شهد مسرح “مركز الصفدي الثقافي” في طرابلس أمسية متميزة لكورال الفيحاء بقيادة المايسترو باركيف تسلاكيان، في احتفالية خصتها الفرقة للترحيب بزيارة المجلس الدولي للموسيقى IMC، وهو أعلى مرجع موسيقي في العالم، إلى طرابلس، في زيارة هي الأولى لهذا المجلس إلى لبنان، جاءت تلبية لدعوة “الكورال” وبرعاية من “مؤسسة الصفدي”. وقد ضم وفد المجلس الذي عقد اجتماعه السنوي في “مركز الصفدي الثقافي” على مدى يومين متتاليين، ثمانية خبراء من المجلس التنفيذي، هم: فرانز دو رويتيه(الرئيس-هولندا)، غاري إنغل(نائب الرئيس التنفيذي-أميركا)، هشام شرف(نائب الرئيس-العراق)، سيلجا فيشر(الأمين العام-ألمانيا)، سونيا غرينر(أمين الصندوق-ألمانيا)، والأعضاء تيمو كليميتينن(فنلندا)، جرفيه هوغ اوندايي(جمهورية الكونغو) وسيمون دودت(ألمانيا).
الاحتفالية التي استمرت ساعتين من الزمن، قدم فيها الكورال الذي حمل لبنان إلى العرب والعالم، روائعه التي لطالما تميز بها على طريقة “الأكابيلا”، وسط حضور حاشد تقدمه رئيس بلدية الميناء السفير محمد عيسى، المشرف العام على جمعية العزم والسعادة الاجتماعية الدكتور عبد الإله ميقاتي، المدير العام لـ”مؤسسة الصفدي” رياض علم الدين، الفنانان عبد الكريم الشعار وجمال أبو الحسن، وحشد من أهل الثقافة والإعلام وعشاق “كورال الفيحاء” من طرابلس والشمال. وكانت مفاجأة الحفل، إعلان المايسترو المبدع باركيف تسلاكيان، أن المجلس الدولي للموسيقى قد اختار مديرة “كورال الفيحاء” وصاحبة الصوت الدافئ والمميز السولو رولا أبو بكر، عضواً في الهيئة التنفيذية لـ IMC Youth لفئة الشباب.
وترحيباً بوفد المجلس، ألقى علم الدين كلمة باسم “مؤسسة الصفدي”، قال فيها: “إنه لشرف كبير لنا في “مؤسسة الصفدي” أن يخصنا المجلس الدولي للموسيقى IMC بزيارته الأولى إلى لبنان، ليعقد الإجتماع السنوي لهيئته التنفيذية في “مركز الصفدي الثقافي”، بدعوة مشكورة من “كورال الفيحاء” برئاسة المايسترو باركيف تسلاكيان، هذا الكورال الذي ترك وما يزال بصمات كبيرة في مسيرة رفع إسم لبنان وطرابلس، في المحافل الموسيقية الدولية والعربية والمحلية، فأضحى معلماً من معالمه الفنية الراقية”. أضاف: “عندما افتتحنا هذا المركز في طرابلس، إنما أردناه أن يكون واحة سلام في مدينة العلم والثقافة، ومساحة حرية تحتضن أصحاب الرأي والفكر والإبداع لهذه المنارة الساحلية المتنوعة الأديان والثقافات. فكان “المركز” الردّ الحضاري على محاولات تشويه صورة المدينة وسمعتها، وأصبح نافذة من نوافذ الحياة والحداثة، في إطار المعرفة واحترام الآخر”. وقال: “خير دليل على نجاحنا في رسالتنا، تلبية المجلس الدولي للموسيقى، وهو أعلى مرجع موسيقي في العالم، هذه الدعوة وتواجده بيننا اليوم للتأكيد على رسالة الموسيقى والفن في تعزيز الحوار وبث روح الاحترام والتسامح. فبالحوار فقط يمكن أن نقرّب المسافات بين الشعوب، وهو السبيل الوحيد للتفاهم والوصول إلى أرضية مشتركة”.
وقد تضمن الحفل باقة من روائع ما تميزت به تراثيات الفنون العربية وبالأخص التراث الفلسطيني مطعمة بالأرمنية، في رسالة سلام من لبنان والدول العربية، أراد المايسترو تسلاكيان إيصالها إلى المجلس الدولي للموسيقى وعبره إلى كل العالم، مستخدماً الموسيقى والفن الراقي للتعبير عن أصالة هذه الدول وشعوبها المؤمنة بمبادئ السلام والتفاهم بين مختلف الثقافات والخلفيات التراثية. وقد أصرّ تسلاكيان قبل أن تقدم فرقته أنشودة “أسماء الله الحسنى”، أن يشرح للحضور أن الهدف من هذه الأنشودة هو أن يظهر للعالم غنى التراث الإسلامي، وهي موجهة للمسلمين قبل غيرهم، بحناجر أفراد فرقته المتنوعين دينياً، فهم “وجدوا السلام الذي نحتاج إليه جميعاً”.
وهنا تدخل الناقد الصحافي الفنان محمد حجازي، ليقول: “إن هذه الانشودة قدمها كورال الفيحاء في كنيسة في نيقوسيا وكانت من أرقى ما سمعه الجمهور”. كما تولى تسلاكيان الشرح عن أسلوب “الأكابيلا” في الغناء العربي الجماعي، الذي على صعوبته، استطاع “كورال الفيحاء” أن يخلق مدرسة خاصة به لهذا النمط من الغناء، بدون آلات موسيقية، محاولاً رسم صورة عن كل أغنية من الأغنيات الـ 19 التي قدمها الكورال تحت إدارته.
وتعبيراً عن فرحته بالحفل، ألقى رئيس المجلس الدولي للموسيقى IMC كلمة تضمنت تنويهاً بالمزيج التراثي الذي قدمه الكورال، لافتاً إلى الإنسجام الباهر بين المايسترو وأفراد الفرقة. وقال: إنه لشرف لي ولأعضاء الوفد ان نزور طرابلس بدعوة مشكورة من “كورال الفيحاء” و”مؤسسة الصفدي”، وأن نعقد اجتماعنا السنوي في “مركز الصفدي الثقافي”، بهدف العمل على تعزيز التنوع الموسيقي، وإيصال الثقافة إلى الجميع في أكثر من 150 بلداً من جميع أنحاء العالم. ولفت إلى أهمية أن يتعلم الناس جميعاً وبالأخص الشباب، الموسيقى لأنها تمثل السلام. وعن الحفل قال: لقد استمتعنا كثيراً بما قدمه “كورال الفيحاء” برئاسة المايسترو باركيف تسلاكيان، وأحب أن ألفت إلى هذا التفاعل الذي لمسته بين المغنين والمايسترو من جهة، وبين الفرقة والجمهور من جهة ثانية، وإلى أسلوب الكورال في تطوير استخدام التراث لنقله إلى الناس بمستوى فني راقٍ. وقال: الحفل كان طويلاً، ولكنه كان غنياً بالرسائل والمعاني الإنسانية التي يجب أن تعمم إلى الدول الأخرى. وختم موجهاً الشكر لمؤسسة الصفدي وكورال الفيحاء على الإستضافة، مؤكداً على وجوب التعاون معهما في إعداد نشاطات مشتركة.
وقد افتتح الحفل الغنائي بأغنية سولو “فوق النخل” مع الشاب محمود مسعد، وأغنية “عيونها ويا ظريف الطول” جماعي من التراث الفلسطينية، اندلسي (لما بدا يتثنى) مع السولو رامي دندشي، التراث البدوي جماعي (يا ام العباية) والتراث المصري (آه يا زين)، والتراث العربي (حول ياغنام) في غناء إفرادي من معن زكريا ورولا أبو بكر، جماعي مع أغنية (عبدو حابب غندورة) للأخوين رحباني وأغنية “انا وشادي” مع رولا أبو بكر، التي توقف ألفها الرحابنة لمناسبة مرور 20 سنة على تهجير الفلسطينيين من أرضهم، اندلسي (حبي زورني) مع الشاب معن زكريا، أغنية “هلي يا سنابل” للدكتور جمال أبو الحسن، وأغنية “لبيروت” الإسبانية المترجمة إلى العربية، و”الحلوة بيروت” للموزع الموسيقي وجدي شيا، ورقصة السيوف وليلة الحب لمحمد عبد الوهاب، إلى فليمون وهبه “سنفرلو عالسنفريال”، وكانت لافتة وفي أول اداء أغنية hi kifak ca va التي كتبها المحلن اللبناني شربل روحانا خصيصاً للكورال، لكي لا ينسى اللبنانيون لغتهم العربية فيقول في مضمونها “لبنان 100 المية، عبر عن فرحك بالعربي….”. واختتم الحفل بأغنية زهرة المدائي للأخوين رحياني، في رسالة سلام من لبنان إلى العالم، والتي لفت المايسترو تسلاكيان إلى انها وزعت خصيصاً للكورال بعد حرب تموز 2006، فقال” لقد اكتفينا حروباً”.
وفي ختام الحفل، اعتلى الجميع المسرح ليشاركوا الكورال وقائده دندنات موسيقية على طريقة الفرقة، قبل أن يقدم رئيس بلدية الميناء السفير محمد عيسى درعاً تكريمياً لرئيس المجلس الدولي للموسيقى، مرحباً به في طرابلس.