نظم “مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية” ندوة عن “خدمة العلم” حاضر فيها العقيد الدكتور محمد رمال وحضرها ممثل قائد الجيش العقيد عفيف شعيتو وضباط متقاعدون وصحافيون وممثلون عن منظمات شبابية وطلابية ومهتمون.
بداية كانت كلمة لمستشار المركز الدكتور رغيد الصلح فلفت إلى أن حادثة عين الرمانة وما رافقها من ردات فعل ومشاكل شكلت إشارات ضمنية، إلى الفارق بين التحديات المتفاقمة التي تواجه الجيش اللبناني ومحدودية الإمكانيات التي يملكها.
ورأى أن إقرار خدمة العلم منتصف السبعينيات جاء نتيجة قراءة صحيحة للمسؤولين اللبنانيين في ذلك الوقت بعد أن وجدوا أن الفارق كبير بين حاجات السلامة الوطنية من جهة، والإمكانيات المتوفرة للقوات المسلحة من جهة أخرى، لكن هذه الفجوة بدت وكأنها غائبة عن الذين اندفعوا خلال عامي 2005 و2007
وختم الصلح بطرح أسئلة حول مدى إمكانية علاج الإنتقادات الموجهة إلى خدمة العلم عن طريق إدخال تعديلات على قانون هذه الخدمة أو عبر إلغاء القانون برمته، وإذا كان هناك من سبل بديلة تحقق الغايات المتوخاة من خدمة العلم.
العقيد رمال
ثم تكلم العقيد رمال فقدم شرحا مسهبا عن خدمة العلم والأسباب الموجبة لها والإعتراضات عليها والإقتراحات التي قدمت في سبيل تعديلها. ورأى أن خدمة العلم كانت تشكو من عدم وجود حملة التوعية المرجوة، وأن حسْم الجدل الناشئ حول جدواها لا بد وأن يسلك الإتجاه الذي يبين طبيعة دورها الوطني، والمعوقات التي قد تحول دون تحقيق هذا الدور، وكيفية مواجهة هذه المعوقات.
وقال رمال “إن منطقين رافقا مسيرة خدمة العلم، ولازما مراحل تطبيقها حتى إلغائها في العام 2007: الأول وضع خدمة العلم في مصاف الثوابت الوطنية التي يتمسك بها النظام السياسي، والثاني وضع الدولة جانبا، والتصق أكثر بالشرائح الشعبية، ولفت إلى أن الإختلاف في النظرة يشير في الأساس إلى اختلاف في ترتيب الأولويات الوطنية بين مصلحة الدولة ومصلحة المواطن”.
وشدد على أن نتائج الدراسات التي قامت بها المراكز الإحصائية ووسائل الإعلام وقيادة الجيش أظهرت أن الشاب اللبناني، سواء كان مدعوا للخدمة أو خاضعا لها، لا يرفض الخدمة بالمطلق، إنما لديه تحفظات على الطريقة التي تتم فيها هذه الخدمة. واعتبر أن هامش الحرية الواسع الذي يتمتع به الإعلام اللبناني سمح لوجهات النظر المعترضة أن تصل بفعالية إلى المنتديات السياسية والشعبية، فتكون رأي عام شبابي حول ضرورة إعادة النظر في هذه الخدمة. ولفت إلى أن السلطة السياسية تشترك في المسؤولية من خلال عدم وضْع خطة رسمية على صعيد الدولة، تشترك فيها الوزارات المعنية، وتهدف إلى شرْح الأبعاد الوطنية لخدمة العلم على الصعيد الشخصي والوطني، وتهيء الشباب لتقبل فكرة الخدمة من دون مواقف مسبقة. وأضاف أن الواقع الذي يسود العائلة اللبنانية هو واقع لا ينظر بالإجمال إلى خدمة العلم على أنها عامل إستثمار شخصي ووطني، بل أنها محطة ينسلخ فيها الإبن عن ذويه قسرا، وربما إلى المجهول. وأكد أن أخطر ما واجهته خدمة العلم هو حصْرها في الشق المادي فقط، وتجاهل إحدى أهم غاياتها، تلك المتصلة ببناء الشخصية الوطنية.
وعدد رمال الأسباب الموجبة التي تمسكت بها وزارة الدفاع وقيادة الجيش في دفاعهما عن خدمة العلم، لجهة الحاجة إلى عديد المجندين، ولجهة إيجابيات الخدمة على الصعيد الوطني والإقتصادي، فضلا عن بالجهوزية العملانية ودعم السلم الأهلي، والمحافظة على الإستقرار العام، وتحقيق الوحدة الوطنية، والتهديدات الإسرائيلية. ولفت إلى أن من بين الأسباب الموجبة وإنْ لم يتم التعبير عنه صراحة في حينه، التوازن الطائفي داخل الجيش. وكشف عن دراسة أعدتها قيادة الجيش حول نسبة الوفر الذي تحققه خدمة العلم للإقتصاد الوطني، إذ أظهرت أن فارق الرواتب السنوية إذا استبدلنا 28 ألف مجند ب28 ألف متطوع هو 117,600 مليار ليرة. وفارق المساعدات المدرسية إذا اعتبر أن لكل عائلة ولد واحد في المدرسة، هو 14 مليار ليرة سنويا. وفارق كلفة الطبابة إذا كانت العائلة من 4 أشخاص هو 14 مليار ليرة سنويا. وبذلك يكون الوفر الذي يحققه تجنيد 28 ألف فرد سنويا: 145,600 مليار ليرة.
وقال إن من بين فوائد خدمة العلم في السلوك الإجتماعي التنشئة الإجتماعية والمتمثلة بسلسلة المحاضرات وجلسات التوعية، ما يحصن المجند إلى حد ما بوجه الآفات الإجتماعية، كالإدمان ولعب الميْسر والإنتحار والسرقة والشذوذ والجريمة… وأكد أن خدمة العلم توحد المجندين في مرجعيتهم القيادية، وفي حياتهم اليومية، كما توحد نظرتهم إلى الوطن والجيش، وتساهم في عملية الإندماج الوطني، بحيث يصبح الشبان مستعدين لتقبل فكرة الولاء للجيش. كذلك عندما يلتقون على أهمية السلم الأهلي والأهداف الوطنية الأخرى، فسيتغير لديهم مفهوم الإنتماء، وإن لم يكن هذا التغيير كاملا.
وذكر العقيد رمال بأن البدل المادي مقابل الإعفاء والذي اعتمد في بدايات خدمة العلم أدى إلى ردود فعل سلبية لدى المواطنين، إذ سارع الميسورون إلى دفع البدل وبدا وكأن قانون خدمة العلم يميز بين المواطنين على أساس طبقي وقال إنه يعرف حالات استدان فيها مواطنون حالتهم المادية ليست جيدة مبالغ من أجل دفع البدائل المادية لإعفاء أولادهم من خدمة العلم. واكد أن لا يجوز أن يكون الدفاع عن الوطن حكرا على فئة واحدة.
ولفت إلى أن الأجواء التي أحاطت بخدمة العلم منذ إنطلاقها قد مرت بفترات حرجة، شهدت خلالها حملات منظمة وموسمية، كانت على صلة بحركة الواقع السياسي. وأضاف أن في سنوات 1999،2000،2001 و 2003 تركزت الحركة السياسية والشعبية على مدى جدوى الخدمة العسكرية.
وردا على مداخلات الحضور شدد العقيد رمال على أن الجيش ليس طائفيا لكن التوظيف يخضع للتوازن الطائفي على قاعدة 6 و6 مكرر بحسب ما هو معمول في أجهزة الدولة، لكنه أشار إلى أن بعد الدخول إلى المؤسسة العسكرية يحاسب الجندي على أساس إنتاجيته ومدى إخلاصه وولائه للمؤسسة بغض النظر عن انتمائه، فيرقى من يرقى ويحاسب من يحاسب. وإذ لفت إلى أن الحرب تركت آثارها على المجتمع اللبناني ذكر أن أطروحته التي تمحورت حول خدمة العلم وكان عنوانها “خدمة العلم ودورها في بناء المواطنية” تضمنت أمثولات عدة على التعايش في داخل الجيش والصداقات الحقيقية التي نشأت بسبب خدمة العلم.
وأشار إلى أن العسكريين يتكبد مشقات أكثر بسبب المهمات الكثيرة التي يكلف بها لحفظ الأمن ومنع الفتن في أكثر من منطقة، وقال لو أن خفض السياسيون مستوى التشنج في خطابهم السياسي لارتاح العسكريون من تبعاته وانصرفوا إلى تدريبهم والإهتمام بجهوزيتهم. وأضاف أن العسكريين عندما يكلفون بحفظ الأمن في منطقة متوترة فإن لا مكان يبيتون فيه أو يآوون إليه.
ولفت إلى أن العودة إلى مخيمات التدريب العسكري التي كان ينظمها الجيش للطلاب قبل بدء الحرب في العام 1975 ربما تشكل إحدى البدائل لصيغة العلم، كاشفا أن الفوائد من المخيمات الصيفية التي كانت تنظمها قيادة الجيش للطلاب الجامعيين وشارك في إعدادها كانت كثيرة، حيث كانت تشهد نقاشا حرا بين الشباب الآتين من بيئات مختلفة.
وشكر ممثل قائد الجيش العقيد شعيتو لمركز عصام فارس للشؤون البنانية مبادرته إلى طرح النقاش حول خدمة العلم ووعد بنقل أفكار الحضور لتعديل صيغة خدمة العلم إلى قيادة الجيش.