دموع الاسمر
خريطة طرابلس السياسية ما بعد الشغب..
خسر تيار المستقبل كثيرا في طرابلس، وخسارته لم تكن وليدة “يوم الغضب” انما بدأت منذ الانتخابات النيابية عام 2009، ولاحقاً في الاستحقاق البلدي..
وهذه الخسارة الناجمة عن تراجع المد الشعبي للمستقبل لأسباب عدة منها فقدان المصداقية لوعود اغدقت ولم تبصر النور ولتقدم منافسين جديين حققوا ميدانيا في طرابلس ما لم يستطع تيار المستقبل ان يحققه لاطمئنان كوادر التيار المذكور الى حضوره الشعبي والتعاطف المذهبي معه، متناسين ان طرابلس كانت دائما رمز الاعتدال والوسطية والتدين غير المتطرف على نسق ما انتهجه الرئيس ميقاتي والكثير من قيادات طرابلس التاريخية بدءا من الرئيس المفتي عبد الحميد كرامي مروراً بالرئيس الشهيد رشيد كرامي الى الرئيس عمر كرامي. وتاليا فان غوص تير المستقبل في تنقضات المدينة وتنوع قياداتها خسرته الكثير من حضوره.
لم يستطع تيار المستقبل في اي استحقاق طرابلسي ان يخوض الانتخابات منفردا عكس ما كان عليه في تسونامي انتخابات 2005، فكان لا بد برأي اوساط طرابلسية ان يتحالف مع رموز طرابلس اثبتت حضورها فاعلا ومتواصلا عبر مؤسسات خدماتية منها جمعية العزم ومؤسسة الصفدي والمستشفى الاسلامي الخيري ومؤسسات الكرامة.
لم يكن مستغربا ما آلت اليه التحالفات السياسية ما بين تيار المستقبل ممثلا برئيسه سعد الحريري وما بين الرئيس ميقاتي والوزير الصفدي وكلاهما ميقاتي والصفدي كانا يضغطان على القيح منذ زمن ويمتصان انتقادات جارحة من المستقبليين وقيادتهم الى ان وجدا ان لكل منهما حيثية شعبية شكلت القاعدة والرافعة للرئيس الحريري منذ 2005 والى اليوم. وجعلاه يتبوأ حضوره الطرابلسي والشمالي، لكن وجدا ان الحالة باتت ترتدي طابعا اخر وان الرئيس الحريري كان مقتنعا او اقنعوه بأنه الاقوى في طرابلس الى ان كان “يوم الغضب” الذي شكل امتحانا شعبيا مباشرا لشعبية الحريري وحضوره في المدينة.
فشل المستقبليون في استدرار عطف الطرابلسيون وفشلوا في استدعائهم الى اعتصام اقتصر على مشاركة من مواطنين اتوا من خارج المدينة فلم يستطيعوا رغم كل ما بذلوه من حشد جمهور يغطي ساحة النور التي بالكاد تتسع لألف وخمسمائة شخص، بينما كانت الآمال معلقة على زحف بشري يملأ ساحات وشوراع طرابلس وعلى مواكب سيارات تصل ما بين طرابلس والمنية والضنية وعكار ليتحول الى عامل ضغط شعبي يدفع بالرئيس ميقاتي الى الاعتذار والانسحاب، الامر الذي لم يحصل بل زاد من صمود الرئيس ميقاتي خاصة حين أدرك من متابعته الميدانية ان معظم الطرابلسيين رفضوا الاعتصام وحتى الفكرة بحد ذاتها والتزموا منازلهم، قناعة منهم بأن الرئيس ميقاتي قد يكون اكثر التزاما بالطائفة السنية من اي شخص اخر خاصة وان تاريخه يشهد على التزامه وتدينه غير التعصبي وغير المذهبي. عدا عن ان الطرابلسيين وجدوا فيه فرصة ذهبية لطرابلس والشمال واستعادة لدور طرابلس القيادي في منصب الرئاسة الثالثة.
لكل هذه الاسباب ارتد الاعتصام على منظميه ولوث قياديه وابرز ان المعتصمين جلهم ان لم يكونوا كلهم من الصبية الذين لا يدركون ماذا يفعلون ولاجل ماذا يعتصمون فقط يتلقون التعليمات وينفذون…
ويمكن الاشارة الى ايجابية وحيدة برزت لهذا اليوم الاسود في تاريخ طرابلس انها شدت من اواصر اللحمة بين قوتين شعبيتين هي الميقاتية والصفدية ولعلها تلتقي لاحقا مع الكرامية.. وبرز ذلك من خلال وفد جمعية العزم برئاسة الدكتور عبد الاله ميقاتي الذي زار مكاتب الوزير محمد الصفدي مستنكرين ما جرى من حرق ونهب مكاتب الصفدي، ومتضامنين معه.
اضافة الى ذلك يمكن الاشارة الى ان بلدية طرابلس عمدت الى ازالة كل اللافتات والشعارات المسيئة للرئيس ميقاتي ولايران وسوريا وأزيلت جميع الصور من شوارع طرابلس.