نظم مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية، ندوة عن “إدارة المياه في لبنان” في قاعة محاضراته في سن الفيل، شارك فيها الأمين العام للمبادرة الأوروبية للمياه في المتوسط MED EUWI البروفسور ميشال سكولوس، المدير العام للموارد المائية الدكتور فادي قمير، نائب رئيس “جمعية الاقتصاديين اللبنانيين” الدكتور منير راشد، عميد كلية العلوم التطبيقية في الAUT الدكتور هادي طباره، في حضور الوزير السابق للموارد المائية في الأردن رائد أبو السعود وفاعليات.
بداية عرض راشد للمشاكل التي يعاني منها لبنان على صعيد قطاع المياه وخصوصا في ظل النمو المطرد للطلب على هذه المادة الحيوية وعدم تسجيل تقدم مواز على صعيد إدارة الموارد المائية وحصرها”، ملاحظا أنه من الصعب قياس نمو الطلب بشكل دقيق في ظل غياب الاحصاءات والبيانات الموثوقة.
وكشف “أنه في العام 2010 تم استهلاك نحو 1500 مليون متر مكعب من المياه، قسمت على الشكل التالي:28 في المئة من الاستهلاك المنزلي، 60 في المئة من الاستهلاك الزراعي و11 في المئة من الاستهلاك الصناعي”.
وقال:”اما مصادر المياه فقسمت بين 53 في المئة من المياه الجوفية، 30 في المئة من المياه السطحية، 12 في المئة على استخراج المياه و5 في المئة تتوزع على مصادر مختلفة”.
وتحدث عن نوعية المياه في لبنان، مؤكدا “أن أكثر من 70 في المئة من مصادر المياه تحتوي على مواد بكتيرية، وهناك النقص في المياه الذي يدفع بأكثرية السكان إلى الإعتماد على شاحنات نقل المياه، وفي حالات عدة تتكلف الأسر ضعفي ثمنها”.
وعن موضوع القانون رقم 221 الذي نظم إدارة الموارد المائية، لاحظ أن مسؤولية الإستثمار في المياه لا تزال غير واضحة، وهناك ضعف في تخطيط السياسات الاستثمارية وتنفيذها، إضافة الى عدم وجود تشريع واضح حول الرقابة.
واكد سكولوس “أن لبنان يتمتع بدعم أوروبي كبير في مجال تحسين إدارة ونوعية المياه، ويجب ألا تفوت فرصة الإفادة من هذا الدعم بالخلافات اللبنانية الداخلية”، موضحا “أن المبادرة الاوروبية للمياه تهدف إلى تفعيل الحوار الإستراتيجي بين دول الإتحاد الاوروبي ودول المتوسط حول المياه، والتنسيق مع الهيئات المعنية بإدارة المياه، وتأمين التمويل اللازم للادارة المدمجة للموارد المائية IWRM في هذه الدول، مفصلا أن هذه المبادرة تعنى بتقديم المساعدة التقنية لتصميم مشاريع مائية مرتكزة على النتائج والحاجة الحقيقية، والتنسيق في ما بينها من أجل ضمان أفضل النتائج من استعمال الأموال المرصودة للمشاريع، مع احترام الاستراتيجية الشاملة لإدارة الموارد المائية على الصعيدين الوطني والإقليمي”.
وأشار “إلى أن مساعدات المبادرة الأوروبية MED EUWI في مجال إدارة الموارد المائية في لبنان تضمنت في مرحلة اولى المساعدة في مراجعة الخطة العشرية للمياه، وتحضير الخطة الوطنية للادارة المدمجة للموارد المائية في لبنان، وذلك عبر تحقيق إجماع بين المعنيين في هذا المجال حول ضرورة إيجاد خطة كهذه والتزامهم التنسيق في ما بينهم لصياغتها، إضافة إلى تبادلهم وجهات النظر والمعلومات حول الطلب والموارد والقدرات الواجب توافرها في الخطة”.
وقال:”ان المرحلة الثانية الحالية من هذه الجهود الأوروبية تتضمن المساعدة في تنفيذ هذه الخطة وضمان شراكة مع القطاع العام في هذه العملية”.
وكشف “أن من أهداف المبادرة خفض التلوث في البحر الأبيض المتوسط عبر تعميم محطات معالجة المياه المبتذلة في الدول المشرفة على هذا البحر، علما أن هذه المياه تساهم ب 80 في المئة من التلوث الذي يصيبه”، معددا سلسلة من ورش العمل التي شارك فيها أفراد وهيئات في لبنان على صعد السلطة المركزية والبلديات والقطاع الصناعي من أجل اكتساب المهارات الضرورية لإدارة عملية خفض نسبة المياه المبتذلة المتدفقة من لبنان إلى البحر. وكشف في هذا السياق، أن المبادرة الاوروبية مولت خمسة مشاريع كبرى لخفض التلوث على شواطئ البحر الأبيض المتوسط بقيمة 235 مليون يورو، بينها محطة الغدير لمعالجة المياه المبتذلة في لبنان”.
بدوره، دعا المدير العام للموارد المائية فادي قمير إلى توحيد المرجعية التي تعنى بإدارة المياه في لبنان، لافتا إلى “أنه في حين تجهد مديرية الموارد لزيادة قدرة لبنان على تخزين المياه، تفتقد مؤسسات المياه للكفاءة في الإدارة ويعشش فيها الفساد، وتعاني شبكات توزيع المياه التابعة لها من قلة فاعلية تتجاوز في كثير من الأحيان ال %50، مما يزيد من تردي واقع هذا القطاع”.
وقال:”إن هذه المؤسسات ينقصها التمويل والكادر الإداري والفني اللازم لتطوير كفاءة عملية توزيع المياه”، داعيا المديرية العامة للاستثمار “إلى تركيز الإنفاق على تحديث شبكات توزيع المياه”.
وأشار “إلى أن سد شبروح يضخ 43 ألف متر مكعب في اليوم إلى منطقة كسروان غير أن ما يصل إلى المواطنين هو 20 ألف متر مكعب باليوم فقط بسبب انخفاض فاعلية شبكة التوزيع”.
وانتقد قمير عمل مجلس الإنماء والإعمار، مشيرا “إلى أن لا أحد يراقب وينتقد عمله، فيما تلقى المسؤولية كاملة على وزارة الطاقة والمياه”، وقال:”إن صلاحية معالجة المياه المبتذلة وإنشاء محطات التكرير كانت من صلاحيات وزارة الطاقة والمياه غير انها انتزعت منها لصالح المجلس”، مشيرا “على سبيل المثال، إلى أن هناك خمس محطات تكرير في لبنان حتى اليوم فيما لا يستفاد منها بفاعلية بسبب عدم إدارتها بشكل حسن، وأن محطة التكرير التي أنشئت في طرابلس هي من الأحدث على سواحل البحر الأبيض المتوسط وكلفت 15 مليون يورو ما عدا كلفة الصيانة، دون أن توضع في الخدمة حتى الساعة”.
وأوضح قمير “أن خطة الوزارة للسنوات المقبلة، إضافة إلى استكمال دراسة وتلزيم السدود غير المنفذة ووضعها قيد التنفيذ، هي رفع فاعلية شبكات توزيع المياه من 50 في المئة حاليا إلى 80 في المئة سنة 2040 بالشراكة مع القطاع الخاص، وتطوير قدرة ري الأراضي الزراعية من 1000 متر مكعب إلى 6000 متر مكعب بحلول سنة 2040، مع رفع التعديات عن مجاري الأنهر وتصويبها من أجل الوقاية من خطر الفيضانات”.
وفي هذا السياق، رفع قمير الصوت محتجا على الفساد الذي يتحكم ببعض أجهزة الدولة اللبنانية الذي يحول دون قدرة الوزارة على رفع هذه التعديات.
وجدد التذكير “بأن هناك سدين في صدد التنفيذ، وهما المرحلة الأولى من سد العاصي وسد اليمونة، إضافة إلى السدين الموجودين في القرعون وشبروح، في حين يتوزع 18 سدا آخرين بين مراحل التلزيم والدراسة”، مشددا “على ضرورة استرجاع مزارع شبعا للافادة من نهر الدان الذي يعتبر رافدا من روافد نهر الأردن”.
وابدى المدير العام لشركة ES2 العاملة في مجال الأمن البيئي فرانك غالان تفاؤله بمستقبل إدارة المياه في لبنان “نظرا إلى توافر الكفاءات التقنية والنظام التربوي المميز القادر على نشر الوعي وتدريب الكوادر اللازمة، مستدركا في المقابل أن العجز يبقى في إمكانية حل المشاكل الإقليمية المتعلقة بالانهر العابرة للحدود”، مشددا “على ضرورة لعب لبنان دورا رائدا في دفع المفاوضات لحل الأزمات في هذا الإطار”.
وركز غالان مداخلته على الأمن المائي والنزاعات الدولية حول المياه، مشيرا “إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي المنطقة الأكثر عوزا للمياه إلى جانب منطقة شمال الصين، وخصوصا في ظل التوقعات القائلة بانه في سنة 2025 سيكون هناك 4 مليارات شخص ساكنين في مناطق تعاني من ارتفاع نسبة ملوحة المياه”.
وقال:”ان ندرة الموارد المائية ونوعيتها المتردية تدريجيا في مناطق عدة من العالم والأزمات السياسية التي قد تنشأ نتيجة ذلك جعلت من مسألة إدارة الموارد المائية أولوية في أجندات الحكومات والمنظمات الدولية كما دفعت القطاع الخاص إلى الاستثمار في تقنيات وأساليب إدارة المياه”.
وشدد “على ضرورة تفعيل الديبلوماسية المائية الهادفة إلى حل النزاعات المتعلقة بالأحواض النهرية العابرة للحدود والتوصل إلى اتفاقات للافادة من مياهها، إلى جانب تحسين إدارة الموارد المائية على الصعد الوطنية”.
وتطرق إلى معضلتين مائيتين رئيسيتين هما النيل الأزرق واليمن، ويحتاجان جهودا دولية في المستقبل القريب لمنع تفاقم الأزمات المرتبطة بهما، ولفت “إلى أن مشكلة النيل الأزرق الذي ينبع في اثيوبيا ويعتبر الرافد الرئيس لنهر النيل تتمحور حول مطالبات أثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا والكونغو الديموقراطية مصر بإعادة مراجعة اتفاقية تقاسم مياه نهر النيل التي وقعت العام 1959 من أجل سد حاجات هذه الدول المائية لا سيما في ظل النمو الديموغرافي الذي تشهده هذه البلدان”.
وأوضح “أن إعادة التفاوض ترفضها القاهرة وتعتبر المطالبات الأفريقية تهديدا لأمنها المائي وبالتالي القومي”، مشيرا “إلى ان هذه الإتفاقية تعطي أثيوبيا الحق في الإفادة من 4 في المئة من النيل في حين أن 85 في المئة من النيل الازرق يعبر الأراضي الأثيوبية”.
وأشار الى “أن المعضلة الثانية المتمحورة حول اليمن تتعلق بندرة المياه المتزايدة سريعا في هذا البلد مع تزايد عدد السكان وارتفاع نسبة التصحر واستعمال النسبة الأكبر من المياه الصالحة لري المحاصيل، مما يطرح تحديات للمملكة العربية السعودية ودول العالم وخصوصا في ظل عدم وجود الموارد المالية والبشرية اللازمة لإدارة الموارد المائية في هذا البلد”.
من جهته، انتقد طباره، خطة المياه العشرية 2000 – 2010، واعتبرها انها “غير متكاملة من ناحية التخطيط والاستثمار والتنفيذ، كما ان هناك غياب تام للتنسيق والرقابة المركزية لقطاع المياه ضعيفة”.
وتطرق الى إشكالية عدم تطبيق القانون 221 الذي صدر في العام 2000، فشرح “نقص الكوادر الفنية في ظل وجود فائض في الموظفين الاداريين”، وقال:”الاهم عدم وجود حسابات وتدقيق للبيانات المالية، كذلك غياب للبيانات والاحصاءات الموثوقة، عدم وجود مراقبة نوعية موثوق بها من ناحية شرب المياه”.
وشرح كيف “ان جمع مياه الصرف الصحي لا تزال من مسؤولية البلديات وهي غير خاضعة لاشراف القطاع الخاص”، وعن نوعية المياه في لبنان، شرح طباره “عدم وجود استراتيجية لمكافحة التلوث للحد من النفايات الصناعية والزراعية ومنع العشوائية، بالاضافة الى مشكلة إلقاء المياه المبتذلة في المجاري المائية، وغياب المراقبة المنتظمة على مستوى وطني لجودة المياه السطحية والجوفية”.
وختم طباره ببعض التوصيات التي يجب تطبيقها في قطاع المياه ومنها “الحاجة الى البيانات والاحصاءات، والى دراسات متكاملة وشفافة حول زيادة إمدادات المياه (السدود وحصاد مياه الأمطار، ومعالجة المياه المعدومة وإعادة استخدامها)، الحاجة الى إدارة الطلب المقترن بإدارة المياه من قبل الموارد السدية والجوفية للري، الحاجة الى سياسة وطنية بشأن استخدام المياه في الزراعة”.
وشدد طباره على “ضرورة ضمان التنفيذ الفعال للقانون”، معتبرا “ان الاولوية اليوم هي تحسين استمرارية امدادات المياه وزيادة كميات مياه الصرف الصحي التي يتم جمعها ومعالجتها”.
بدوره اشار ابو السعود “الى واقع إدارة الموارد المائية في الأردن الذي تقدم اشواطا على هذا الصعيد”، داعيا لبنان “إلى الإحتذاء بالأردن عبر توحيد المرجعية المعنية بإدارة الموارد المائية واستثمارها”.