بقلم المحامي مصطفى عجــم
كفل الدستور اللبناني في مادته 13 حق ابداء الرأي وكذا حرية تاليف الجمعيات فنصت على مايلي:” حرية ابداء الراي قولاً وكتابة وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تاليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون “.
لن اتناول في هذه العجالة كل تلك الحقوق والحريات الا ان اللافت في هذه الايام الافراط في ممارستها وخاصة ما يتعلق بحق تاليف الجمعيات ،فالمتابع لاعداد الجريدة الرسمية ،ليس من تاريخ صدورها ، فقط منذ اقرار “اتفاق الطائف” (اي منذ 22سنة ونيف) يرى ان وزارة الداخلية اخذت علما بتاسيس عشرة آلاف جمعية تقريبا في مختلف الصعد والاهداف (بمعدل 8جمعيات اسبوعياً).
ولو ان القائمين على هذه الجمعيات التزموا بغاياتها ، النبيلة والسامية ،لكان وطننا بالف خير ،لكن بات من الواضح ان الاغلب الاعم من هذه الجمعيات لم يكن يهدف حقيقة الى تحقيق ما هو معلن من غايات التاسيس وانما يهدف لتحقيق مصالح اخرى… لذلك نرى لبنان الرسمي والشعبي لم يخرج بعد من مخاضه العسير ولم يصل لبر الامان حيث دولة سيادة القانون واحقاق الحق والعدل الاجتماعي واقامة مجتمع تكافؤ الفرص والنزاهة وحب الوطن والتمسك به والدفاع عنه…
ولنعد لحق تاليف الجمعيات ،المنصوص عنه في الدستور، وتصوروا لو ان كلاً من الرؤساء الثلاثة في لبنان أقدم على تاسيس جمعية،لاتتوخى الربح ، واتخذ من قصره الرئاسي مركزاً لها وحدد غاياتها كتلك المشابهة لمهامهه الدستورية فماذا تكون النتيجة؟؟؟ تضارب في الصلاحيات وازدواجية في الولاء والمصالح ايضا…
اطرح هذه الاشكالية بعد ان لفتني وانا اتصفح العدد الثالث من الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 19-1-2012(ص157- 158) بيان علم وخبر رقم 26بان وزارة الداخلية اخذت علما بتاسيس جمعية باسم “جمعية احياء علوم الدين” والى هنا فان هذا ” العلم والخبر ” يبقى في حدود المالوف لكن المضحك المبكي،ماتبع ذلك :حيث ان مركز هذه الجمعية هو”طرابلس التل- الجميزات- بناية الاوقاف – الطابق العاشر.
وان غاية هذه الجمعية:
1- نشر العلم والثقافة…2- بناء المساجد والمراكز الاسلامية…3- اصدار الكتب والنشرات..
4- اقامة حملات حج وعمرة… 5- معالجة المشاكل الاجتماعية والصحية… 6- انشاء مراكز صحية…
واما “المؤسسون” ،وهنا المبكي في هذا الامر،فهم على التوالي المرجعيات واصحاب المراكز والوظائف الدينية التالية اسماؤهم:
سماحة المفتي الشيخ الدكتور مالك الشعار، الشيخ الدكتور ماجد الدرويش ، الشيخ الدكتور حسام سباط ،الشيخ محمد الامام ، الشيخ سامي ملحم ، الشيخ محمد الترك ، الشيخ زياد الحج والشيح سليم الحلبي .
وهؤلاء اصحاب السماحة والفضيلة المؤسسون هم يشغلون حالياً اهم المناصب والرتب والوظائف الدينية في دار الفتوى بطرابلس وفي دائرة اوقافها،وصندوق الزكاة فيها ومحكمتها الشرعية…فمن سماحة مفتي طرابلس والشمال الى مدير مكتبه الى رئيس دائرة الاوقاف الى امين الفتوى الى شيخ القراء الى خطيب الجمعة في المسجد المنصوري الكبير وهكذا…
المبكي في هذا الامر ، ان مهـــام وواجبـــات جميع من تقدم ذكرهم بحكم مناصبهم ووظائفهم الدينية ،وبموجب المرسوم الاشتراعي رقم 18/55 ،هو تحقيق الغايات المذكورة في “جمعية احياء علوم الدين “فما الحكمة إذن من تاليف جمعية أهلية مماثلة بغاياتها للمهام والواجبات المطلوبة من المؤسسين انفسهم القيام بها والسهر على تحقيقها؟؟؟
هل دبّ الياس الى نفوسهم وباتوا عاجزين عبر مناصبهم ووظائفهم الرسمية عن تحقيق ما عهد اليهم حين تقلدوا تلك المناصب والوظائف بما لها من مقام معنوي رفيع وصلاحيات واسعة وادارة وموظفين ومرتبات وامكانيات؟؟؟
واذا كان الامر كذلك، ويعتقدون ان اصلاح حال المسلمين يكون بزيادة عدد الجمعيات الاهلية العاملة في هذا الحقل، والتجربة والواقع لايثبتان ذلك كما اسلفنا اعلاه، فانا اقترح عليهم ان يستقيلوا من مناصبهم ووظائفهم تلك ويفسحوا في المجال لغيرهم من الكفاءآت للعمل عبرهذا الجهاز الديني الرسمي وينصرفوا هم “ماجورين” للعمل الاهلي عبر”جمعية احياء علوم الدين” بذلك يتكامل الجهد الرسمي مع “الاهلي” …
اما ان يكون هناك ازدواجية في الانتماء والولاء بين الرسمي والاهلي وتضارب وتقاطع في الصلاحيات والاساليب والخطط عند نفس المرجعيات وزيادة في ضياع الرعية وتردي احوال وامور المسلمين فهذا مخالف للهدي النبوي “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”…
لن استرسل اكثر فخير الكــلام ما قــلّ ودل ، وهذه التساؤلات التي راودتني عند اطلاعي على بيان “العلم والخبر” لـ “جمعية احياء علوم الدين” احببت ان امارس حقي الدستوري في إبداء الراي به وتطبيقاً ايضاً لالتزامي بالهدي النبوي القائل “من لم يهتم بامر المسلمين فليس منهم” .
اتمنى ان يكون هناك من مجيب او مستجيب لهذه التساؤلات …والله من وراء القصد …