كل المؤشرات في مدينة طرابلس توحي بأن المدينة عادت ساحة تنوع سياسي ومساحة للرأي والرأي الاخر مستعدة دورها على مختلف الاصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ولم تعد هذه الساحة مصادرة من تيار سياسي عرف بأسلوبه الالغائي منذ عشر سنوات، كما لم تعد ساحة لمنظمات تكفيرية الغائية، فكل ما في المدينة من هيئات ومنظمات واحزاب تبدي اليوم ارتياحها الى ما آلت اليه طرابلس في ظل الامن والاستقرار الذي تعيشه.
التيار الازرق الذي ظن لسنوات انه الاقوى على الساحة الطرابلسية بل وظن ان المزاج الطرابلسي سيبقى ازرقا الى الابد، فاذا به يجد نفسه يقف فوق ارض هشة نتيجة اداء ورط الطرابلسيين بانقسامات وحروب داخلية دفع ثمنها ابناء طرابلس من دمهم وارزاقهم، فاذا بالطرابلسيين يدفعون التيار الازرق ثمن ما ارتكبه.
تلاحظ اوساط طرابلسية ان التيار الازرق يسعى من تحت الطاولة لعقد توافق مع تيارات المدينة السياسية وفي الطليعة تيار الرئيس ميقاتي بعد ان بات مقتنعا بان هذا التيار نجح في التمدد الشعبي الواسع وشهد انتقال العديد من صفوف المستقبل الى صفوف تيار العزم لسبب رئيسي هو حسن الاداء السياسي للرئيس ميقاتي وتياره ومصداقيته في العمل الشعبي. وقد تلمس الطرابلسيون ذلك في جس نبض الشارع الطرابلسي خلال الجولة الشعبية التي قام بها الرئيس ميقاتي في اسواق طرابلس الداخلية بينما محاولات امين عام تيار المستقبل احمد الحريري في تتفيذ جولات له لم تلق الصدى الشعبي المطلوب.
حتى ان هذه الاوساط توقفت امام الاستقبال الشعبي العفوي الذي جرى لقائد محور ستاركو سعد المصري مقارنة بالاستقبال الذي لقيه الرئيس سعد الحريري في زيارته الاخيرة الى طرابلس. وتقول هذه الاوساط ان الحريري اصيب بصدمة نتيجة ما لقيه من برودة شعبيه على غير عادة الطرابلسيين. وهذه الاوساط باتت تقول شتان ما بين سعد وسعد. ذاك زعيم تيار ورئيس حكومة سابق وهذا قائد محور ومجموعات شعبية احبطها تيار المستقبل ومارس عليها اشكال من الوعود والتوريط. علما ان سعد المصري محسوب من انصار تيار الرئيس ميقاتي الذي لم يفرط به منذ ان اوقف والى حين الافراج عنه.
حسب المصادر ان لا مشكلة للرئيس ميقاتي في نسج علاقة تنسيق بينه وبين سعد الحريري في حال كان هذا التنسيق لمصلحة المدينة والمصلحة الوطنية العامة. ولعل من مصلحة الحريري ان يمد جسور التعاون مع ميقاتي في المرحلة المقبلة لكن وحسب المصادر ان هذا الامر لن يتحقق طالما الحريري يعتقد انه التيار السياسي الاول على مستوى الطائفة السنية وعلى مستوى لبنان كله متجاهلا ان هذا الامر لا ينسحب على واقع طرابلس حيث بات الرئيس ميقاتي هو القوة الشعبية الاولى، ومن يريد دخول طرابلس عليه ان يدخلها من بابها العريض باب ميقاتي المفتوح للجميع. خاصة وان ميقاتي لم ينهج سياسة الالغاء ولا سياسة تحجيم الاخر كما لم يقدم في حياته السياسية على شتم الخصم السياسي كما فعل تيار المستقبل ونوابه وقادته.
وربما خفي ايضا عن الرئيس الحريري ان الوزير فيصل كرامي لا يستطيع الانسلاخ عن ثوابته الوطنية والقومية رغم كل محاولات الحريري لكسبه الى جانبه معتقدا ان جذب كرامي اليه سيشكل خسارة لميقاتي وتطويقا سياسيا له. علما ان كرامي يحرص على علاقات الود والاحترام بينه وبين الحريري بمعزل عن السياسة والتحالفات السياسية المقبلة. وهنا ستكون طرابلس منحازة الى قياداتها السياسية التي لم تمارس في تاريخها فعل الالغاء للاخر والتي لم تتورط بدماء الطرابلسيين ولا بتخريب بناها ومؤسساتها وحركتها التجارية.
الديار _ دموع الاسمر