ترسيم الحدود اللبنانية – السورية ، معزوفة استجدت على قاموس السياسة اللبنانية منذ العام 2005 وأعتبرتها بعض القوى من اهم المطالب التي تتبت سيادة واستقلال لبنان منذ اتفاقية سايكس – بيكو التقسيمية .
لكن كيف سيتم ترسيم الحدود الشمالية وهي الحدود المتداخلة والمتشعبة والتي يصعب الى حد الاستحالة الفصل بين الاراضي والاملاك الزراعية على الحدود الشمالية خاصة في وادي خالد وجبل أكروم …؟
من يزور المناطق الحدودية الشمالية انطلاقا من العريضة مرورا بالعبودية وصولا الى وادي خالد وصعودا الى جبل اكروم يلاحظ الحياة المعيشية والاقتصادية والاجتماعية المتشابكة والمتداخلة بين سكان تلك المناطق كما يلمس ان مئات الزيجات قد حصلت بين عائلات لبنانية وسورية لا بل ان اعدادا كبيرة من اللبنانيين يقيمون فوق ارض سورية منذ فجر التاريخ لم يمنعهم النهر الكبير الجنوبي من التواصل الحياتي اليومي مع عائلاتهم في الضفة اللبنانية للنهر وبلدة المشيرفة السورية خير نموذج على ذلك حيث غالبية سكانها هم من العائلات اللبنانية وفي المقابل بلدة المقيبلة اللبنانية ومن سكانها عدد كبير من السوريين .
هذا التداخل الحدودي أثمر اجيالا ولا يزال من الطلاب المتخرجين من مدارس وجامعات سوريا ،ومن يراقب حركة المناطق الحدودية يلمس أرتال التلاميذ الذين يتجهون صباحا الى مدارس القرى السورية المحاذية لضفة النهر الكبير كما يلاحظ عودتهم بعد الانصراف سواء في وادي خالد او العبودية وعلى مدى الحدود الشمالية ، هذا بالاضافة الى الطبابة والاستشفاء الذي تؤمنه مستشفيات سوريا مجانا للمواطنين اللبنانيين اسوة بالمواطن السوري على قدر المساواة، بما فيه تأمين الادوية اضافة الى تأمين المواد الغذائية والحاجيات اليومية .
“ما صنعه الله لا يفرقه أنسان” هذا لسان حال سكان المناطق الحدودية في عكار،الذين يتابعون بقلق حكاية ترسيم الحدود ويخشون أن يؤدي هذا الترسيم الى إغلاق حدود ومعابر طبيعية اعتادوا على سلوكها تاريخيا سيما وان الحدود بين البلدين مصطنعة ومن فعل الاستعمار .
مواطن آخر قال : حتى الآن لم أستوعب معنى ترسيم حدود صنعها الله وجعلت بين ضفتي النهر علاقات مصاهرة وعلاقات اجتماعية طبيعية يومية كأننا في بلد واحد ونحن لم نختلف في يوم من الايام على ارض او املاك لا بل نعيش اخوة وكأننا في قرية واحدة ..
واضاف : اولادنا يتعلمون في مدارس سوريا وكل الطبابة في سوريا هل تستطيع حكومتنا تأمين التعليم المجاني من صفوف الحضانة وحتى اعلى درجات الجامعة مجانا ؟وهل تستطيع حكومتنا تأمين الطبابة والاستشفاء المجاني على غرار ما تؤمنه لنا سوريا؟
وهل تخفض اسعار الخبز والمواد الغذائية بما يوازي الاسعار في سوريا ؟ ام تريدنا أن نبقى في العوز والقهر لا طبابة ولا تعليم إلا للمقتدرين ؟ “
وأن تقف في الضفة اللبنانية من النهر تلاحظ ايضا حركة الدواب محملة بالمواد الغذائية تعبر النهر .. نسأل .. فيجيبنا احدهم : هذا ليس تهريبا وليست مواد ممنوعة بل هي مواد لحاجيات يومية لعائلة ن وهذا المشهد هو المعتاد هنا .ويضيف مستغربا : ما علاقة السيادة بحدود لم نصنعها نحن إلا اذا شاء البعض صيانة مفاعيل سايكس –بيكو فعندئذ كمن يريد معاكسة التاريخ والجغرافيا …