“تجربة فؤاد شهاب في الحكم” كان عنوان المحاضرة التي نظمتها منتديات العزم في جميعة العزم والسعادة للكاتب والصحفي نقولا ناصيف، وذلك في قاعة المحاضرات التابعة للجمعية في باب الرمل في طرابلس. حضرها الرئيس نجيب ميقاتي والنائب احمد كرامي والوزير السابق سامي منقارة ورئيس اتحاد بلديات الفيحاء رشيد جمالي ورئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين ونائب رئيس المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى عمر مسقاوي والنائب السابق عبد المجيد الرافعي والقاضي نبيل صاري والعميد جان ناصيف عن مؤسسة الرئيس شهاب وعميد كلية الفنون الدكتور هاشم الايوبي والقاضي نبيل صاري والعميد امين صليبا ورئيس اللجان الاهلية سمير الحاج ورئيس الحركة اللبنانية الحرة بسام خضر آغا وحشد من الشخصيات والفعاليات الاجتماعية والسياسية والمحلية ومشاركون.
بداية النشيد الوطني ودقيقة صمت حدادا ً على ضحايا الطائرة الاثيوبية فكلمة لمسؤول منتديات العزم والقطاع الاعلامي في جمعية العزم والسعادة مقبل ملك الذي رحب بالحضور وقال: ان من عايش فترة حكم الرئيس فؤاد شهاب يعرف قدرته على انهاء احداث 1958 وكيفية بناء الجيش، واصدار مجموعة المراسيم الاشتراعية التي انشأت مؤسسات اجتماعية واعمارية، وهيئات رقابية واطلاق شعار العدالة الاجتماعية، وخطة تنموية اقتصادية واجتماعية وادارية.
وقدم الاعلامي نقولا ناصيف بانه كاتب سياسي مخضرم له تجربته في صحيفتي النهار والاخبار وصاحب ومؤلف كتاب عن تجربة الرئيس فؤاد شهاب في الحكم.
نقولا ناصيف استهل محاضرته قائلا ً لم يسبق ان عاد اللبنانييون الى حنين رئيس وعهد يمثل حنينهم الى الرئيس فؤاد شهاب وعهده، الصورة الاسطع هو الجدل الذي احاط اخيرا ً ببيع منزل الرئيس ومحاولة تحويله مطعما ً، اشعر كثيرا ً من اللبنايين والدولة اللبنانية وان كانت متأخرة بانتهاك مرحلة خبروها، واضحت الآن شبه بحلم مستحيل.
ثم قام بمقارنة بين رؤساء الجمهورية الذين تعاقبوا في الحكم على لبنان والرئيس شهاب وقال نعت عهد الرئيس بشارة الخوري بالفساد والرشوة وفاتحة تزوير الانتخابات وعهد الرئيس شمعون بافتعال ثورة دموية وتورط لبنان بنزاعات اقليمية، وعهد الرئيس شارل حلو بالتراخي والتخلي عن السيادة، وعهد الرئيس سليمان فرنجية بانفجار حرب اهلية انتهت بادخال سوريا الى لبنان وعهد الرئيس الياس سركيس بادراة الازمة ووضع الرئاسة بين ايدي الميليشيات وهكذا رؤساء الامس القريب.
وعلى مر ست سنوات من ولاية الرئيس شهاب طبع الرئيس عهده بخمس خيارت انتهجها فاذا به يسلم الى خلفه نظاما ً ساسيا ً مستقرا ً وادارة متطورة وجيشا ً متماسكا ً وسياسة خارجية تحظى بالتقدير وخرج من الحكم وهو يملك اثمن ما يمكن لرئيس ينهي عهده به وهو احترام شعبه له.
ثم تحدث عن دور الرئيس بالمصالحة الوطنية الذي نقل الخلاف السياسي العقائدي من الشارع الى الحكم وافسح المجال امام ادارة التناقضات ومعالجة اسباب النزاعات الداخلية من ضمن حوار تحت سقف السلطة الاجرائية وادرك ان الانقسامات اللبنانية لا تحل ابدا ً، مستندا ً بذلك الى تاريخ لبنان.
واشار الى نظرة الرئيس الى المؤسسة العسكرية أي الجيش اللبناني بتكوينه الطائفي والاجتماعي وحساسية تأثره بالصراع السياسي، فجعله بمنأى عن كل الصراعات الداخلية بل كرس دوره مدافعا ً عن الهوية وعن الوحدة الوطنية وخاصة عندما يخفق أهل السياسة من التوصل الى تسوية. وسمى الجيش بخطاب عام 1962 بانه تلك المؤسسة الغالية على اللبنانيين وهي التي تحافظ على نظامهم الديمقراطي وقال ان الديمقراطية في لبنان شرط من شروط بقائه لانها صورة الوحدة الوطنية والتعبير الحي عنها.
وتناول ناصيف السياسة الخارجية التي انتهجها الرئيس فجعلها صورة مكملة للوحدة الوطنية، وفي الوقت نفسه مقوضة لها، وبنى علاقات جيدة مع الجمهورية العربية المتحدة بعدما كانت هذه العلاقة سيئة في عهد الرئيس الذي سبقه كما أرسى لعلاقات جيدة مع الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول، مدركا ً بعمق جنوح اللبنانيين المسيحيين والمسلمين الى النزعتين السياسيتين اللتين يجسدهما هذين الرئيسين الزعيمين في العالمين العربي والغربي، ناهيك بتسليمه ان الاستقلال والسيادة يضمنهما انتماء لبنان الى الامم المتحدة.
ثم شرح ناصيف للطريقة التي انتهجها الرئيس شهاب في بناء الدولة المرتكزة على سياسة ارساء صورة المواطن الصالح المنتسب الى دولته ولا الى اي طرف اخر، وان الديمقراطية شرط من شروط لبنان، ثم تحديث الادارة وتنظيم علاقتها بالمواطن بإلغاء الوساطة بين الطبقة السياسية والمواطن اللبناني عبر انشاء مؤسسات تحدد علاقة الأخير بالادارة وتضمن له حقوقه انسجاما ًمع احكام القانون، والاهتمام بالمناطق النائية في الجمهورية، والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين في وظائف وادارات الدولة، وارساء التوافق مبدأ لتوجيه العلاقات المسيحية الاسلامية تفاديا ً لأي تنافر قد يقود الى صراعات داخلية.
وكان أبرز ما انطوت عليه سلة المراسيم الاشتراعية التي صدرت في عهده والتي اعادت بناء الوزارات والادارات اللبنانية: تنظيم الادارة العامة، نظام الموظفين، انشاء مجلس الخدمة المدنية، انشاء التفتيش المركزي، نظام مجلس شورى الدولة، انشاء المعرض الدولي الدائم في طرابلس، استعادة امتياز مرفأ بيروت، انشاء الوكالة الوطنية للأنباء، وصولا ً الى قانون النقد والتسليف وانشاء مصرف لبنان، وغير ذلك من المراسيم التي ارتكزت عليها مؤسسات الدولة في يومنا الحالي، وهذا بعض ما قدمه الرئيس شهاب ويكاد يكون وحده حتى الآن الذي صنع الادارة اللبنانية.
وعن اهتمام الرئيس شهاب بالدستور قال ناصيف: اكتشف الرئيس شهاب عندما اعتذر عن تجديد توليه زمام الرئاسة، هزالة الصلاحيات الدستورية عندما يجمد احترام اصولها خلاف سياسي يقارب نزاعا ً طائفيا ً، ورغم اعتقاده انه أدخل التطوير والحداثة الى الدولة اللبنانية ظلت عربات الطبقة السياسية التي تذمر منها سنوات تجرها الى الوراء. لم يعد الحكم قويا ً ولا الدستور وسيلة حسم التباين في الرأي وراح الأفرقاء المتنازعون يحتكمون الى الشارع والسلاح.
وانهى كلامه عن الرئيس شهاب قائلا ً: اليوم بعد سنوات طويلة على رحيل الرجل، صار على كل رئيس جمهورية ان يعثر على ما يتمثل به في الرئيس شهاب، على ما يحمله إيهام الناس عن صورة ذلك الرجل فيه. فلم يهدر السيادة والاستقلال وخصوصا ً كرامة الدولة التي رئسها وانحنى على امتداد ولايته لاحكام الدستور كي يحترم المنصب، الى رئيس لم تلاحقه لعنة الفساد والرشوة والكسب غير المشروع واستغلال السلطة ولا التشهير بسمعته، الى رئيس مات فقيرا ً.