطفر الشهداء كالأبائل في أرجاء أفكارنا وعقولنا وقلوبنا النابضة، رغم أن الكاتب يذبحُ من الوريد الى الوريد كلما ماتت وردة في بستان أحبائه.
وتابع توما: مبدعٌ هو الكاتب حين يربط بين فصول السنة وبين وجع “الأنا” زمن سقوط الآخر، هذه اللعبة المتقنة الممتدة كجسد البشرية الموحد أمام المأساة والقضية يحملها الكاتب كي لا يضيع بين “الريح والشمس”. لا يبكي الكاتب أمواتاً بل بل أحبة: يأكلون ويشربون معه، ويتحدثون معه، هم عشراء مجلسه ودوانيته، بل قلْ نزلاء أمته، وجه أمتي هو وجه أمتي؟ فكما الأمة باقية كذلك وجه الأم ينحفر في أفئدة لحمية ليحيا فيها من كان معه في الحياة، وبعد الرحيل سيقول لأمه: “وأنا ما زلت مؤمناً بأنك معي”، ويصرخ لهند: “ستبقين معنا كما النوارس تبقى بين نحيب العاصفة وزرقة البحر”.
وقال: يواجه الكاتب فكرة الموت بجناح عصفور محلق وجماح حصان أصيل، فكوت الاصدقاء قصة حزينة، تماما كموت عصفور في أيام الربيع، أو كموت زهرة لاستقبال شروق الشمس أو كموت فراشة تستعرض الوان جناحيها في حقول الياسمين. هذا الحلم الكبير الذي يرتفع فيه الكاتب: أهو سارب؟ أم واحة في بيداء العطش الى رجال كبار؟ من هنا يأتي القسم الاخير من “دمعة ويبدأ الكلام” حيث الالتفات الى ارض الواقع السياسي التي حملها بشر أسوياء طبعوا هذه المنطقة الملتهبة، جوفا وسطحا، ببصمات من مسيرتهم في البحث عن الهوية والانتماء والاصالة. هنا يجد المؤلف نفسه مغروزا في اللحم والدم، في شرايين هذه البقعة المستهدفة من القوى العظمى التي لا هم لها من العولمة الا اكتساحها على الاصعدة كلها: تدوس ياسمينها، وتقتلع أشجار زيتونها، وتُرحل انسانها ليصبح جواب ارض أخا سفر، تتقاذفه الفلوات، فإذا هو أشعث أغبر، لا يتقن قراءة البوصلة ولا يقف على تاريخه وأرضه ورزقه وقدسية حبات ترابه.
بدوره رد الكاتب الياس عشي بالقول: لماذا كتاب في الرثاء؟ سؤال طرحه عليّ أكثر من صديق. وكان جوابي:
لماذ لا يكون في الرثاء وطالما ان الموت هو الحقيقة الوحيدة في قصة الحضارة. فلولا الموت لما وجدت ديانات، ولولاه لتساوى الخير بالشر، والابداع بالتقليد، والبطولة بالجبن، ولولاه لسقطت كل الفنون.
وتابع الكاتب: لا يوجد هنالك من هو على صواب أو خطأ، وانما يريد كل فرد ان يعتبره الاخرون مصيبا، وانا لا انتمي لهذا الفريق، لأنني انتميت، من قبل، الى سقراط القائل: “ما زلت واثقا من جهلي”.
في الختام وقع الكاتب الياس عشي كتابه واقيم حفل كوكتيل.