ضمن سلسلة نشاطاته الموسيقيّة الأكاديميّة، قام “بيت الموسيقى” في جمعيّة النّجدة الشّعبيّة اللّبنانيّة – فرع عكّار، بمنح شهادة الدّبلوم الأولى في الغناء العربيّ الأصيل للطّالب رهيف الحاج على شكل أمسية موسيقيّة مشرقيّة عربيّة علنيّة.
وبحضور حشد من محبّي هذا الفنّ الأصيل، وحضور رئيس فرع عكار الأستاذ جورج الضهر والأعضاء ، ونائب رئيس الجمعيّة في لبنان،الدكتورة نهاد منصور ، والإعلامي منذر المرعبيّ من تلفزيون لبنان، وطلاب وأساتذة “بيت الموسيقى” في قسميه المشرقيّ العربيّ والغربيّ الأوروبيّ، افتُتح اللّقاء بالنّشيد الوطنّي اللّبنانيّ بحلّته المشرقيّة من أداء أساتذة “بيت الموسيقى” من مقام الرّاست.
ثمّ كانت كلمة لمدير عام “بيت الموسيقى” الدّكتور هيّاف ياسين الّذي رحّب بالحضور عمومًا، وعرّف بالنّظام الموسيقيّ الأكاديميّ في هذا البيت، الّذي يسمح للطّالب بالتّدرّج على مدار ثماني سنوات في عشر وحداتٍ موسيقيّة مختلفة. وشكر د. ياسين جمعيّة النّجدة الّتي مشت معه كتفًا على كتفٍ لِـمَأسَسَةِ التّعليم الموسيقيّ المعهديّ في عكّار على القاعدة الاجتماعيّة الأولى “معًا من أجل الإنسان”. ثمّ شرح عن برنامج الأمسية العلنيّة الّتي تقدّم على غرار قالب “الوصلة” المرتبط بموسيقى النّهضة العربيّة (القرنين الـ19 والـ20)، إذ تندرج هذه “الوصلة” في مراحل ثلاثيّة إلزاميّة ضمن مقامٍ واحدٍ هي: (1) مرحلة الطّرح للألحان الثّابتة (الموشّح الغنائيّ)، (2) مرحلة النّقض للألحان الطّارئة المرتجلة (القصيدة المرسلة – اللّيالي المرسلة – الموّال المرسل)، وأخيرًا مرحلة المحصّلة الهجينة بين النّوعين الأوّلين أيّ ألحان ثابتة وطارئة في آنٍ معًا (الدّور المصريّ – القصيدة الموقّعة على ضرب الوحدة). ثمّ عرّف الدّكتور هيّاف ياسين بوصلة اليوم “الرّاستيّة” (المبنيّة على مقام الرّاست) الّتي تتمحور حول ثلاثة موشّحات هي تباعًا: حيّر الأفكار بدري (لمحمّد عثمان 1855-1900\مصر)، وأتاني زماني (المجهول التّلحين من تراث عصر النّهضة) ويا شادي الألحان (المشترك بين سيّد درويش 1892-1923\مصر وعمر البطش 1885-1950\سوريا). ثمّ ليالي مرسلة وموّال “لك يا زمان العجب”، ثمّ أخيرًا دور “عشنا وشفنا” لمحمّد عثمان نفسه. ومن بعدها فاصل من القدود الحلبيّة من مقام بيّاتيّ النّوى مع موّال بغداديّ على غرار العمالقة الّتي كانت تؤدّي هذا الموّال في لبنان مثال محي الدّين بعيون وفرج الله بيضا وإيليا بيضا وغيرهم…
ومن ثمّ قدّم الدّكتور هيّاف الطّالب رهيف الحاج يرافقه زملاؤه في “بيت الموسيقى” عزفًا وغناءً كلّ من حسن حسن على العود، مايا حسن على الكمنجة، نجاح طنّوس على القانون، نايف ياسين على الرّقّ، إيلي شلهوب غناءً وفادي سكاف غناءً. وقام الجميع بأداء وصلة راستيّة متقنة أعجبت الجمهور المتعطّش لهذ النّوع من الطّرب الأصيل، والّذي قاطع الغناء والأداء مرارًا بتصفيقٍ حادٍّ وبصيحات الآهات والطّرب.
بعد هذا الفاصل طلب الدّكتور هيّاف ياسين من عضو اللّجنة الفاحصة المنشد الشّيخ محمّد الزّعبي انتقاء قصيدة طارئة، فكان الخيار على تلك القصيدة للإمام عبد الله الشّبراويّ تحت عنوان “وحقّك أنت المنى والطّلب”، وقامت المرنّمة سميرة الكوسا (عضو اللّجنة الفاحصة) باختيار مقامٍ طارئٍ هو مقام “الحجاز”، ليقوم الطّالب بارتجالها مع تخته على القاعدة التّقليديّة لمدرسة النّهضة الموسيقيّة. فاستهلّت القصيدة بلازمة “العواذل” الشّهيرة (آه يا أنا ويش اللعواذل عندنا، قوم مضيع العذّال وواصلني أنا) وتمّ الارتجال بطريقةٍ محترفة، فاجأ بها الطّالب رهيف الحضور لملكاته ومرونته الللّحنيّة وتمكّنه المقاميّ والإيقاعيّ في آنٍ.
بعد ذلك صوّت الجمهور على نسبة 10% من العلامة فكانت النّتيجة 9،37 من العلامة، وتشاورت اللّجنة فيما بينها لتمنح في النّهاية الدّبلوم في الغناء العربيّ الأصيل للطّالب رهيف الحاج بدرجة ممتاز.
بعدها قدّم د. هيّاف ياسين واللّجنة الفاحصة وبحضور رئيس الجمعيّة في عكّار الأستاذ جورج الضّهر ونائب رئيس الجمعيّة في لبنان الدّكتورة نهاد منصور الشّهادة للطّالب\الأستاذ رهيف الحاج والتقطت الصّور التّذكاريّة.
وقد نوّهت اللّجنة بأعضائها كاملة، بالقدرات العالية لهذا الطّالب الواعد، وبالقدرات الأكاديميّة والتّعليميّة لمؤسّسة بيت الموسيقى متمثّلة بمنهاجها وبجهد إداريّيها وأساتذتها المعلّمين، متمنّية على الطّالب الشّاب المحافظة والمثابرة على هذا النّوع من الغناء الطّربيّ العربيّ الأصيل لربط الجيل الشّاب بهذه الثّقافة العريقة، ولكسر احتكار الجيل المخضرم على سماع وأداء هذه الموسيقى، محمّلة الطّالب الشّاب مسؤوليّة كبيرة تجاه الفنّ عمومًا والجيل الشّاب خصوصًا للاستمرار في نشر هذه الثّقافة على نطاقٍ أوسعٍ، وبمستوًى أعلى وأرقى.