بقلم د. محمود حمد سليمان
هو الشيخ العلاّمة محمد بن إبراهيم بن بكري بن مصطفى بن عبدالله سبط الواقف لمسجد القرطائية بطرابلس الشام : قرطائي بك. الحسيني ، والمنتهي نسباً بالحسين بن علي بن أبي طالب ، رضوان الله عليهم. وأسرة آل الحسيني بطرابلس من الأسر العريقة في المدينة ، وقد عرفت عبر التاريخ ، ليس بنسبها إلى الدوحة النبوية الشريفة فحسب ، وإنما أيضاً بالتقوى والعلم والإيمان والتمسك بالقيم والمثل وفضائل النفس ومكارم الأخلاق .. وهي صفات ومواصفات تجسدت أكثر ما تجسدت في هذا العلاّمة المفكر ، الفقيه ، المحدث ، المفسّر ، المؤرّخ الفيلسوف … والذي أنفق حياته كلها جهاداً في سبيل نهضة أمته ووحدتها وحريتها … وله من الإسهامات ما لا يُعدّ ولا يُحصى … وان كان الدهر قد عاكسه وقذف به إلى غياهب الإهمال والنسيان حتى ليكاد أن يكون من المغمورين لولا قلة من المؤرخين الذين ترجموا له بشكل مختصر إذ حجبتهم عنه ستائر الظلم الذي لازمه طوال حياته .. وحتى بعد وفاته . وُلد محمد في محلة ” المهاترة ” من طربلس ، وهي من الأحياء الشعبية المحرومة ، وفيها بقي إلى أن وافته المنية .. دون أن يطرأ على حياته أي تعديل يذكر من الناحية المادية الإجتماعية .. فهو من أسرة فقيرة إذ كان والده خياطاً يُعيل عائلته من عرق جبينه .. ورغم ذلك فقد لبّى هذا الوالد نداء السلطان عبد المجيد عندما أعلن النفير العام في الحرب ضد روسية القيصرية ، فتطوع في جيش المجاهدين وخاض تلك الحرب حتى نهايتها .
تلقى محمد علومه في المدرسة الإعدادية في طرابلس ، وكانت من المدارس الحكومية التي يقتصر التعليم فيها على المرحلة الإبتدائية فقط وما بعد ذلك ، فقد كان على الطالب أن يتابع تحصيلة في المدارس الخاصة ، إذ لم تكن الدولة قد افتتحت ثانويات لها في طرابلس كما في غيرها من مدن بلاد الشام والمناطق العربية الأخرى ، وكان التعويض عن ذلك يتم في التكايا والكتاتيب المنتشرة على أيدي العلماء في مساجد المدينة الرئيسة وحولها ..
وهكذا تتلمذ الحسيني على الشيخ عبد الله البركة والشيخ محمود منقارة والشيخ أمين سلطان في العلوم العصرية : الأدبية والشرعية والنظرية ، وعلى الدكتور مصطفى الحكيم في علوم : الطب والرياضيات والطبيعيات ، وهو الطبيب الذي كان قد تخرج في قصر العيني بمصر ، والذي يعتبر من أوائل الأطباء بطرابلس الذين عملوا بشهادة رسمية .
عام 1293 هـ . وقد بلغ التاسعة عشر من عمره ، ارتحل الحسيني إلى مصر ملتحقاً بالأزهر متتلمذاً على الشيخ حسن الطويل المالكي وعلى الشيخ عبد الرحمن شربيتي ، والشيخ سالم البولاق ، ثم الشيخ عبد القادر الرافعي ، وهذا الأخير هو طرابلسي أيضاً وقد صار مفتياً للديار المصرية ومن المدرسين البارزين في الأزهر في حينه ..
ولم تكن حظوة الحسيني جيدة بتتلمذه على هؤلاء الأعلام الكبار وحسب ، وإنما أيضاً نالته حظوة أخرى تركت أثرها اعميق في فكره ونهجه وثقافته .. تمثلت بلقائه بفيلسوف الشرق في عصره السيد جمال الدين الأفغاني الذي كان مقيماً في مصر آنذاك .. وإليه يسعى الساعون من طلبة الأزهر وغيره .. وإذ كان الأفغاني موسوعة علمية وثقافية قائمة بذاتها ، فقد غرف منه الحسيني ما استطاع من معارف ومناهج في شتى أنواع العلوم : الدينية والدنيوية . على أن الأهم من كل ذلك ما اقتبسه من الأفغاني من آراء وأفكار نهضوية وإصلاحية .. ولعل خطوته إكتملت أيضاً بزمالته لطائفة كبيرة من العلما الكبار في مصر والأزهر ومن مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي .. ومن بين هؤلاء : الإمام محمد عبده ، والشيخ محمد رشيد رضا ، والشيخ بخيت ، وسعد زغلول والشيخ حبيب العبيدي من العراق ، والشيخ سليم البخاري الدمشقي والشيوخ عبد الله الجزار ، وإبراهيم القيسي، وراغب التميمي وشاكر الخماش ، وكلهم فلسطينيون .. بالإضافة إلى ثلة من أعلام طرابلس وعلمائها ، منهم : عبد اللطيف الرافعي ، ومحمد حسين ، وعبد الرزاق الرافعي ، ومحمود الرافعي ، وغيرهم .
بقي الحسيني في الأزهر مدة سنتين ثم رجع إلى طرابلس قبل أن يتم دروسه وذلك بسبب سوء وضعه المادي ، وغائلة الفقر التي لحقت به إلى مصر .. وهو يصف لتلميذه التركي علي بهرام سوء تلك الحال فيقول ما حرفيته : ” كنا نشحذ من بيت البكري لنأكل .. حتى في بعض الأحيان كان يفطر الزيتون ثم يضع ماءً على بزر الزيتونات التي يأكلها في النهار حتى يغمص الخبز مع الماء مساءً .. ويتعشّى على هذه الصورة ” .
ولكنه في طرابلس لم يتوقف عن متابعة تحصيله العلمي ولا سيما العلوم الشرعية منها ، فتتلمذ من جديد على كبار علمائها ومنهم العالم الكبير أبو المحاسن القاوقجي الذي زوَّجه إبنته وتوسم فيه مكانه علمية مرموقة ثم حصل على إجازات عدد من العلماء الكبار يومذاك ، وراح يمارس التدريس مجاناً ويتابع في الوقت نفسه المطالعة والإطلاع على كل ما يقع تحت بصره من كتب ومؤلفات في مختلف العلوم .. حتى صار من المؤهلين ليكون مساعداً أو كاتباً لأحد القضاة فأشار عليه بعضهم بالتوجه إلى الآستانة إذ منها وحدها يصدر القرار . وهكذا توجه إلى هناك ومكث فيها شهرين أو ثلاثة .. ولكن دون جدوى . حتى إنه تمكن برفقة الشيخ أحمد وفاء ، من الدخول إلى مقر الشيخ ” أبو الهدى الصيادي ” الذي كان يُعتبر الساعد الأيمن للسلطان عبد الحميد في بلاد الشام .. يقول الحسيني : ” دخلنا وسلمنا عليه فلم يُجِبْ .. وجلسنا قليلاً فلا مَنْ يسألنا ماذا تريدون .. فخرجنا من عنده كما دخلنا ، لاسؤال ولا جواب .. أبت نفسيتنا أن تتنذلل بعدما رأينا ما رأيناه ..” ويروي أنه في هذه المرحلة أيضاً ، وبينما كان جالساً في مقر المشيخة الإسلامية إذ تُليت فتوى صادرة عن شيخ الإسلام فوجد فيها الحسيني مخالفة للشريعة فانتفض قائلاً : هذه الفتوى غلط .. فنظر إليه الجالسون بغيظ وذهول لإعتراضه على فتوى صادرة من المشيخة الإسلامية لكنه أصر على موقفه مفنّداً لهم وجه الخطأ ومستشهداً بالأدلّة والقرائن من كتب الفقه المعتمدة والمسلَّم بصحتها .. واحتدم الجدال بينه وبينهم .. إلى أن ناداه أحد كتاب المجلس جانباً ونصحه بالرحيل عن الآستانة حالاً : لكي لا يصيبك سوء من جرأتك على المشيخة وإن كنت على حق .. ” وهكذا غادر الحسيني مسرعاً بعد أن اقترض أجرة السفر من بعض أصدقاء والده السادة ” عنكليس ” ، كما يذكر .
عاد إلى طرابلس ليتابع من جديد تحصيله الذاتي والتدريس الخصوصي المجاني ، إلى أن سنحت الفرصة ، وابتسم له الدهر عندما قام الزعيم العكاري محمد باشا المحمد ببناء مدرسة في قرية مشحة بعكار ، وعيِّن أستاذاً لها الشيخ محمد الحسيني بإيعاز من الشيخ عبد الله الزعبي ( من قرية حيزوق المجاورة لمشحة ) والمشهور بالتقوى وبالكرامات ، والذي كان قد تعرّف على الحسيني ، وتوقّع له مكانة مرموقة . ومن هذه المدرسة بدأت إشعاعات الحسيني الدينية والعلمية والفكرية والتربوية تنطلق في كل الإتجاهات ، وتخترق مواقع الظلم والظلام في كل الأنحاء والمجالات .. فتوافد الطلاب من كل المناطق والعائلات ، بما فيها طلاب طرابلسييون لحقوا به إلى عكار ، وقصده العلماء بما سمعوا عنه أو قرأوا له من كتابات ودراسات كان يدفع بها للخطاطين ، أو يمليها على طلابه .. ولقد تيسّر لنا الإطلاع على العديد منها بأقلام تلاميذه .. ولعله في هذه المرحلة بدأ بكتابة تفسيره للقرآن الكريم ، وهو أهم مؤلفاته على الإطلاق ..
بقي الشيخ الحسيني في مشحة ست سنوات متوالية أمضاها في التعليم والتعلّم أيضاً ، وذلك بتتلمذه على قاضي عكار يومذاك ، العالم والفقيه الكبير سعيد اليمني ، وبالمواظبة على القراءة والمطالعة ، سيما بعد أن أهدى السلطان عبد الحميد هذه المدرسة التي سميت بالـ ” الحميدية ” ، مكتبة ضخمة فيها أمّهات الكتب العربية ، وأهم المصادر والمراجع . ولا تزال المدرسة الحميدية عامرة إلى اليوم ، بعد أن قام الشيخ عبدالقادرمحمد الزعبي(رئيس دائرة الأوقاف لاحقاً) عام 1980م. بترميمها من جديد وتوسعتها، جامعاً لها التبرعات من مختلف الأنحاء والجهات، ومستصدراً قراراً بذلك من المفتي الشيخ حسن خالد الذي حوَّل للحميدية مبلغ ستين ألف ليرة لبنانية هو ما تبقَّى من وقفية هذه المدرسة في دائرة الأوقاف الإسلامية يومذاك..
أما لماذا غادرها الحسيني بعد ست سنوات من تأسيسها ، فذلك حصل عندما توفي الشيخ عبد الله الزعبي الذي كان يشكِّل غطاءً هاماً للحسيني في مواجهته للشعوذات وأدعياء التصوف ، وما أدخلوه على الإسلام من شعائر وطقوس وممارسات ليست منه في شيء .. مما كان يجعله في نزاع دائم معهم ، بعدما أحسّوا أنهم في خطر على مصالحهم بالتفاف الناس حوله وتأييدهم له .. أضف إلى ذلك أن السلطات الحاكمة في المنطقة كانت على حذر شديد منه .. لا سيما بعدما لمست بوضوح مجانبته للحكّام وعدم الإهتمام بهم .. وكأنه في عالم وهم في عالم آخر . وهكذا ما إن حصلت وفاة الزعبي ، حتى قام الحسيني بغسله وتكفينه بنفسه بمساعدة تلميذه عبد الفتاح الشهال ، ثم تشييعه الى مثواه الأخير ومغادرة مشحة فوراً عائداً الى طرابلس .
كانت شهرة الحسيني قد سبقته الى مسقط رأسه ، هذه المرة ، ففتحت له المدينة أبواب مدارسها الخاصة والحكومية ، وكذلك أبواب مساجدها وكتاتيبها .. حتى كان المسجد يضيق بطلابه الذين قد يصل عددهم الى 400 طالب عدا عن المستمعين من خلال النوافذ خارج المسجد . ليس هذا فحسب بل لقد اتخذ العلاّمة الحسيني من ” مقهى التل العليا ” في وسط المدينة مقراً له بعد صلاة العشاء ، فكان الناس يتحملقون حوله كل سهرة ، وهم يستمعون لشروحاته في التفسير والحديث النبوي والفقه ، وحتى في اللغة والأدب والتاريخ والفلسفة ، وغير ذلك . وقد يكون من بين الحاضرين لدروسه ، أمير اللواء ، ومتصرف المدينة ، وكبار المسؤولين والأعيان من مدنيين وعسكريين .
يروي تلميذه وهيب بارودي ، أنه كان يعطي ستة عشر درساً في اليوم ، وقد يبصق في نهايتها دماً من شدة التعب والإرهاق ، متنقلاً بين بهو الجامع المنصوري الكبير ومدارس القرطائية والدبها والطحان والسقرائية وعلي الوتار وجامع محمود بك ، وغيرها …
على أن دائرة الإقبال عليه اتسعت هذه المرة لتشمل طلاباً من مختلف أنحاء سورية ولبنان وفلسطين وفدوا الى طرابلس سعياً وراء الحسيني وعلمه ، ومنهم طلاب من مختلف الأديان والمذاهب المسيحية والإسلامية في مقهى التل العليا التي كانت ملتقى الجميع .
وبذلك صار العلاّمة الحسيني مدرسة متنقلة أينما حلّ أو ارتحل ومن على يديه تخرّج علماء كبار وأعلام أفذاذ حملوا المشعل من بعده نذكر منهم : مفتي الجيش العثماني الرابع علي شيخ العرب ، والمفتي محمد رشيد ميقاتي ، والمفتي كاظم ميقاتي ، والمفتي منير ملك ، ومفتي عكار خالد الحاج كيلاني ، وقاضي اللاذقية عبد القادر نور الله ( من جبلة ) والعلماء شفيق ملك ، وهيب بارودي ، سعيد طنبوزه الحسيني جميل عدره ، خير الدين الأفيوني ، بهيج الخطيب ، زهدي يكن … وغيرهم .
ولقد وفد عليه بطرابلس للتفقّه ، والغرف من علمه ، علماء كثر منهم : مفتي فلسطين محمد أمين الحسيني ، مفتي بيروت توفيق خالد الشيخ الكتاني من دمشق ، الشيخ بدر الدين الحسيني ، الشيخ عبد الحميد العطّار ، وكلاهما من دمشق أيضاً ، ثم الشيخ الكتاني الكبير من المغرب العربي ، وقد أجازه الحسيني بالحديث النبوي .
وتُقدِّم لنا المخطوطات التي بين أيدينا أن عدة علماء من أوروبة زاروا العلاّمة الحسيني في طرابلس للمذاكرة والمناقشة ، ومنهم ” موسبو بوتور ” وكان مفتشاً للمعارف في المفوضية الفرنسية ، وأحد مدرّسي الحقوق في جامعة السوربون ، والمارشال ” دسيري ” ، وغيرهم .
بقي الحسيني مواظباً على التدريس خمسة وعشرين عاماً في طرابلس ، كانت كافية لتطبق شهرته الآفاق ، كما رأينا . ولكنها ، في الوقت نفسه ، كانت كافية لتوغر عليه صدر الحاسدين وصدر السلطات الحاكمة التركية ، ثم الفرنسية لاحقاً ، كما سنرى .
ولعل الدور الذي لعبه الشيخ عبد الله الزعبي في مشحة ، لعبه أيضاً مع الحسيني بطرابلس الشيخ علي العمري الذي كان يعتبر عند عامة الناس وليّاً من الأولياء ، وصاحب كرامات لا سبيل الى إنكارها . فقد كان العمري يشكّل غطاءً شعبياً كبيراً للحسيني ، ومن أشد المعجبين به ، وكان يقول عنه : ” إن الحسيني يبيع الجواهر في سوق الفحم … ” في إشارة الى كثافة الجهل الذي يعمّ البيئات الشعبية في تلك المرحلة .. والدور التنويري الذي يقوم به الحسيني .
وإذ توفي الشيخ العمري عام 1321هـ. فإن الحسيني اعتزل التدريس ، ولم يمكث بعده طويلاً ، إذ استقال عام 1325 هـ .. مثابراً على جلسات الوعظ والإرشاد والتوعية في المقاهي والأماكن العامة ولا سيما منها مقهى التل العليا .. ومنصرفاً في الوقت نفسه الى إعطاء وقت أطول للكتابة والتأليف والرد على الفتاوى في مختلف الموضوعات التي تطرح عليه . وفي الوقت نفسه ، فقد وزّع تلاميذه على مختلف المساجد في المدينة أئمة وخطباء ومدرّسين ، وكان هو يشرف عليهم ويدير حركتهم .
إننا ، ومن خلال الوثائق والمخطوطات نتبين أن العلاّمة الحسيني كان مصرّاً على التدريس والتعليم عن قصد وعن تصميم عنيد ، ولا سيما بعد عودته من مصر ، التي التقى فيها بالأفغاني ، وبالعديد من مفكّري النهضة والإصلاح يومذاك ، على أنه خطّ لنفسه خطاً جهادياً متميّزاً في ظروف ما قبل وما بعد الحرب العالمية الأولى .
أدرك الحسيني أن الجهل والأميّة هما علّة العلل في تلك المرحلة . وإذا كان الوعي هو الحل ، فإن الوعي لا يتحقق إلا بالعلم وتخليص الناس من الترهات والشعوذات والسخافات التي كانت متفشية على نطاق واسع . لذلك كان يدرك أن العمل في هذا المجال له الأولوية على كل ما عداه ، لأنه معالجة جذرية للأسباب التي تترتب عليها النتائج لاحقاً . ولهذا ، وفور عودته من مصر ، شنّها حرباً شرسة على الطرق الصوفية ومفاهيمها الخاطئة ، وممارساتها المتناقضة مع جوهر الإسلام الحنيف ولكن دون أن يصطدم بشكلٍ مباشر بهذه الفرق . فيفشل في تحقيق أهدافه ، وهو في بداية الطريق . وعليه ، فقد انتسب لبعض هذه الفرق وتلقّن العهد الخفيّ ( كما يسمّونه ) عام 1307هـ. على يد الولي الكبير الشيخ مصطفى الصوفيوي من صوفيا ، والمدفون في دمشق ، ثم بعد ذلك سلك الطريقة القادرية على يد الشيخ عبد الفتاح الزعبي فالطريقة النقشبندية على يد الشيخ عمر الحالومي ، والشيخ مصطفى الصوفيوي ، كما قلنا . ولكنه في معظم الأحيان كان يلجأ الى الشيخ العمري عندما يتمادى حساده ، أو يحاول المتنفذون التطاول عليه ، مما شكّل له حماية شعبية ، ومظلة داعمة ، ولا سيما من كبار رجال التصوّف في طرابلس وعكار ، بعد أن استطاع السيطرة على لباب هؤلاء الشيوخ ، وكسب ثقتهم ودعمهم ، ليس في مواجهة المتضررين من إقبال الطلاب عليه فقط ، وإنما أيضاً في مواجهة ذوي الشأن والحكام الذين كانوا ينظرون الى حركته وشعبيته المتزايدة بعين الشك والريبة .
من الناحية السياسية والفكرية ، فقد كان الحسيني يعرف بدقة ما يريد . إذ تُقدّم لنا الوثائق أنه كان يناهض حركة التتريك ، وما تجرّه على العرب والمسلمين من مخاطر وتحديات على العروبة والإسلام ولكنه في الوقت نفسه ، كان يدرك أنه يمشي في حقل ألغام ، وعليه أن يكون حذراً وحكيماً في مرحلة كانت التحديات الدولية كبيرة جداً بكل ما فيها من تناقضات ومخاطر وظروف . فهو كان يعي أن رفع سقف المعارضة في وجه الدولة العثمانية ، سيصبّ في مصلحة الغرب ومشاريعه الاستعمارية التي برزت في مصر والسودان والمغرب العربي وصارت تستهدف الحجاز والعراق وبلاد الشام في تلك المرحلة . ولذلك كان يقول دائماً : ” لو لم أكن عاقلاً ، لتدهورت مثل سقراط ” . على أنه كان يفصح بآرائه السياسية والفكرية لخاصّة تلاميذه ، ومنهم محمد رشيد ميقاتي الذي طلب منه أن يكتب ذلك ويُبقيه سراً قبل أن يوافيه الأجل فأجابه الحسيني : ” لقد فعلت ذلك وأودعته لدى صهري واصف بارودي وأوصيته بالنشر بعد وفاتي ” . غير أن البارودي لم ينشر شيئاً بعد ذلك .
وإذ كان هو يتجنّب الوقوع في فخّ الغرب ومكائده ، فإنه أيضاً لم يماليء الأتراك ، أو يتعامل معهم بشكلٍ مباشر . فإن مؤلّفاته ، ونوعية الموضوعات التي يكتبها ، تؤكد لنا أنه كان يشنّ الحرب في اتجاهين وفي وقت واحد . ولذلك فقد أفتى بصحّة إسلام الدروز والعلويين والشيعة ، وببطلان تحريم بعض أرباب المذاهب تزويج بناتهم لغير أهل مذهبهم ، معتبراً ذلك ” عقيدة فاسدة ” ، محتجاً عليهم بالقرآن الكريم الذي يرخّص بالزواج بامرأة مسيحية أو يهودية .. ثم أرسل هذه الفتوى بواسطة جابر أفندي عباس الى عصبة الأمم ، فتُليت فيها ، وسجّلت في محاضرها ، وعليه فهو عمل على تحصين الوحدة الوطنية الشعبية داخل لبنان ، فشنّها حرباً على الطائفية والمذهبية في سلسلةٍ من الفتاوى والدراسات الهادفة الى وأد الفتن والعصبيات التي يستخدمها المستعمرون سبيلاً الى تحقيق مخططاتهم ، وهو يتجنّب في الوقت ذاته ، ممالأة الحكّام ، رغم الظروف الصعبة التي يحياها .
لقد أعطى الحسيني للمحيطين به ، وربما للأجيال كلها ، دروساً في عزّة النفس والترفّع عن الدنايا والمفاسد والنفاق والتملّق ، بما يجعله من علماء الأمّة الأفذاذ في هذا المجال .
ففي البداية ، وبعد عودته من مصر ، رفض الانصياع لقانون التجنيد الإجباري في الجيش التركي ، ولم يلتحق . وإذ أجبره الفقر على السعي لتأمين قوته ، والحصول على حقه في وظيفة تقيه العوز والحاجة فإنه ، وبعد أن صار من كبار العلماء ، صار الحكّام يسعون لخطب ودّه ورضاه . غير أنه لم ينحنِ أمام إغراء أو كسب شخصي يتناقض فيه مع رضى الله ومصالح شعبه ، دون أن يخشى في الله لومة لائم . فقد رفض قبول منصب ” شيخ الإسلام ” ( الموازي لمنصب السلطان ) في عهد الاتحاد والترقّي قبيل الحرب العالمية الأولى ، حتى إذا حاول عام 1332 هـ / 1913م. طباعة تفسيره للقرآن الكريم ، فقد منعته الرقابة من ذلك مشترطين عليه القبول بمنصب المشيخة . ولكنه استمر في الرفض واستمروا هم في المنع . فعادوا إليه ثانية يعرضون طباعة خمسة آلاف نسخة من التفسير ويشترونها منه بمبلغ خمسة آلاف ليرة ذهبية ، بمعدل ليرة ذهبية للنسخة الواحدة ، ولكنه أبى أيضاً .
وفي أثناء الحرب الأولى ، رفض أيضاً منصب قاضي القضاة في الآستانة ، كما رفض قرار جمال باشا بتعيينه مديراً في الكلية الإصلاحية في القدس ، وكان الرفض يومها يعني معاداة الدولة ، وبالتالي الموت شنقاً أو إعداماً . ولكن مكانته كانت تحول دون ذلك ، وربما تدخل عارفيه من الأتراك والعرب على حدّ سواء ، وفي طليعة هؤلاء ، والي طرابلس عزمي باشا .
أما بعد الحرب الأولى ، وإمساك الفرنسيين بالسلطة ، فقد رفض اقتراحهم بتولّي منصب الإفتاء بطرابلس ، ثم منصب قاضي القضاة في بيروت لإدارة شؤون المسلمين في لبنان وسورية ، فعادوا بإغراء جديد هو عبارة عن خمسين ألف ليرة ذهباً ، وطباعة 25 ألف نسخة من التفسير ، ولكنه رفض أيضاً ، واستمروا هم في منعه من طباعة أي كتاب له . فتدخل رئيس الكلية الأميركية ببيروت ( الجامعة الأميركية اليوم ) ، عارضاً طباعة التفسير على نفقته ، ولكن الحسيني رفض أيضاً حتى إذا استفسر بعضهم عن عدم قبوله ، أجابهم الحسيني : ” لا أحب أن أسوّد صحيفتي أمام التاريخ الإسلامي ، لكي لا يقال عني أنني قبلت أن تطبع تفسيري أمة غير أمتي . ومع الأسف ، لم يُقدم من أمتي أحد لطبع هذا التفسير ” .
ورداً على أحدهم قال الحسيني : ” يقول عليه الصلاة والسلام : ” اللهم لا تجعل لفاجر عليَّ يداً فيحبه قلبي ، فإذا قبلت ذلك منهم ، فلست لئيماً ، فأضطر لخدمتهم ، ولذلك أرفضها ، فلا يمكن أن تقبل إحساناً ثم تستهر بفاعله . ولقد بقي هذا التفسير مخطوطاً ، بعد أن أخفاه الحسيني ووزّعه على المخلصين من تلاميذه ، ربما لإحساسه أن الفرنسيين سيحاولون مصادرته . ثم حيكت عنه إشاعات عديدة ، فمن قائل أنه أُرسل الى حيدر آباد من الباكستان لطباعته هناك .. الى قائل أنه أُرسل الى مفتي فلسطين المجاهد محمد أمين الحسيني ، إذ كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني . لكن الحقيقة أن تلاميذه أعادوا جمعه من جديد . ولم يُعرف ذلك إلا بعد مرور أكثر من خمسين سنة على وفاة صاحبه ولا يزال الى اليوم بدون طباعة .
الى ذلك ، فقد رفض الحسيني مبلغ ألف ليرة ذهباً عرضها عليه أحد وجهاء طرابلس في زمانه ، هو السيد نسيم خلاط ، ليستعين بها على قضاء حوائجه ، فرفضها أيضاً ، متمسكاً بمبادئه التي كان يرددها دائماً ، والتي مؤداها أن الفقر مع عزّة النفس أفضل من المال مع التذلّل والمداراة ، وكثيراً ما كان يقول : ” لو علم الأغنياء ما نحن عليه من الغبطة ، لقاتلونا عليها بسيوفهم ” .
وبقدر ما كان الحسيني يرفض شهوة المال ، واعتباره هاجساً بقدر ما كان يرفض السلطة الظالمة ، أو التملّق لها ، أو الخشية منها ولذلك كان شعاره الدائم : ” نِعمَ الحاكم على باب العالِم ، وبِئسَ العالم على باب الحاكم ” . حتى أن المندوب السامي الفرنسي على سورية ولبنان الجنرال غورو أرسل له خبراً قال له فيه : ” إن مركزي يمنعني أن أزورك ، وأنت كذلك مثلي ” ، ما يعني أن الحسيني كان قد امتنع عن زيارته ، وأن الجنرال غورو قد تفهّم موقفه ، فأبدى له العذر والإحترام.
ويُروى عنه أن أحد المتنفذين سأله مرة : قيل لي أنه يجب أن تملأ الضاد الفم في لفظها عند تلاوة القرآن الكريم ، وأنا لم أستطع ذلك ، فهل يُبطل ذلك صلاتي ؟ إنني أخشى الله . فنظر الحسيني الى السائل بحدّة ساخرة وقال : وعليَّ أنا يا فلان بيك ؟! أتبلع المسلّة ولا تبالي ، ثم تتحرّج من وخز إبرة ؟! أتجد الحرج في كيفية لفظ الضاد في ما تزعم أنها صلاة ، ولا تتحرّج من سلبك الناس أنت وأتباعك ، ومن هتكٍ لأعراضهم . إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وأنت لا تنتهي على الرغم من هذه الشيبة عن جرائمك ، فتقتل النفس التي حرّم الله وتنهب الناس في أموالهم ، وتوري المجرمين وتحميهم ، ثم تظن أن هذه الحركات التي تقوم بها هي صلاة لله . وما إن اشتد غضب الشيخ ، حتى كان الرجل قد توارى عن الأنظار …
وإذا كان الحسيني قد ابتعد عن الحكام وأصحاب السلطة بكل عزّة وكبرياء ، ودون خوف أو وجل ، فإنه لم يكن بعيداً أبداً عن رجال الثورات وأصحاب الحركات التحررية . فهو كان في دمشق ، بعد أن وصلها الأمير فيصل ، الذي التقى به ، وتشاورا في نهاية الحرب العالمية الأولى . وحصل له حادث مؤلم عندما انكسرت فخذه إثر سقطة من على سلّم المنزل الذي كان يقيم فيه . فأمر الأمير فيصل له بسيارة أوصلته الى طرابلس . وهو كان على تواصل مع العروبيين في مدينته ولا سيما منهم الدكتور عبد اللطيف البيسار ، والزعيم عبد الحميد كرامي وفي مختلف بلاد الشام ، ولا سيما منهم المجاهد محمد أمين الحسيني الذي اجتمع به مراراً بطرابلس ، وتبادلا الآراء ووجهات النظر ، وربما وسائل الدعم والمناصرة ، كما تقول الوثائق والمخطوطات التي بين أيدينا .
إزاء التيار الشعبي الذي التفّ حول الحسيني ، ومنهم العلماء والطلاب ، كان لا بد أن يكون هناك متضررون وبعض المتوجسين خيفة من هذا الالتفاف ، ولا سيما من المستعمرين وأتباع السلطة وأزلامها . فكثر حساده والطاعنون في فكره الإصلاحي وحركته الناشئة ، بعيداً من السلطة وفلكها . يدلنا على ذلك حادثتين :
الأولى : عندما تقدم منه رجل يدعى الحاج علي الكيالي ، وأطلق عليه الرصاص وهو في الطريق الى مقهى التل العليا بين المغرب والعشاء ، ولكن الرصاصة لم تنفجر ، قضاءً وقدراً ، ولاذ الكيالي بالفرار دون أن يعرفه أحد ، حتى إذا مات الحسيني بعد ذلك بسنوات وأمام ردة الفعل الشعبية العارمة على وفاته ، فقد تقدم الرجل واعترف أمام الجثمان بفعلته قائلاً : ” لقد أرسلني فلان الفلاني لأقتلك ، غير أن الرصاصة لم تنطلق . ولكن الذاكرين لهذه الحادثة ( وهم تلاميذه ) لم يذكروا من هو فلان الفلاني هذا .
وأما الحادثة الثانية ، فقد حصلت مع تلميذ الحسيني الشيخ عبد الوهاب ساري الذي كان يشرح الحديث النبوي في أحد المساجد ” واحمرّت ” عيون بعض المستمعين منه وقالوا عنه : كافر . فجاء الشيخ عبد الوهاب مغتاظاً وهو يشكو الأمر الى الحسيني ، الذي أجابه : ” منذ خمسين سنة وأنا أتمتع بلقب كافر ولم أغضب منهم ، وأنت تغتاظ من مرة واحدة . إن هؤلاء الأقوام لا يجتمعون إلا على الدجالين الضالين عن الحق ” .
ولعلّنا نستطيع أن نتلمّس منهجه الفكري الإصلاحي من خلال مؤلفاته التي بين أيدينا ، ومن خلال ما جمعه عنه تلاميذه من أفكار وآراء ووقائع . فمنذ ما يقارب المئة عام ، أطلق الحسيني فكرة الدعوة الى مؤتمر إسلامي شامل ، على أن يعقبها مؤتمر عالمي للأديان كافة يتم فيه معالجة المشاكل والقضايا الإنسانية المستفحلة . وإذ هو كان في إحدى محاضراته يكرّر ضرورة نهضة الأمة العربية ووحدتها وحريتها سأله أحد الحاضرين : لماذا تكرّر ” الأمة العربية ” ولا تقول المسلمين . فأجابه الحسيني فوراً : إن التابع يتبع المتبوع ، في إشارةٍ واضحة الى أن قيادة المسلمين يجب أن تكون في العرب ، وهي إشارة كانت تكلّف صاحبها في زمن الأتراك حياته شنقاً أو سجناً أو إعداماً .
أما رأيه بالأزهر ، فلم يكن يختلف عن رأي الأفغاني ومحمد عبده وضرورة إصلاحه ليقوم بالدور المطلوب منه ، فهو يقارن بين جامعة الأزهر وجامعة السوربون فيقول : إن السوربون ، وإن لم يكن أتى بالفضيلة ، فإنه عمل شيئاً في الاجتماع واستخدام الطبيعة . أما الأزهر فلا هذا ولا ذاك ، رغم أن الثاني قبل الأول بمئات السنين .
ولقد ضخّ الحسيني روحاً جديدة في مناهج الفلسفة وعلم النفس وغير ذلك. ولنلاحظ قوله : ” الأعمال تُبنى على الآراء ، والآراء تُبنى على المعتقدات ، والمعتقدات تبنى على المزاج العقلي .. الأعمال قربان وعمل صالح ونفع مجتمع . والفترة الانتقالية لها تأثيرات في جميع أنحاء الاجتماع في الدين والاقتصاد والسياسية والعلم . الدعوة الى الدين اليوم تُكسب بصورتها . من أجل ذلك لا ترى في الداعين صدق توجه إليه ولا سلوكاً في وجهته صحيحة . اللباس جلد الضأن ، والقلب قلب ذئب أقسم الله تعالى في الحديث القدسي أنه يتيح على هؤلاء فتنة تدع الحليم حيراناً ، وقد برّ بقسمه .. ” .
فإذا عرفنا أن الحسيني صرّح بذلك في عهد الأتراك ، وقبل الحرب الأولى ، فإننا نلمس إدراكه أن الأمة العربية ومعها العالم الاسلامي ، كانا ، برأيه ، في مرحلة انتقالية ، وأن موقفه من الدولة العثمانية كان موقفاً معارضاً إذ لم تنطلِ عليه مزاعمها الدينية وادعاؤها أنها حامية الدين ، وأنها تستمد شرعيتها من الإسلام وشريعته .
إن كتابة المخطوط : ” رسالة في تطبيق المبادئ الدينية على قواعد الاجتماع ” ، يعتبر كتاباً فريداً من نوعه في هذا المجال ، لما ضخَّ فيه الحسيني من آراء ومناقشات وتحليلات عكست كلها نظريته ونظرته الى قراءة دينية معاصرة ، انطلاقاً من الثوابت في الأديان السماوية كافة بل وفي مذاهبها أيضاً ربطاً بقواعد علم الاجتماع الحديث والمعاصر . ومن أقواله اللافتة في مثل ذلك الزمن ، قوله : ” نحن والغربييون على إفراط وتفريط ، وكلا الأمرين إن دام فشل . الغربييون أفرطوا والشرقييون فرّطوا . ويشرح ذلك بأمثلة منها : إن السفور ليس هو المطلوب ، وأن التزمت ليس هو المرغوب ، لأن الحاجة اليوم تقتضي وجود ممرضات ومعلمات وطبيبات ، وأن السيدة عائشة كانت تخدم المجاهدين في الإسلام .
أما في تفسير القرآن ، فقد اعتمد الحسيني منهجية متميّزة عن التفاسير الأخرى ، إذ كان يعمد الى وضع مقدمة لتفسير السورة ، يحدد فيها الغايات والأهداف الأساسية في هذه السورة ، ويختم باستنتاج الخلاصات والعبر ، ربطاً بالمقدمة ، وما بينهما شرح للألفاظ والمعاني والدلالات ، لا يخلو من منطق قوي وحجج دامغة ، وآثار معاصرة بكل ما في المعاصرة من علوم وفلسفات وتطورات ، جعلته يبرهن على ما في القرآن من عظمة وإعجاز وبيان ، وغير ذلك . على أن أسلوب الحسيني في التفسير ومنهجه ، يدعونا الى القول أنه قراءة جديدة ومعاصرة للإسلام ، انطلاقاً من روح العصر ومستجداته ، أكدت ما في القرآن من سبق ومن صلاحية لكل العصور والدهور .
خلاصة القول ، إن الشيخ محمد الحسيني نابغة من نوابغ العرب في القرن العشرين الميلادي ، حتى لقد قال له الوالي التركي عزمي باشا يوماً : ” كنتُ أنّى توجهتُ في أوروبة ، أقولُ لمن ألقاه : إن لدينا في الشرق ” فولتير ” جديداً ، هو أنتَ ، فلِمَ لا تفعل مثلما فعل فولتير ؟ ! فأجابه الحسيني باسماً : ثق أنه لو كانت أمتي كأمة فولتير ، لحقّقتُ بالإيمان والدين أضعاف ما حقّقه فولتير بالإلحاد والشك !! ” .
ومما لا شك فيه أن الحسيني عندما كان يجيب ، كانت تمر في ذهنه صور التجزئة والظلم والاستعمار والجهل والأمية والتخلّف .. هذه الأمراض التي أنفق عمره وهو يجاهد في سبيل التخلّص منها ، الى أن وافته المنية ، بعد مرض عضال ، عام 1359 هـ / 1940م .
رحل الحسيني مجاهداً على طريق الحرية والوحدة والعدالة ، بعد أن ترك تراثاً ضخماً من المؤلفات النفيسة التي لم ينشر منها إلا النذر القليل في حياته . فهل كان واثقاً أنها ستبقى تنتقل بأيدٍ أمينة حتى ترى النور ولو بعد حين ؟؟
ما نستطيع تأكيده أن الحسيني كان واثقاً كل الثقة بربه أولاً ، ثم بشعبه ثانياً ، وحسبك بربٍ هو العليم الحكيم ، وهو على كل شيء قدير . وحسبك بأمةٍ كانت خير أمةٍ أُخرجت للناس .
آثـــاره
ترك العلاّمة الحسيني العديد من المؤلّفات والخطب والدراسات في مختلف الشؤون الدينية والفكرية والفلسفية ، وغيرها . وما استطعنا الحصول عليه ، هو عدد كبير من المخطوطات بخطه ، أو بخط تلاميذه . وأهم ذلك :
– تفسير الحسيني . مخطوط كبير . وقد طبع منه الجزء الأول ، حتى نهاية سورة البقرة . مطبعة الحضارة ، طرابلس الشام ، 1332 هـ .
– فريدة الأُصول ، وهو أرجوزة في الفقه الحنفي . صدرت عن مطبعة البلاغة ، طرابلس الشام ، لا.ت. .
– شيوخ في الأجسام ، أطفال في العقول : مخطوط . وهي في التفسير والحديث والأحكام .
– مجموعة الرسائل بين الحسيني من جهة ، ومحمد عبده ورشيد رضا من جهة أخرى ، وهي في التفسير والتأويل .
– رسالة في ” تطبيق المبادئ الدينية على قواعد الإجتماع ” . مخطوط .
– رسالة ” مفصّل علم التوحيد ” . مخطوط .
– الرد على الخوري جرجس صفير في التجسيد والإسلام والمسيحية . مخطوط .
– رسالة في المقولات العشر . مخطوط .
– مجمل أوليّات النحو . مخطوط
– أنواع الحياة والتربية . مخطوط .
بالإضافة الى مجموعة من الخطب والآراء والمناظرات ، وأغلبها بأقلام تلاميذه ومستمعيه ، وفي مختلف الشؤون الدينية والدنيوية .
المصادر والمراجع
– بهرام ، علي غالب : حياة الشيخ محمد الحسيني . مخطوط ، ضمّه واصف بارودي الى آثار ومؤلفات الشيخ الحسيني .
– الجندي ، أدهم : أعلام الأدب والفن . طبع بدمشق ، 1954م .
– الزركلي ، خير الدين : الأعلام . الطبعة الثانية عشرة ، ثمانية مجلدات ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1997 .
– ساري ، عبد الوهاب : رسائل عن الحسيني . مخطوط ، ضمّه واصف بارودي الى آثار ومؤلفات الحسيني .
– سليمان ، محمود حمد : علماء طرابلس وشعراؤها . دار مكتبة الإيمان ، طرابلس ، الشام ، 1424 هـ – 2003م.
– المراغي ، أبو الوفاء : فهرس المكتبة الأزهرية . ستة مجلدات ، طبع بمصر ، 1952م.
– ميقاتي ، محمد رشيد : أجوبة عن حياة الشيخ محمد الحسيني . مخطوط ضمّه واصف بارودي الى آثار ومؤلفات الحسيني .
– نوفل ، عبد الله : تراجم علماء طرابلس وأدبائها . مكتبة السائح ، طرابلس ، 1984م.
د.محمود حمد سليمان
(عكار العتيقة /لبنان)
محمد خالد الزعبي قام بترميم مبنى المدرسة الحميدية؟ زعمك هذا يزرع الشك في كل المعلومات التي أدليت بها هنا.