قال المفكر والكاتب مُنح الصلح إن لبنان لولا المسيحيين لما قام ولولا المسلمين لما دام، في خلال اللقاء الذي نظَّمه معه “مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية” من ضمن برنامج “شهادات” في “منبر الحوار” في حضور النائب السابق بيار دكاش وحشدٌ من رفاق الصلح والمهتمين.
بو حبيب
بداية كانت كلمة ترحيبية من مدير المركز السفير عبد الله بو حبيب ذكّر فيها بأن الأستاذ منح الصلح هو سليلة عائلة عريقة ومدرسةٍ في العمل الوطني والقومي والتوفيق بين العروبة واللبننة. وقال إن الصلح جمع ما بين الجهد الفكري والإنخراط في الحراك السياسي الوطني والقومي في بيروت التي شكَّلت ولا زالت رئة العرب في الحرية السياسية والثقافية والفكرية والحداثة والإلتزام بالقضايا العربية المحقّة وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وأشار بو حبيب إلى أن مسيرة الضيف ترافقت في الشأن السياسي مع الكتابة الصحافية وإلى أنه لم يكن كاتباً فحسب بل أيضاً موحياً بأفكارٍ وتحليلات ومقاربات برزت في أحيان كثيرة في سطور مقالات أصدقائه من كبار الكُتّاب والصحافيين في ذلك الحين، مُطلِقاً مصطلحات عديدة ترسَّخت في الخطاب السياسي والتداول الإعلامي اللبناني، وشكَّلت عناوين لجدلٍ ونقاش واسعَين في الأوساط السياسية والفكرية اللبنانية والعربية ومادة لمقالات عديدة بعدما احتفظت بتأثيرها على مرِّ الأعوام.
الصلح
ثم تكلم الصلح فشدَّد على أنَّ لبنان هو أكثر الكيانات العربية حقاً بالوجود المستقل وأنه ضرورة وفائدة لقضايا العرب الكبرى كالقضية الفلسطينية والعروبة الجامعة، ومؤكداً أن وجود لبنان حر وديموقراطي هو مصلحة لشعوب المنطقة ودولِها وأقرب إلى معظم الدول العربية من أي دولة عربية أخرى، وأنه كانَ ولا يزال جسراً للعلاقات العربية العربية والعربية الدولية. واعتبر أنَّ من السطحية تصوير الوجود اللبناني بأنه مجرد قرار من الجنرال غورو اتخذ بعد الحرب العالمية الأولى، وقال إن لبنان قام أولاً بإرادة من أبنائه وبدعم من العروبة التي عملت للوحدة العربية ولكنها قبلت وأيدت وجود لبنان واستقلاله ورأت في ذلك ما يفيد المنطقة إذ هو إضافة نوعية للوجود العربي. وأضاف أن لولا إيجابية المنطقة العربية إزاء الكيان اللبناني وحرصها على الإغتناء بتعدديته لخسر الإستقلال اللبناني وخسرت العروبة الجامعة الكثير، لافتاً إلى أن لبنان كان دائماً ضرورة للنهضة العربية عامة وللأمن والتقدم العربييَن.
واعتبر أن لبنان لم يقم بالأساس لأن أكثريته مسيحية ولان المسلمين فيه أقلية تريد ولا تقدر على الإطاحة به، بل أن لبنان المستقل السيد خيار حرٌ لأهله من المسيحيين والمسلمين على حدٍ سواء ولان عروبة المنطقة ارتضت ورأت في قيامه وديمومته ضرورةً لشعبه ولها.
ووصف الصلح الميثاقية والشهابية بالوثبتين التاريخيتين في عمر لبنان وبهما عزَّز ديموقراطيته، وقال إن إذا كانت الميثاقية نداءً لتوحيد الوطن وتنظيم تعدديته وتحقيق استقلاله فإن الشهابية هي النداء إلى العبور من استقلال الدولة إلى دولة الإستقلال وبناء المؤسسات.
ورأى الصلح أنَّ الشهابية والميثاقية لعبتا دوراً في تجنيب لبنان جدليّة التداول بين الليبرالية المنفلتة والإنقلاب العسكري، هذا الثنائي الذي تسلَّط على الحياة العربية مانعاً إياها من الوصول إلى الديموقراطية الحقَّة. وأشار إلى أنَّ هاتين المدرستين أي الميثاقية والشهابية كان لها فضل كبير في تجنيب لبنان الآفة التي تعرضت لها المنطقة العربية وهي المرواحة بين الرضى بنظم الحكم المتخلفة بشكليها القديم والإقطاعي والجديد المتمثل بالليبرالية المتخلفة من جهة أو الحكم العسكري من جهة ثانية. ولفت إلى أنَّ التحدي هو اطلاق ركيزة ثالثة لديموقراطيتنا بعد الميثاقية والشهابية يستولدها المثقفون ورجال الفكر من بطن الحاجات على غرار “مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية”. وفي حديثه عن الشهابية قال الصلح إن الأمير في شخصية الرئيس فؤاد شهاب هو الذي كان يحكم رئاسته للجمهورية لا الجنرال، بكل ما في كلمة أمير من إيجابيات وسلبيات، وبما تعنيه كلمة أمير في المفهوم الشعبي من وصف للرجل المترفع غير الرخيص والمؤهل لأن يكون حكماً وليس حاكماً فقط. وأشار إلى أن شهاب وإن كان عسكرياً يقدر الاكفاء من العسكريين ويعتمد عليهم إلا أن مرجعيته كانت الدستور وكان يميل إلى إبعاد الجيش عن السياسة، مضيفاً ان اغلب العسكريين وغير العسكريين من الذين كان يتشاور معهم شهاب كانوا من الصنف المتفهم للحياة الديموقراطية والمَدنية والدليل انه رحب لا بل سعى لأن يأتي بعده الرئيس شارل حلو الديموقراطي قلباً وقالباً والمثقف غير المنساق وراء العصبيات. وروى الصلح أنه ذهب مرة مع عمه تقي الدين الى منزل الرئيس شهاب في صربا لتسليمه الخطاب المعد للالقاء بمناسبة عيد الاستقلال، وبعد نظرة سريعة ألقاها الرئيس على البيان قال:”يا ليتني أستطيع أن اتكلم بالعربي الدارج لقلت ان الدولة والادارة صار لازمها خراطة”، مضيفاً أن ذلك كان هاجس شهاب كما تبين في ما بعد ما دفعه لاستدعاء الأب لوبريه وفريقه لتنظيم الإدارة وإصلاحها.
وقال الصلح إنَّ لبنان في سباقٍ مع الزمن فلا يكفي أن يكون أخاً لإخوته العرب وصديقاً لأصدقائه وعدواً لأعدائه بل ينبغي أن يتصف أيضاً بصفة التنافسية للصديق والعدو على السواء، وهو لا يكون كذلك إلا بالصحوة على ما هو فيه وعلى ما هو حوله وعلى نبض العصر. وأضاف إن لبنان لم يعد يفيده لا أن يكون مع الغرب ولا أن يكون ضده، بل المطلوب أن يكون مثل المتقدمين جدياً في قراءة قدراته مستخدماً هذه القدرات في سبيل أمنه وسلامته وخيره ودوره في محيطه.
واستذكر الصلح محطات سيرته في عائلة لبنانية عروبية لا تعمل إلا في السياسة وعرض للشخصيات الفكرية والسياسية في عائلته كعمه تقي الدين اللبناني العروبي المندمج في المحيط اللبناني التعددي وعمه كاظم رئيس حزب النداء القومي ووالده الذي كان أحد مؤسسي الحزب الإستقلال الجمهوري. وتحدث عن تأثره في دراسته بجو رأس بيروت المنفتحة على العرب والعروبة وعلى الأكاديميين الغربيين، مشيراً إلى كثافة الطلاب العرب الذين كانوا يدرسون في الجامعة الأميركية وإلى كثافة الوافدين إليها من الدول العربية وبينهم قادة فكريون وصحافيون وزعماء مجددون حيث يتعرفون من خلال المقاهي والمطاعم المحيطة بالجامعة الأميركية وأبرزها “مطعم فيصل” إلى صورةٍ زاهية عن المستقبل العربي.
ولفت إلى أنه آمن دائماً بمركزية مصر في العالم العربي وعلاقتها النهضوية بلبنان، منذ مجيء مفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده منفياً الى لبنان وصداقته مع مؤسس مدرسة الحكمة المطران يوسف الدبس في ما يوحي من سياق ما كان يدور بينهما بانه بذور اولى للفكر الذي قام عليه فيما بعد الميثاق الوطني اللبناني.
وأشاد الصلح بمركز عصام فارس للشؤون اللبنانية والجهود التي يبذلها مؤكداً أن المركز مظهر راقٍ من مظاهر شعور لبنان بالتطلّع دائماً إلى الأمام ومنوهاً بفضل دولة الرئيس عصام فارس ومركزه على الوطن.
وركَّزت مداخلات الحاضرين على الدور الوطني الذي لعبته عائلة الصلح في الحياة السياسية والفكرية اللبنانية والثقة التي توليها إياها الطوائف اللبنانية وخاصة المسيحية. وأشار البعض إلى أهمية الفكر المؤسساتي الذي كان يمتلكه الرئيس شهاب انطلاقاً من العمل العسكري محددين الشهابية بأنها النزعة المؤسساتية لبناء الدولة.