شوارع طرابلس تعلوها زينة رمضان .. ولافتات هنا وهناك تمجد شهر الخير والبركات، والمحلات تستعد منذ الآن لعيد الفطر، والعائلات يوميا منهمكة بإعداد موائد الافطار، أما الجمعيات والهيئات وحتى الشخصيات فقد بدأت بالتحضير لإفطارات منها من يطلق عليها إفطارات خيرية فتكون مناسبة لجمع التبرعات ومنها ما يتحول الى مناسبة سياسية تلتقي فيها على مائدة رمضان شخصيات متخمة.
في شهر رمضان تتخذ المدينة طابعها الرمضاني بامتياز وتصبح الحياة كلها مرتبطة بمواعيد الإفطار والسحور، والصائمون لا حديث لهم سوى لائحة الطعام اليومية وتأمين مواد الإفطار.
جولة في المدينة لا سيما في سوق الخضار أو عند محلات المواد الغذائية وأمام القصابين والاهم جولة في الأسواق الداخلية للمدينة فأنك ستلاحظ ذاك المشهد اليومي للازدحام الشعبي لتأمين الفطور والإقبال على شراء شراب الخرنوب والعرقسوس والتوت.
كما الاقبال على الحلويات الطرابلسية الشهيرة وقلما تجد صائما لا يحمل بيديه الحلوى والشراب الرمضاني ومستلزمات “الفتوش” قبيل موعد الإفطار.
المشهد الرمضاني في طرابلس يبقى مميزا خاصة بموائده التي تتوزع بين الأحياء الشعبية والمطاعم ن ويزداد المشهد تمايزا بُعيد الإفطار حيث تتدفق الحياة في شرايين المدينة ليلا فيتحول ليل المدينة إلى حركة ناشطة أين منها حركة النهار، فنلحظ الشبان والكهول زرافات ووحدانا يتجهون نحو المساجد لأداء صلاة العشاء والتراويح، والبعض الآخر يتجه نحو المقاهي التي تفتح أبوابها حتى ساعات السحور.
فـ “قهوة موسى” باتت معلما طرابلسيا بارزا تكتظ بالرواد وأصوات النارجيلة تعزف ألحانها حتى السحور الذي يحلو بالفرن القريب من المقهى، وقد تحول الفرن الى ملتقى السياسيين من وزراء ونواب وحتى الأدباء والشعراء من طرابلس ومن بيروت الذين يقصدونه في ساعات السحور فيلتفون حول “بيت النار” لتناول “كعكة الجبنة” طازجة ساخنة شهية.
أما السمة البارزة في المدينة فهي مدفع رمضان الذي يدوي معلنا أوان الإفطار وهو تقليد تجاوز المائة عام حيث جرى تركيزه في القلعة.
والجميع في المدينة متفق على أن رمضان شهر الخير والبركة، فتجد الميسور يتبرع بزكاة ماله وترى من يقيم موائد لعائلات فقيرة يختارها كما ترى من يوضب موادا غذائية ويرسلها الى بعض العائلات في هذا الحي او ذاك.
(كل ذلك يحصل في شهر رمضان كل عام وكأن الفقراء والمعوزين لا يأكلون ولا يحتاجون للمعونة إلا في هذا الشهر أما بقية أشهر السنة فيمضي الفقير أيامه لاهثا خلف الرغيف وقد يدركه أو لا يدركه).
هذا برأي ابو خالد الرافعي الذي أعرب عن اعتقاده أن الإنفاق في شهر رمضان لم يعد كما كان في الزمن الذي مضى عبادة وتقربا من الله وتقوى وتطبيقا للشريعة، بل بات للوجاهة وكي يكون حديث الساعة، والمسلمون يعلمون أن من يعطي يجب أن لا تدري اليد اليسرى ما أعطت اليد اليمنى، أما االيوم فالعطاء يترافق “بطنة ورنة” صور وإعلام وكلمات وما الى ذلك.
أما زهير الضاني فيرى أن البذخ الذي يحصل في رمضان كان الأولى بتلك المؤسسات والجمعيات وحتى الشخصيات أن تتوحد جهودهم ويتوحد كرمهم بمشروع يكون عنوانه:
“محو الفقر ومحاربته” وتبدأ الحرب على الفقر بالقضاء على البطالة وتوفير فرص العمل لألوف الشبان ولأرباب العائلات التي لا تجد ما يسد رمق الأطفال طوال عام بكامله وليس في شهر رمضان وحسب.
الحاج جلال… لفت بدوره الى أن مكاتب “بعض الزعماء تغلق الأبواب في وجه المحتاجين فعلا ويدعون أنهم رمز العطاء في حين أن عطاءاتهم لا تسمن ولا تغني عن جوع، وإذا كان عطاؤهم في رمضان فليس إلا من باب “البروباغاندا” ليس إلا…
السيدة أم زاهر الحموي قالت
: رمضان شهر الخير والبركة والرحمة، لكن ليس هناك من يرحم، الاسعار تتضاعف في رمضان وصحن الفتوش أغلى من أي صحن في العالم ولا من يراقب او يحاسب، و ليس هناك ضمير او رادع ديني لدى من يستغلون هذا الشهر ليضاعفوا من ارباحهم وكأنهم يريدون تشويه قيم رمضان وشعاره كشهر خير وبركة.
وتختم أم زاهر حديثها داعية الى مراقبة جدية للأسعار، وليس مجرد كلام في الأعلام كي يعود الشهر شهر رحمة وليس شهر نقمة على الفقراء الذين باتوا يئنون من وطأة هذا الشهر ومن عيده فيتحول الى غم وهم ّ. بدل أن يكون شهر فرح ومحبة وخير.
دموع الاسمر