لم يكن مخيم نهر البارد المتضرر الوحيد من المعارك التي اندلعت فجر الأحد الـ19 من أيار عام 2007 بين مجموعة “فتح الإسلام” المتشددة من جهة ووحدات الجيش اللبناني من جهة أخرى.
فالطوق المحيط بالمخيم والذي يتألف من أربع بلدات: بحنين, ببنين, العبدة والمحمرة قد تأثر بشكل مباشر بهذه العمليات, فالأوضاع التي سادت بعد أن وضعت الاشتباكات أوزارها كانت مأساوية فيها الكثير من المعاناة المعيشية بعد ما أصاب المواطنين من جرّائها, فلقد ألحقت الأضرار الفادحة بأرزاقهم وبيوتهم ومصالحهم واستشهاد العديد من أبنائهم وضياع مواسمهم الزراعية ومعاناة أطفالهم من الأمراض نتيجة تفشي الروائح الكريهة.
تأتي التعويضات بعد مثل هذه المعارك عادة من قبل أجهزة الدولة ولكن هل تم التعويض على المتضررين سواء من قبل الأجهزة الحكومية, العسكرية أو المدنية؟ وهل كانت كافية لتخطية ما فقده المواطن على كافة المستويات؟
وللوقوف على حقيقة الأمر أجرينا كشف ميداني من خلال شهادات لعدد من المواطنين القاطنين في بلدة المحمرة المحاذية شرقاً للمخيم:
اعتبرت بأن الأحداث قد أضرت بشكل مباشر بمنزلها نظراً كونه يقع على تلة المحمرة وهي الجهة الأكثر إطلالاً على المخيم وقالت: «عند عودتنا إلى المنزل بعد شهرين وجدناه في حالة مزرية فقد أصابه الرصاص وتكسر زجاج الشبابيك والأبواب» وأشارت «كثرت السرقات أثناء تلك الفترة وفقدنا من جرّائها مبالغ مالية وقطع ذهبية, وقمنا بتقديم شكوى لمخفر الدرك
دون أن تظهر أي نتيجة حتى الآن». أما بالنسبة للممتلكات الأخرى فقالت: «نملك أربع محلات على الطريق العام والتي توقفت سنة كاملة مع أضرار مباشرة عليها إذ أصابتها القذائف مما أجبرنا على تأجيرها لأشخاص قادرين على ترميمها» وبخصوص مسح الأضرار والتعويضات أجابت: «قامت لجنة استقصاء تابعة للجيش اللبناني بإجراء عملية المسح الأولية, كما زارتنا مسؤولة حكومية ووعدت بالعودة ولكنها لم تعد» وبالتالي: «لم نحصل على تعويض سوى مبلغ مليوني ليرة بدل تهجير بعد انتهاء المعارك بالإضافة إلى المساعدات الغذائية والطبية ومنذ أسبوع أصدرت الهيئة العليا للإغاثة شيكات التعويض للمحيط وحصلنا على ثلاث مئة ألف لا يعيدون لنا ثمن الزجاج الذي تحطم”.
لم يكن الأمر مفاجئاً بالنسبة له «فضراوة المعارك ستخلف وراءها أضراراً جسيمة»
وبدأ محدثاً عن التهجير«تركت وعائلتي المنزل لمدة ستة أشهر وأخذنا على نفقتنا الخاصة منزل بالإيجار في ببنين» وبالنسبة للأضرار التي لحقت بممتلكاته «كنت أول من دخل الاستراحة فوجدتها مقلوبة رأساً على عقب فبالبضائع التي كانت بداخلها إما تحطمت وتكسرت وإما سرقت وإما انتهت صلاحياتها كالمواد الغذائية, كذلك تحطمت الواجهات الست للاستراحة بحيث بلغت خسائرنا بالبضائع لوحدها حوالي 272000 $ هذا بالإضافة إلى هدم عدد من الجدران نتيجة سقوط القذائف عليها». وعن سؤال عمل هيئات المسح والاستقصاء فأجاب «جاءت لجنة عسكرية مسحت الأضرار وقدرتها إلا أننا لم نحصل على شيء»وأضاف «قسمت المناطق المتضررة إلى قسمين: قسم تحت الاتوستراد ويشمل المخيم وعدد من العائلات اللبنانية وكلفت منظمة الانروا التعويض عنه, وقسم آخر فوق الاتوستراد تسلمته الدولة اللبنانية» وأكمل مؤكداً «لم نحصل على أية تعويضات لا من قبل مؤسسات الدولة اللبنانية والتي لم تقم بواجباتها تجاه مواطنيها, ولا من قبل الانروا التي تهتم بشأن اللاجئين الفلسطينيين وحسب, وهذا ما شكّل فارقاً إذ أن الفلسطينيين بالرغم من أنهم عانوا من التهجير والخسائر المادية الفادحة إلا أنهم وجدوا من يرد إليهم بعضاً مما فقدوه أمّا نحن فلا أحد يهتم لأحوالنا » » وختم بالقول «إننا لا نحتاج إلى مساعدة أحد لا الحكومة ولا الجهات السياسية, فبالرغم من أننا ما زلنا نرزح تحت وطأة المستحقات المالية بعد سنة ونصف على الانتهاء من المعارك إلا أننا متأكدون من قدرتنا على تخطي المأزق إذا ما استقر الوضع السياسي وتحرك السوق, ولكن يبقى السؤال: لماذا تم مسح أضرار اشتباكات التبانة وجبل محسن خلال ثلاثة أيام والتعويض خلال أسبوع واحد؟ ونحن تركنا دون تعويض مع أنّ خسائرنا كانت ضخمة ونحتاج إلى وقت طويل لاستعادتها, ولما حصلنا على تعويضات الهيئة العليا للإغاثة كانت ضئيلة جداً ولا تتناسب وحجم الأضرار فهي لم تتجاوز الثلاثين مليون”.
وجد طلاب الجامعات والمدارس صعوبة في معايشة الوضع الذي نتج عن المعارك, فكان عليهم أن يتنقلوا وسطالأخطار من أماكن سكنهم في المناطق العكارية إلى الجامعة اللبنانية في طرابلس. رانيا في السنة الجامعية الثالثة أخبرتنا عمّا عانته قائلة: «نحن لم نغادر منازلنا سوى في اليوم الأول للمعارك شئننا بذلك شئن باقي العائلات التي تسكن في قلب الضيعة, ولكن الأمر لم يكن بالسهل إذ أن أصوات القذائف كانت مسموعة بشكل مزعج ورصاصات القناصة أصابت العديد من المنازل» وبالشأن الدراسي «أجرينا الامتحانات في أواخر المعركة التي انحصرت داخل القسم القديم للمخيم, بحيث أصبح الوضع أكثر أماناً واستطاع الطلاب الدراسة وان لم يكن بنفس الاستعداد الذهني والنفسي المطلوب كما أن سهولة أسئلة الامتحان راعت الظرف الذي نعيشه وساعدتنا على تخطي الأمر» أما بالنسبة للخسائر والتعويضات «كانت خسائرنا تقتصر على ضياع جزء من الموسم الزراعي, وقد قبضنا 4 مليون بعد انتهاء الحرب مباشرة».
ينقسم اقتصاد المنطقة بين التجارة والخدمات من جهة, والزراعة من جهة أخرى فالحاج محمود هوأحد المتضررين من الجهتين فهو يملك محلات على الطريق العام وأراضي زراعية في حقول الضيعة وبسؤاله عن الأضرار أجاب «أكبر خسائري كانت في الزراعة فقد أدت الحرب إلى إتلاف الموسم الذي كان في بدايته ولأن المعارك استمرت لفترة طويلة لم نستطع تعويض ما خسرناه فالبيوت البلاستيكية المزروعة بالخيار والباذنجان قد أتلفت إما بفعل القذائف التي سقطت عليها وإما بفعل عدم قدرتنا على الاعتناء بها, كما أن موسم الأشجار المثمرة كالخوخ لم نستطع قطافه فتساقط أرضاً, وكذلك فان نحو 22 قفراً من النحل قد أصيب وبالتالي فقدناه» وبالنسبة للأضرار الأخرى «كل أبنائي يملكون محلات على الطريق العام: حلاقة, نجارة ومختبر أسنان, وكلها فقد جزء من معداتها وأتلف الجزء الآخر» أما عن التعويضات فأجاب: «جاءت لجنة مسح عسكرية كشفت عن الأضرار وذهبت ولم يأتنا شيء من قبلها, ولكننا ما زلنا نسمع حتى ألان بأن التعويضات ستأتي ولو بعد حين, أما بالنسبة للحكومة فلم يرشح أي مندوب عنها ولكننا تلقينا معونات غذائية ومبلغ 2 مليون ل.ل. من مؤسسة الحريري» وعن إعادة التأهيل والأعمار قال: «كوننا قريبين من المخيم فلقد استفدت من المنازل التي أملكها للإيجار, إذ أجرتها للفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم, وبالتالي فان المردود قد ساهم بتعويضنا جزء مما خسرناه”.