نظم منتدى الحوار الوطني الديموقراطي ندوة فكرية في المنتدى الثقافي في طرابلس ناقش فيها كتاب فرص التغيير للمؤلف رياض صوما عضو الأمانة العامة للحركة الوطنية للتغيير الديموقراطي شارك فيها عبداله خالد، المهندس رشيد جمالي، الأمين الدكتور يوسف كفروني ، الدكتور محمد نديم الجسر.
بداية تحدث الزميل عبدالله خالد عن الكتاب والمؤلف فقال: عرفت الصديق رياض صوما في منتصف سيتينيات القرن الماضي وكنا وقتها ناشطين في الحقل الطلابي نحلم بالتغيير نحو مستقبل أفضل. ومع ظهور كتابه ” فرص التغيير” أردت ان أعرف إلى أين وصل في مشواره الطويل. بالإضافة إلى المقدمة تضمن الكتاب فصولاً عن الثورة التقنية والصناعة والحرب الباردة ودروس الانهيار السوفيتي وثمن انتصار الليبرالية المتطرفة والشرق الأوسط الكبير والانتقال من الأحادية إلى التعددية القطبية واليسار العربي في المرحلة الجديدة. إنها بانوراما استراتيجية سياسية اقتصادية اجتماعية تعنى بدراسة الماضي والحاضر بروية وموضوعية وبروح نقدية ماركسية منفتحة وصولاً إلى بناء غد واعد يؤسس ليسار عربي ديموقراطي تغييري متجدد. اضاف: وبشفافية يحسد عليها يعري المجتمع العربي المنكشف على التدخلات الحارجية بحيث تحولت المنطقة من مسرح لتنافس الثنائية القطبية إلى مسرح فوضى بناءة وصولاً إلى تنافس متعدد الأقطاب ويركز على العودة التدريجية للعاملين الايراني والتركي الأمر الذي يفرض إعادة صياغة أهداف اليسار ومجمل قوى التحرر العربي عبر التركيز على مقاومة الاحتلال والانتقال من مرحلة شعارات التعبئة إلى نهج المراكمة والتقدم نحو هدف الوحدة والربط بين مشروع التوحيد القومي واحترام الحقوق القومية والدينية للاقليات ودعم التحول الديموقراطي وتبني شكل معتدل ومتدرج من التحول نحو علمنة الدولة والمجتمع والسعي لإقامة أوسع تحالف اجتماعي بتوجه وطني ديموقراطي والتوقف عند اعتبارات التآكل التدريجي في هيبة الحضور العسكري الأمريكي والتراجع المستمر في قدرة الردع الصهيونية وتزايد النفوذين الإيراني والتركي بفعل ترهل وضعف النظام العربي الرسمي. وخلص إلى ضرورة السعي لإقامة تقارب بين التيارات الرئيسية للمجتمع العربي (الإسلامية والقومية واليسارية) بهدف إحداث ثورة فكرية – سياسية أو على الاقل نقلة نوعية في الثقافة والممارسة تمكنها من الإسهام في انطلاقة جديدة لحركة التحرر الوطني العربية تنقلها من ثقافة التعصب القومي إلى سياسة الاندماج الإقليمي علماً أن النجاح مرتبط بالقدرة على تجاوز الأطر القائمة القابضة على السلطات العربية الهرمة أو المرتبطة بالمعارضات الماضوية الفكر والممارسة وصولاً إلى ولادة حركة تحرر عربي جديدة تنجز البرنامج الوطني الديموقراطي القائم على اساس المواطنة الحديثة.
وقدم المهندس رشيد جمالي مداخلة أكد فيها أن الكتاب ممتع وشيق ويستحق أن يقرأ وانه يعرض بشكل موضوعي ومترابط للتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعالمية منذ نهاية الحرب العالمية حتى اليوم ليخلص إلى أوضاع عالمنا العربي المأزوم ودور القوى الحية في داخله ومنها اليسار لعربي في صنع مستقبل هذا العالم العربي. وتقدم ببعض الملاحظات التي رأي إنها يمكن أن تشكل إضافة للكتاب وهي:
إن الكتاب يولي الثورة التقنية اهتماماً خاصاً إلا أنه لا يعطيها دوراً كاملاً في التحولات التي يشهدها وسيشهدها العالم في القادم من اليام والعقود وهي تحولات ستعيد صياغة العالم وبالتالي النظام العالمي برمته وخاصة على مستوى وعي شعوبه وبخاصة عالمنا العربي باتجاه نهوض جديد.
وتابع: إن الثورة التقنية لعبت دوراً في انهيار المنظومة الاشتراكية عبر تقديم نماذج إنسانية مختلفة تطفو على سطحها قيم الحرية والديموقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية . إلا إنني أعتقد وآمل أن تتحول العولمة إلى ميدان متعدد الاتجاهات توفر الفرص لعقلنة الجموح الأمريكي إلى السيطرة ونهب ثروات العالم وتنحو بالسياسات الأمريكية نحو المزيد من العقلانية والموضوعية والالتزام بصدق برسولية القيم التي تغلف الولايات المتحدة سياساتها بعد اليوم.
واشار الى إن الطور القادم من العولمة ستحكمه توافقات ومنافسات القوى الكبرى إلا أني لا أتوقع تراجعاً سريعاً لدور الولايات المتحدة في ميادين الهيمنة والتسلط على سياسات العالم ومقدراته بسبب ما يميز المجتمع الأمريكي ونخبه من براغماتية ونزوع دائم نحو التغيير والتجديد لافتاً إلى الحديث الأمريكي غير المسبوق والمتمثل بانتخاب باراك أوباما – ذو الصول الأفريقية ـ وبما يحمله من فكر ليبرالي فيه الكثير من المثالية وبما يعكسه هذا الحدث من قدرة المجتمع الأمريكي على المساءلة والمحاسبة والتصحيح.
ويتابع بالقول: يتوقف المؤلف عند مؤشرات التخلف في واقعنا العربي الناجمة أساساً عن غياب الحريات العامة والديموقراطية وتداول السلطة في هذا العالم المجزأ والمتناحر.
اضاف: إن هذا الواقع الاقتصادي ـ الاجتماعي المأساوي متلازماً مع طغيان عنصر الشباب في الهرمية العمرية لهذا العالم العربي تحتزن إمكانات لا حصر لها باتجاه نهوض طال انتظاره ونشهد بشائره اليوم فيما يجري في العديد من الدول العربية.
وأكد الأمين الدكتور يوسف كفروني في مداخلته أن كتاب فرص التغيير جدير بالقراءة وأن أحزاباً وتيارات وحركات وأنظمة دعت غلى التغيير من منطلقات متنوعة وما زلنا نشعر بأن معركة التغيير لا تزال في بدايتها ولا تزال بحاجة إلى نهضة حقيقية للتغيير لأن كل محاولات النهوض لم تحقق المطلوب بسبب الإعاقات والمعوقات وجاءتنا أخيراً ثورات الشباب لتفاجئ الجميع بمحركيها وبمضامينها والتغيير الكبير الذي يمكن أن تفضي إليه وجاءت هذه الثورات من خارج الاطر الحزبية والتقليدية ومن دون قياداات فعلية . المحرك الأساسي شباب خارج الأطر الحزبية التقليدية لكنه يرفع شعارات وطنية سبق لكثير من الأحزاب الوطنية أن طرحتها دون أن تتمكن من تحقيقها وكان لتقنيات الاتصال الحديثة دور أساسي في تحريكها لأن التغيير الحقيقي يقتضي الدخول في ثقافة عصر التغيير. وقد ارتكزت ثورات التغيير الكبرى في تاريخ البشرية على تطور تقنيات الإنتاج وتطور تقنيات الاتصال بشكل اساسي. وفي تأكيده أهمية الشرق الأوسط يشير إلى أن كل الإمبراطوريات التي تشكلت عبر التاريخ لم تسقط إلا بعد خسارتها له.
واكد قائلا: منذ سايكس ـ بيكو يجري تجاهل تام لوحدة هذه المنطقة الجغرافية والاستراتيجية والاجتماعية ووحدة هويتها عبر آلاف السنين وعندما يجري الحديث عن هذه المنطقة يتم الحديث عن طوائف ومذاهب وإثنيات بالرغم من أن تجانسها يفوق تجانس العديد من المجتمعات الموحدة في العالم. وساد اتفاق ضمني بين القوى العظمى على إعاقة ومنع قيام دولة محورية تشكل قلباً نبضاً أو قطباً جاذباً يولد دينامية توحيد لبنيتها.
وفي الحديث عن اليسار العربي في المرحلة الجديدة يؤكد أن المهمة الأولى له ستكون النضال بكل الأشكال لتحرير المنطقة من الجيوش الأجنبية وتعميم نهج المقاومة ثقافة وسياسة وممارسة بالإضافة إلى ضرورة اقتران المشروع الوحدوي بالتزام قاطع بمبدأي الطوعية والديموقراطية وتبني تصور منفتح للوحدة القومية يتطلع إلى التكامل الإقليمي مع القوميات والشعوب المجاورة وخاصة إيران وتركيا واحترام حقوق الاقليات التي تعيش داخل المجتمع العربي وشكل معتدل ومتدرج من التحول نحو علمنة الدولة والمجتمع وتحالف اجتماعي واسع ذي توجه وطني ديموقراطي وأمل بنجاح مشروع التعاون بين التيارات الثلاثة اليساري – القومي – الإسلامي.
وكانت المداخلة الأخيرة للدكتور محمد نديم الجسر الذي اشار إلى أن عنوان الكتاب هو عنوان واعد وأن التغييريرتكز على حقائق استراتيجية ينطلق منها المشروع الهادف إلى إنجاحه.
ووفق المؤلف فإن أهم الثوابت التي يستند إليها الفكر التغييري هي ارتباط الحروب بهيمنة الأفكار الليبرالية المتطرفة وأن سياسة الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة تقوم على المصالح والاطماع والمهيمن على هذه السياسة هي الشركات الكبرى والكارتلات ومصانع الأسلحة أو بتعبير جامع هي الرأسماليةاللبرالية المتعسكرة وأن قادتها هم سبب تعطيل الإمكانات المتاحة لمعالجة مشاكل التطور البشري وتنامي الهوة بين الدول المتطورة وباقي العالم وترسيخ التناقض بين الإنجازات والفقر والتدهور وأن الرأسمالية المتعسكرة تحتاج وجودياً إلى النفط في منطقتنا الحاوية لثلثي المحزون العالمي ولذلك فإنها منعت اي قوة إقليمية محلية من السيطرة على الخليج واسقطت اي نظام أو حاكم حاول أن يمسك الشعب بمقدراته.
تابع: وفي هذا السياق يجب أن نفهم الترابط العضوي بين الكيان الصهيوني والراسمالية المقاتلة المستعمرة وأن مكمن المشكلة في الوطن العربي هو القرار السياسي العربي أي النظام السياسي العربي وأن وسائل الإعلام العربية هي التي تستعمل لتكوين رأي هام عربي مهادن لأمريكا وهي وسائل مملوكة من الرأسمال العربي التابع للغرب وللرأسمالية الغربية وهناك تجاهل للقانون وتجاوز لسيادة الدول وتدخل في شؤونها وتحويل للامم المتحدة إلى أداة بيد الراسمالية المتعسكرة وهناك شركة متضامنة ضد الدول النامية والفقيرة تضم كل الدول الغربية بما فيها روسيا.
وخلص إلى أن هذه الحقائق تبنى عليها خلاصات استراتيجية منها أن السياسة الراسمالية الغربية وخاصة الأمريكية ستستمر وفقاً للاسس التي قامت عليها وبالتالي من الوهم الكبير الاعتقاد أن أمريكا والغرب سيقلعون عن اللجوء إلى استعمال القوة وأنهم يمكن أن يرتضوا شكلاً من أشكال الإدارة الجماعية للعالم الأمر الذي يفرض ضرورة بناء توازن جديد يلجم المطامع غير المشروعة للقوى المسيطرة على القرار العالمي والغربي وأن الاحتلال العسكري يغير مسار الاحداث إلى حدود غير مسبوقة وأن الأنظمة الرسمية العربية فشلت والصراع سيقوم حتماً بين النظام والشعب وأن إحياء الذوات الثقافية للحضارات المقهورة من قبل الحضارة الغربية هو الكفيل بالوقوف في وجه الهيمنة والاحتلال والاحتقار والاستهانة بمصالح الشعوب وكراماتها مما يعني أن الثبات على خيار المقاومة كحقيقة استراتيجية هو الذي سيجبر المشروع الأمريكي للسيطرة على كامل المنطقة على الحروج مهزوماً.
وفي نهاية الندوة تحدث المؤلف رياض صوما فشكر الحضور والمحاضرين وأعرب عن سروره لأن الرسالة التي حاول أن يوصلها عبر الكتاب قد وصلت بشكل جيد وهذا ما أكدته المداخلات التي استمع إليها.
وأعرب عن سعادته لأن التحليل الذي قدمه في الكتاب جاءت الاحداث وثورات الشباب لتؤكد صحته ودعا إلى بذل جهود مكثفة لبدء حوار بين التيارات الاساسية في الوطن العربي تؤدي إلى بلورة برنامج عمل يسمح بتقدم.