الشريف في بلدنا يتعذب والسينما تحتاج لدعم يفوق ميزانية الدولة لوزارة الثقافة، فكيف سننتج افلاماً تنافس الغرب، والعلة واضحة كالشمس أنها في الانتاج. معاناة كل فنان ا وموهوب لبناني اختصرها صديق المحتاجين وملك الأفلام الوثائقية دون منازع، انه السينمائي جان شمعون، ذلك الرجل الذي رفع اسم لبنان عالياً في مختلف الدول، حصد الجوائز فه و”الرجل المهرجان”. كرم كغيره من الفنانين في وطنه، عرض افلامه التي دخلت في عمق المسألة الفلسطينية على اكثر من 90 محطة عالمية.
شمعون الذي يعتبر نفسه مستقلاً، تميز بواقعية عمله وبصدقه في نقل وجع الناس وهمومهم وه والمعروف عنه بالوطني.
صدى عكار استقبلته في مكاتبها حيث أجرت اللقاء التالي:
ما هي حقيقة الرجل المهرجان؟
التسمية بدأت في العام 1976 حيث اتفقت انا وزياد الرحباني ان نقدم برنامجاً اذاعياً ساخراً سمّي “بعدنا طيبين … قول الله”. ينقد الواقع بشكل ساخر، وكان لي صديق سينمائي وكاتب يدعى “فجر يعقوب” أصدر كتاباً عني سماه “جان شمعون… الرجل المهرجان”.
وحقيقتك انت؟
مررت بكثير من المراحل، اعتمدت فيها على الاستقلالية، وخاصة في مجال السينما، بعد تخرجي من فرنسا عدت الى لبنان وعملت في وزارة الثقافة (كانت وزارة الاعلام حينها)، ثم طرحت فكرة على تلفزيون لبنان بـ”الناس والأحداث”، وذلك في بداية الحرب الاهلية وقررت ان تكون شخصيات البرنامج ممن يكدحون ليأتـوا بلقمة العيش.
البرنامج كان يومياً وكنت اجول في بيروت بحثاً عنهم في الأحياء الفقيرة، وكانت الجرأة في تعبيرهم عن مآساتهم هي الميزة التي اصررت على ان تبقى، كان همي ايصال صوتهم، خاصة في عهد لم تكن هناك “سلطة”.
بعدها تعرفت عبر صديقي الشاعر جوزف حرب على زياد الرحباني. وكانت فكرة البرنامج الإذاعي الساخر “بعدنا طيبين … قول الله”. وقد اعتمدنا على أسلوب “النكتة والمسخرة” في يومياتنا.
اسلوبه الساخر في الحديث يجعلك تتوقع اجوبة “لا على البال ولا على الخاطر”. وهو المعروف بابتسامة يرف لها القلب وبوجه بشوش يشعر فيه المحاور، وكأنه مع صديق حميم له.
قررت الدخول الى عمق “شمعون” المتمرد والواثق من نفسه فسألته:
انت من الجيل المؤسس للسينما في لبنان بالاشتراك مع برهان علوية ومارون بغدادي.
فقاطعني مستنكراً: لا أنا اختلف عنهم ومستقل، ولكل منا اسلوبه، بالإضافة الى الاستمرارية التي جعلتني بين الناس، فالسينما والناس لا يفترقان. السينما ان لم تكن ملتصقة بالواقع اليومي للناس وبقضاياهم ومشاكلهم وطموحاتهم فليست سينما، فأنا جزء من هذا المجتمع ويجب أن أعرف لأعرّف الناس بأهمية هذا النوع من السينما الواقعية.
اذاً ما الجديد الذي طرأ في انتاجك للسينما؟ وما الذي يميزك؟
الجديد هو الاسلوب، في بداياتي كنت اعمل ببساطة، اما الأن فأختار الفكرة المعقدة التي تنتج اسلوباً معقداً، وذلك بسبب الخبرة، وكل انسان لديه الميزة التي يختلف بها عن الآخر، وكيف يعبر عن فكره، فالهدف من اختيار شخصية ألا تكون عادية وبسيطة، هي للوقوف عند معاناة هذه الشخصية ونضالاتها مع ذاتها ومع المجتمع وهذا ما جعلني أحصد الكثير من الجوائز، وان تعرض اكثر من 90 محطة تلفزيونية في العالم احد افلامي، وهذا التكريم هو الداعم لنشاطي الذي يدفعني لأكمل رؤيتي السينمائية التي هي جزء من المجتمع.
افلامك تعتمد على الواقعية، كيف تقنع أبطال القصة الحقيقية في تجسيد واقعهم؟
طبيعة علاقتي بالشخصيات، فانا اتعرف عليهم واتقرب منهم قبل البدء بكتابة سيناريو الفيلم وبعد دراستي للشخصيات وللقصة ومدى صدق وواقعية تجربتها ابدأ الكتابة كتجربتي في فيلم “كفاح عفيف”.
ألا ترى أنك تؤذي مشاعر الأبطال عندما تجعلهم يعيدون واقعهم؟
لا على العكس، فهم يفرحون بإعادة الأحداث وكيف انتصروا عليها، فهم لهم الشرف بالتكلم عن تجاربهم.
- كيف تصنف تعاملك مع قناة الجزيرة الوثائقية؟
اتفقت مع الجزيرة بعد الجائزة الذهبية عن فيلم “ارض النساء”، وبالاشتراك مع زوجتي “مي المصري”. وهي سينمائية ايضاً، فاقترحت عليها باعادة اكتشاف شخصيات الأفلام القديمة بهيئتهم الجديدة، والجزيرة تعمل على عرض الفيلم القديم للشخصية ثم تعرض الجديد للشخصية ذاتها.
- انتهاجك السينما الملتزمة والجادة أثر سلباً على مسيرتك وعلى إنتاجك؟
أبداً فتجربتي هي عن قناعة ولم تؤثر، فالمبادرات كنت أقوم بها بكل حرّية، فقد بادرت باتجاه المخيمات الفلسطينية وتطوعت في مؤسسة السينما الفلسطينية وعملت افلاماً عن فلسطين وعن اللاجئين في المخيمات في لبنان وعن حق العودة. وفي كل فيلم يكون فيه جزء من المعاناة الفلسطينية واللبنانية.
– نرى ان معظم افلامك هي من انتاج اجنبي، فالى اي مدى ترى ان الانتاج اللبناني لم يضع نفسه بعد على الخط السينمائي؟
صحيح فنحن نتعاون مع شركات عالمية، وهذا فلكلور قديم في السينما اللبنانية
والسبب ليس فقط ضعف في الإنتاج، بل لأن حاجاتنا في الانتاج أكثر من غيرنا وتكاليف الفيلم غالية الثمن وفي لبنان يعتمد نسبياً على وزارة الثقافة التي تعتمد على ميزانية ضئيلة جداً، كما ان الانتاج المشترك الداخلي ضعيف لذا نضطر الى الاتصال بمؤسسات خاصة ورسمية عالمية كالاتحاد الاوروبي.
- اذاً متى ستصبح السينما اللبنانية موازية للسينما الأخرى العربية والعالمية؟
في اعتماد سياسة انتاجية في البلد، بالإضافة الى تأسيس شركات إنتاج جدية تساهم في انتاج افلام لسينمائيين لبنانيين، والاهم ايضا هو تجهيز استديوهات للتحميض فلا نصطر بعدها للذهاب الى اوروبا للتصوير.
- لما لا يقدم طلب للوزارة بهذه الحاجيات، إن كان عبر النقابة او كطلب فردي؟
انا لا دخل لي بالنقابة، والدولة لا تقدم الا المساعدات الرمزية.
- بعد 30 عاماً من النضال السينمائي ماذا تقول لجيل السينما الجديدة من مخرجين وطلاب؟
اتمنى لهم النجاح وان يتحدوا مع بعضهم لبناء المشاريع، فالسينما مليئة بالمشاكل والسؤال الرئيسي الذي يجب ان يطرحوه على انفسهم هو كيفية بناء انتاج وطني حقيقي ذا بعد استرتتيجي لبناء سينما مهمة، وذلك للجيل القديم والجديد.
- هل ترى بين المخرجين الجدد من سيكون نجما؟
لما لا فانا لست بمتشائم وأحلم بانه سيأتي يوم فيه جيل من السينمائيين سيحققون احلامهم بإنتاج وإخراج الافلام في لبنان، لذا أقول بان التضامن بين المنتجين والمخرجين لبناء استراتيجية هي الطريق السليم للوصول، وهنا يبدأ النجاح الحقيقي لبناء تراث لبنان في عالم السينما.
- أين أصبح مشروع تنفيذ فيلم عن فكر سعادة؟
ـ مشروع أوقفه الاجتياح الإسرائيلي. وانا بنظري ما زال قائماً ولكن ينقصه الدعم.
- ولكن سوق الوثائقيات غير منتشر كالروائي ويختصر على شاشات التلفزة، فكيف تسعى لانتشار افلامك الوثائقية؟
ولكن لم يوزع فيلم وثائقي على 90 قناة تلفزيونية كفيلمي “احلام معلقة”، فليس المهم ان يكون الفيلم روائياً ووثائقياً، إنما الاهم هما النوعية والاسلوب.
- نسمع دائماً بالجوائز المدفوعة الثمن وآخرها الموركس دور، فأين أنت منها؟
لم أسمع بحياتي عن الموركس دور وأول مرة أسمعها منك ثم سأل إن كانت هذه الجائزة لبنانية، وأضاف: جيدة تعطي معنويات للمشتركين، صراحة انا لا اعرفهم، وعندما كررنا السؤال عن شراء الجوائز، قال: “في هذا البلد… يا حبيبي شي طبيعي، ما بهيدا البلد كلو بيشتري وببيع وهيدي مهزلة، فالجائزة يجب أن يأخذها الأفضل ويجب ان تقدم من شركات. وهذه فضيحة”.
- ما هو حلم “جان شمعون” المستقبلي؟
حلمي أن أطور عملي بشكل اوسع على صعيد الوطن، أي فيلم أنفذه بعد عرضه يصبح ملكاً للجمهور الذي أحترمه وأقدر رأيه.
- وما هو جديدك؟
ـ بعد “حنين الغوردل” الذي نفذته للجزيرة أنهيت تصوير “مصابيح الذاكرة”، الذي يكتشف شخصيات أهالي المخطوفين خلال الحرب اللبنانية وقسوة وضعهم وعن اعتصامهم في الأسكوا ومحاولتهم لمعرفة أين دفن أطفالهم وازواجهم واقرباءهم وهو يكمل فيلمي السابق “أحلام معلقة” الذي يتكلم عن الأهالي، الفيلم هو أيضاً بمشاركة زوجتي مي المصري.
اليسار نافع