ما عادت المسلسلات العربية تعرض من أجل تمضية الوقت والتسلية وحسب وانما باتت هادفة وذات تأثير في المجتمعات العربية ولها انعكاساتها بما هي ايضا تعكس واقع هذه المجتمعات لا سيما الدراما السورية التي اصابت عمق المجتمعات العربية وعكست ما تعانيه من تفكك في الروابط العائلية، وطغيان المادية على ما عداها في العلاقات بين الناس وحتى بين أقرب المقربين ..
“زمن العار” مسلسل سوري واحد من هذه المسلسلات عرضت فيه المخرجة رشا شربتجي وكاتبي المسلسل حسن سامي يوسف ونجيب نصير قضية تفكك الروابط الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية في بيئة واحدة وحارة واحدة.. كيف يتخلى الجار عن جيرانه من أجل إرضاء ابنه ومهادنته في مسيرة الطمع والجشع.. ولم تنس المخرجة التي حولت النص الادبي الى واقع أن تسلط الضوء على ما يحدث في أروقة الدوائر الحكومية من ابتزاز ورشاوى بغية تحقيق الثراء السريع غير الشرعي .. ونجحت شربتجي في نقل المشاهد المتابع للمسلسل الى الحارات العشوائية المنسية من المعنيين وحرمانها من المشاريع الإنمائية والاجتماعية التي تعزز موقعها في العاصمة ، إضافة إلى تسليط الضوء على ضواحي العاصمة ومعاناة سكانها من انقطاع المياه بشكل دائم وتقنين التيار الكهربائي لدرجة أنها كانت تصور حركة الحياة اليومية في اي حي من احيائنا الشعبية ..
الأحداث الرئيسية في “زمن العار” تدور حول قصة فتاة تدعى بثينة من عائلة متوسطة الحال وهذه الفتاة عاشت زهرة حياتها بين خدمة والدتها وتلبية حاجات أشقائها وما بين الطبخ وتنظيف البيت، والمكان الوحيد الذي تذهب اليه هو زيارة رفيقة الطفولة لتكتشف بعد فترة تعلق زوج هذه الرفيقة بها ، وبسبب وصول بثينة الى العقد الثالث من عمرها ولم تعرف يوماً رجلاً أحبها او حتى شعرت أن لها متطلبات كباقي الفتيات تجاوبت في علاقتها مع زوج رفيقتها ليصلا الى زواج عرفي انتهى بعد أيام بسبب خوف بثينة من أن تكتشف عائلتها علاقتها غير الشرعية وقررت أن تطوي هذه العلاقة إلى الأبد لكن عوارض الحمل بدأت تظهر عليها لتعيدها الى مأساة جديدة بين والدتها طريحة الفراش وتأمين المال من أجل اجراء عملية الاجهاض لتكتشف أن الدنيا لا يزال فيها الخير ، وها هي زوجة شقيقها تساعدها وتحميها. أما الوالد الذي اكتشف أنه بعد أحدى عشر سنة أن طاقته على التحمل والصبر نفذت كليا فوطد علاقته بالممرضة التي طالما ساعدتهم في مرض زوجته لكن ساعات الانتظار انتهت بقتل زوجته وبدل أن يعذبه ضميره بدأ يفكر كيف يحاسب ابنته على ارتكابها خطيئة الحب الذي حرمها منه برفض كل من تقم في طلب خطبتها وحرمها من التمتع بأنوثتها من أجل راحته وراحة أشقائها الذين تابعوا مسيرة حياتهم فتعلموا وتخرجوا وتوظفوا الا بثينة التي انتهت حياتها وتوقفت لتعين والدتها.
ربما لم تقدم الرواية شيئا جديدا في عالم الدراما السورية رغم انها تحكي قصة قد نجدها معاشة في أي حي من احيائنا ، انما المشاهد الحيّة التي التقطت في الشوارع والساحات العامة والضواحي تشير الى أن الحياة مستمرة.. كذلك ساهمت المخرجة رشا شربتجي في تسليط الضوء على المرأة العربية وعلى انتقاص حقها في المجتمعات العربية رغم دخولنا في الالفية الثالثة وأنه رغم تحرر المرأة من القيود الخارجية الا أنها ما تزال مقيدة بالعادات والتقاليد الراسخة في عقلية الذكور.. ها هي بثينة تنتظر نهايتها اما على يد والدها أو شقيقها أو حتى من وهبته جسدتها ليتهمها هو الاخر بالخيانة. فالرجل الذي وثقت به واعتقدت انه وحده من يستأهل الثقة يشكك في اخلاصها وحبها لتنتهي العلاقة التي لم تبصر النور.
المخرجة شربتجي ابدعت في تسليط الضوء على نظرة المجتمعات العربية الى المرأة وتحميلها اكثر من قدرتها من عذابات وألم وتحميلها كوارث البشرية كلها.. فهل تكون نهاية بثينة تحت الارض أم أنها تجد الانسان الذي ينتشلها من الوحل ويعيدها الى الحياة من جديد…
دموع الاسمر