افتتح معهد الشرق الاوسط بواشنطن (Middle East Institute) سلسلة مؤتمراته السنوية الرابعة والستين بتكريم نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام فارس نظراً لانجازاته التربوية والانمائية والثقافية في حفل مميز بحضور حشد من الرسميين قارب الالف شخص في طليعتهم الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، وزير النقل الحالي في الولايات المتحدة الاميركية السيناتور راي لحود وعضو الكونغرس الاميركي نيك رحال، السفيرة وندي شامبرلين رئيسة المعهد، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الاوسط جيفري فيلتمان، والجنرالان المتقاعدان جورج جلوان (لبناني الاصل) وانطوني زيني القائد السابق للقوات الاميركية في الشرق الاوسط، لفيف من الديبلوماسيين الاميركيين والاوروبيين والعرب المعنيين بقضية الشرق الاوسط، بينهم الامير تركي بن فيصل، وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، ومسؤولين عن ملف الشرق الاوسط في البيت الابيض ووزارتي الخارجية والدفاع الاميركية، والمتروبوليت فيليب صليبا، وعائلة فارس في طليعتهم السيدة هلا فارس واولاده ميشال، نجاد ونور.
قبل الحفل، اجتمع الرئيس كلينتون بعصام فارس حيث عرضا للوضع الراهن في لبنان واحتمالات السلام في المنطقة.
وقدم وزير المواصلات الاميركي راي لحود لفارس “جائزة الامتياز” بصفته “سفيراً دولياً عالي المستوى للديمقراطية وصنع السلام وبطلاً للتقدم والازدهار والانماء يكرس حياته لخدمة وطنه ولخدمة الاستقرار والسلام في الشرق الاوسط” مشيراً الى عشرات الوظائف التي أنشأها والاعمال الانسانية والتربوية والانجازات الانمائية التي حققها دون أي اعتبار للخلفيات الدينية للذين يستفيدون منها.
ثم تحدث الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون الذي تربطه بفارس صداقة قديمة مشيداً بالرجل الذي يعمل من اجل استقلال وسيادة لبنان والسلام في المنطقة. والتقى كلينتون وفارس في كلمتيهما على ضرورة تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة يشمل لبنان ويعزز استقلاله وسيادته ويعطي الفلسطينيين فرصة اقامة دولتهم المستقلة كما التقيا على ضرورة قيام الولايات المتحدة بدور فعال ونزيه في هذا المجال والبناء على مبادرة السلام العربية التي أطلقت في قمة بيروت والتي وصفها فارس بأنها تاريخية ووصفها كلينتون بأنها رائعة. وبينما قال فارس انه ينبغي على ادارة الرئيس أوباما ان تدفع بالامور الى الامام للتوصل الى حل عادل وشامل ودائم رأى كلينتون ان دور اميركا يجب ان يكون الوسيط النزيه والعمل على تعزيز فوائد السلام وتقليص مجاذفاته.
وقال كلينتون ” ما تعلمناه هو انه كلما شاركنا في البحث عن السلام في الشرق الاوسط، والدفع باتجاه السلام بنوايا حسنة كلما ازدادت ثقة الناس باننا نقف وراء أمن اسرائيل، وكرامة الفلسطينيين وحقهم بتقرير مصيرهم”. واثنى كلينتون على اداء الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية لانها طورت امنها واقتصادها بطريقة شفافة، مشيرا الى ان مختلف القوى السياسية في اسرائيل تعترف بذلك. واشار كلينتون الى المتغيرات الكثيرة التي حدثت في المنطقة منذ انتهاء ولايته قبل 10 سنوات، وقال ان اسرائيل “تغيرت كثيرا سياسيا وديموغرافيا … والساعة الديموغرافية لا تدق لصالحهم” .
هذا وقدم فارس مداخلة مفصلة بعنوان “وجهة نظر لبنانية” وزعت كوثيقة لإغناء مداولات المؤتمر الذي يشارك فيه العديد من الباحثين والاكاديميين والسياسيين تناول فيها ابرز المشاكل التي تعيشها المنطقة: العراق، ايران، العلاقات بين الاديان التوحيدية مشدداً على أولوية النزاع العربي الاسرائيلي ومعتبراً ان هذا النزاع لا يرتد على لبنان فقط بل على المنطقة وعلى العالم بأسره إذ يؤدي استمراره الى استمرار مئات الآلاف من الفلسطينيين في حالة البؤس كما يشجع على قيام حركات اصولية وارهابية ويغذي الكراهية تجاه الغرب ويؤجج النزاعات في المنطقة بقوة مالياً وسياسياً، وقيام دولة فلسطينية قادرة على الحياة والاستمرار.
اضاف اننا نعوّل على جهود السناتور جورج ميتشل وعلى الدعم الذي توفره له وزيرة الخارجية السيدة كلينتون.
وعن الدور السوري قال فارس: ان لسوريا المستقرة داخلياً والناشطة خارجيا دوراً اساسياً في الشرق الاوسط وهي معنية بالسلام من الناحيتين الايدولوجية والاستراتيجية، ومن الطبيعي ان تكون حاضرة في لب المباحثات المتعلقة بمستقبل المنطقة وخصوصاً من خلال نفوذها في لبنان وفي القضية الفلسطينية وتعاونها القائم مع تركيا وايران.
ورأى ان الازمة القائمة بين ايران والغرب من جهة وبين ايران وبعض الدول العربية من جهة اخرى هي أزمة حادة تستدعي معالجتها بمزيد من الحكمة والروية.
وختم فارس كلمته: دعونا نفتش عن الحلول للأزمات في المنطقة ودعونا نتفق على برنامج عمل مشترك يهدف الى تطوير فعلي للشرق الاوسط والى تحسين قدرات ابنائه، دعونا نتأمل ونحلم بأننا اذا عملنا معاً نستطيع ان نؤمن مستقبلاً افضل لشعوب الشرق الاوسط.
وتم طباعة الفي نسخة عن محاضرة الرئيس فارس ووزعت على المشاركين نظراً لما تمثله من وجهة نظر لبنان والعالم العربي.
فيما يلي محاضرة عصام فارس:
يسرّني أن ألبّي دعوة “معهد الشرق الأوسط” وأشارك في هذا المؤتمر الذي يتمحور حول موضوع “إعادة النظر في أوضاع الشرق الأوسط”.
نحن نأمل أن تتمّ، خلال هذا العام، معالجة مشكلات المنطقة بروحية جديدة، روحية تنتشلنا من حالة الجمود واليأس، وترفعنا باتجاه السلام والاستقرار والتطوّر. في الواقع، نحن بحاجة الى كثير من العزم والتصميم لنتحرّر من دوامة البؤس التي تحيط بنا من كل الجهات، لذا نناشد قادتكم وقادتنا، ونطالبكم التحلي بالشجاعة الكافية والرؤية الواضحة لإحراز تقدّم في معالجة القضايا السياسية الكبرى العالقة.
ومما لا شكّ فيه أن “معهد الشرق الأوسط” كان، منذ تأسيسه في الستينات من القرن الماضي، يحتلّ مركزاً مرموقًا في مجال معالجة موضوعية ومتفهّمة لمختلف قضايا الشرق الأوسط من ثقافية وسياسيّة. وقد ساهمت دراسات المعهد ومنشوراته وحلقات البحث التابعة له في التعريف عن المنطقة وتأهيل العدد الأكبر من المعنيين بقضايا الشرق الأوسط.
وإذ أنتهز هذه الفرصة، فلكي أهنّئكم على إنجازاتكم وتصدّيكم الشجاع للتحديات التي تواجه المنطقة. لست هنا لأغرقكم بالوقائع والأرقام، وإنّما لأعرض عليكم وجهة نظر لبنانية وعربية علّها تسهم في إغناء الحوار في مؤتمركم العتيد.
من الطبيعي أن تتم عندكم معالجة إشكالات الشرق الأوسط من وجهة نظر غربيّة، وتحديدًا من منظور واشنطن السياسي والإعلامي. قد تتغيّر وجهة النظر هذه حسب التغيرات داخل أميركا ولاعتبارات دولية أخرى.
من الواضح أن إشكالات الشرق الأوسط مرتبطة بالنسبة لكم ارتباطاً وثيقاً بمصالح أميركا وأوروبا وسياساتهما.
أمّا بالنّسبة إليّ، كلبناني وعربي، فالأمر يختلف تماماً. لقد أمضيت حياتي في لبنان، وعملت في العالم العربي، وتعاملت مع كبرى المؤسسات العالمية.
انتُخبتُ عضواً في المجلس النيابي اللبناني، وعُيّنت نائباً لرئيس مجلس الوزراء، وترأست لجان المجلس. وقد أتاحت لي أعمالي الخاصة، وموقعي في الدولة اللبنانية، فرصة التعاطي المباشر مع رؤساء الدول العربيّة والدول الغربية أيضاً، مما جعلني أكوِّن وجهة نظر خاصة.
تعاطيت، كنائب لرئيس مجلس الوزراء، مع المشكلات الداخلية والإقليمية والدولية، لما بينها من ترابط كبير. اعتدنا، نحن اللبنانيين، التعايش مع المشكلات التي تحيط بنا. دفعنا الثمن غالياً على مرّ العقود، ولكننا تعلمنا فن المساومة والتوجّه نحو الحلول الوسطية. لقد اختبرنا الحروب ورفضناها كوسيلة لحلّ الإشكالات، وتيقّنّا أنها تؤزم الأوضاع وتزيد الخلافات تعقيداً. أصبحنا ننظر الى الأزمات كمعطى يجب إيجاد حلول لها، وليس كمعطى للتصعيد والمواجهة.
إنّ المشكلات التي تواجهنا في المنطقة هي الى حدٍ ما نفسها التي تواجهكم أنتم. من هذه المشكلات، النزاع العربي-الاسرائيلي، الدور السوري في عملية السلام، الأزمة في العراق، دخول النظام الإيراني المتشدّد في صلب العملية السياسية في المنطقة، الحكم والحكام في العالم العربي، العلاقات بين الأديان التوحيدية في الشرق الأوسط.
في الواقع، إنّ هذه المشاكل هي مشاكلنا، ولكنّها في الوقت نفسه مشاكلكم أنتم أيضاً. إلاّ أنّ ارتداداتها أقوى علينا ممّا هي عليكم. ومهما تنوّعت هذه الإشكالات وتفرّعت، فالطحن يكون عندنا وعلينا. من البديهي أنه لا يمكن أن نتفرّد بحلّها، كما لا يمكنكم أنتم أن تتفرّدوا بحلّها. بالتالي، وبمقتضى التاريخ، فإن التعاون مفروض علينا.
يحتلّ النزاع العربي-الإسرائيلي أولى أولوياّتنا.
هذا النزاع لا يرتدّ على لبنان فقط، بل على المنطقة وعلى العالم بأسره، إذ يؤدي استمراره إلى استمرار مئات الآلاف من الفلسطنيين في حالة معيشيّة بائسة؛ كما يشجّع على قيام حركات أصولية وإرهابيّة، ويغذي روح الكراهية تجاه الغرب، وهو عنصر أساسي في تأجيج النزاعات في المنطقة.
لقد حاولت إدارات أميركية سابقة حل القضية الفلسطينية إلاّ أن جهودها لم تحقّق الهدف المنشود.
الآن، وبعد جولات متكرّرة من المشاورات، باتت الأمور أكثر وضوحاً، وينبغي على إدارة الرئيس أوباما أن تدفع بالأمور الى الأمام للتوصّل الى حلّ عادل وشامل ودائم.
اليوم مطلوب من الغرب، الذي وقف الى جانب اسرائيل عند قيامها ومدّها بالمساعدات المالية والعسكرية، أن ينظر الى القضيّة الفلسطينيّة، ويدعم بقوة، مالياً وسياسياً، قيام دولة فلسطينية قادرة على الحياة والاستمرار.
لقد عانى الفلسطينيون الكثير من التهجير والتهميش والآلام، وحان الوقت ليعيشوا بكرامة وحرية ضمن دولة فلسطينية سيدة مستقلة.
ولا بد أن استذكر في هذه المناسبة الخطوة التاريخيّة الجريئة التي اتخذتها قمّة ملوك ورؤساء الدول العربية المنعقدة في بيروت عام 2002. لقد تبنّت هذه القمّة توصية الأمير عبدالله، ولي عهد الممكلة العربية السعودية حينذاك، قراراً يعترف بإسرائيل وبتطبيع العلاقات معها مقابل انسحابها الكامل من الأراضي التي احتلّتها في حرب 1967.
كانت تلك القمّة فرصة تاريخيّة. وعلى الرغم من أنها فقدت من زخمها مع مرّ الزمن، إلاّ أنّها لا تزال مبادرة جدّية يجب إحياءها والبناء عليها لتحقيق السلام المنشود.
وإننا نعوّل كثيرًا في لبنان على جهود السيناتور جورج ميتشيل، وعلى الدعم الذي توفّره له وزيرة الخارجية السيدة كلينتون، وعلى قيادة الرئيس أوباما وجهوده لإحراز اختراق للجدار المسدود لعملية السلام.
لن ننسى أبدًا ما يتمتّع به السيناتور ميتشيل من موهبة في حلّ النزاعات، كما تبيّن ذلك للملأ إبان حل قضيّة ايرلندا الشماليّة. ومما لا شكّ فيه أنّها موهبة ورثها عن والدته اللبنانيّة التي لم يتوانى عن ذكرها في كل مداخلاته الخطابية.
قد يخيَّل لكم بأن سوريا جزءٌ من المشكلة الإقليمية، أو جزء من حلّها، ولاسيّما المشكلة العربيّة-الإسرائيليّة.
في الواقع، تستحقّ سوريا اهتماماً خاصاً، وربّما مبادرة خاصة. فلسوريا، المستقرّة داخلياً والناشطة خارجياً، دورٌ أساسيّ في الشرق العربي، وهي معنيّة بعمليّة السلام هذه، إن من الناحية الإيديولوجية أو من الناحية الاستراتيجية.
كان من المفترض أن تكون سوريا حاضرة دائماً في قلب المباحثات المتعلّقة بمستقبل المنطقة، إذ إنّ نفوذها في لبنان وفي القضية الفلسطينية أمرٌ بديهي. وقد ازداد هذا النفوذ من خلال التعاون القائم مع تركيا وإيران.
يهمني، في هذا الصدد، أن أشدّد على دور سوريا وعلى أهمية إشراكها، بطريقة جدّية، في عملية السلام بعيداً عن السلبيات التي كانت تضعف العلاقات بينها وبين الدول الغربية.
يتمحور اهتمامنا بالعراق، إلى حدٍّ كبير، حول مصير العلاقات الدينية والمذهبية فيها. في لبنان، تخوّفٌ جدّي من أن يؤثّر أي تدهور في العلاقات بين الشيعة والسنّة في العراق، على وضع الشيعة والسنّة في لبنان، والسنة والشيعة في السعودية، والبحرين، ودول عربية أخرى.
نأمل بأن تتمكن العراق من التوصّل إلى تسوية على غرار ما توصّل إليه اللبنانيون في وثيقتهم الوطنية. كما نأمل أن تتفادى العراق الأخطاء التي ارتكبناها، فتتمكن من بناء دولة قوية مستقلّة، مبنيّة على أسس نظام ديمقراطي تعدّدي يجمع التنوع الديني والمذهبي على قاعدة المواطنة الحقّة.
العراق دولة غنيّة. فثروتها المائية والنفطية الهائلة تمكنها من التطور بسرعة وتقديم المساعدة للدول العربية الأخرى.
ولما كانت العراق تحتلّ موقعاً جغرافياً استراتيجياً يصل بين إيران من جهة والعالم العربي من جهة أخرى، فعليها أن تلعب دورًا استراتيجياً في العلاقات العربيّة الإيرانية.
مرّت هذه العلاقات بمناخات مختلفة ومتناقضة، وذلك منذ حروب القرن السادس عشر ما بين العثمانيين والفرس. أدّت هذه الحروب الى اضطهادات متبادلة: ضد السنّة في إيران، وضدّ الشيعة في الامبراطوريّة العثمانية. ولا تزال مخلّفات هذه الإضطهادات حيّة في الأذهان والمشاعر.
إنّ الأزمة القائمة الآن بين إيران والغرب من جهة، وبين إيران والدول العربيّة من جهة أخرى، هي أزمة حادة تستدعي معالجة تتحلّى بالروية والحكمة، وتتسامى فوق المناخات الطائفية المتشدّدة المخيّمة على المنطقة في الظرف الحالي.
ومع ذلك، تبقى الأزمة مع إيران مرتبطة بكيفيّة التّعاطي مع المسألة النوويّة، إضافة إلى التركيز على قضيّة أشمل ألا وهي موقع إيران في مستقبل منطقة الشرق الأوسط. هذا الموقع، يتطلب توضيحًا للعلاقات المستقبلية بين الإسلام الشيعي الممثل بإيران ما بعد الخميني، والإسلام السني الممثل بالسعودية ومصر.
ففي الوقت الذي نكثّف فيه العمل للتوصل الى حلّ النزاعات الإقليميّة، لا بد من أن نبذل أقصى الجهود من أجل تطوير أنظمة الحكم في العالم العربي.
نحن مسؤولون عن تطوير مؤسساتنا السياسيّة لجعلها أكثر ديمقراطية وأكثر قدرة على تلبية احتياجات الشعب ومطاليبه. من المستحب، في هذا المضمار، التعاون مع الدول الغربية الديمقراطية لدعم مساعينا في تحسين الأداء السياسي والإداري عندنا. فبلادنا تعاني من مشكلات ملحّة كالفقر، والأمّية، والبطالة، والتصحّر، وتضاؤل الموارد المائيّة، والرتابة والتقليد في أنظمتنا التربوية ولاسيما في برامج التعليم العالي.
نحن، في هذه المنطقة، مسؤولون عن مواجهة كلّ هذه الأزمات بالسرعة نفسها التي نواجه بها الأزمات المتعلّقة بالأمن أو بالعلاقات الدوليّة. هنا أيضًا، نمدّ إليكم اليد طالبين منكم التعاون والدعم المستمرّين لمؤسساتنا المدنية.
لا شكّ في أنّ منهجية الحكم، في أدائه وتعاطيه مع التحديات الكبرى، هي التي ستحدّد إمكانات الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط في مطلع القرن الحادي والعشرين.
هل يمكننا الالتزام بمحو الأميّة قبل بلوغ العام 2020؟ هل يمكننا استثمار موارد العالم العربي والاستعانة بخبرات العالم الغربي لإنشاء ستّ جامعات على الأقل تتمتّع بمستوى عالمي معترف به لتأهيل قادة الغدّ في شتى قطاعات التطور والإنماء؟ هل يمكننا تغيير الأجواء السائدة التي تجعل من الشرق الأوسط منطقة عنف وتخلف وانقسامات؟
هل يمكننا، أمام التحديات السياسية التي تواجهنا، أن نرجع إلى الأسس الدينية الصحيحة ونطرح مسألة الأديان السماوية الثلاثة وكيفية تعاطيها بعضها مع بعض في الشرق الأوسط؟
إنّ حالة الأديان الثلاثة، اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام، التي نشأت كلها في منطقة المشرق العربي، ليست أبداً كما يجب ان تكون. إنها تعاني كلها من انقسامات داخلية، ومن علاقات متوتّرة بينها. كما انها تظهر للملأ عن سلوكيات عدائية مخالفة للجوهر الذي تنطلق منه.
فاليهودية تطلّ علينا من خلال دولة صهيونية تواجه الإسلام والمسيحيّة المشرقيّة.
والمسيحيّة، التي تمثّل الأكثريّة في الغرب، هي في موقع دفاعي فاتر، تتقاطع مواقفها وتتداخل مع سياسات اقتصادية ذات منحىً توسعي لا تعبّر عن روحيتها الأصيلة.
أمّا المسيحيّة العربية، فهي في تراجع مستمرّ في القدس، في العراق، في مصر وحتى في لبنان.
بالنسبة إلى الإسلام، فهو أيضًا يمرّ اليوم في مرحلة دقيقة للغاية، متأرجحاً بين السلفية والحداثة، بين العلم والتقليد، بين تشدّد شيعي وتشدّد سنّي مقابل.
ونجد اليوم أنّ القواسم المشتركة بين هذه الديانات قد حُجّمت وربما ألغيت بسبب النزاعات السياسية التي تتحكم بها.
تعلمون جيداً أنّ المسألة الدينيّة هي في صميم كل نزاع قائم في الشرق الأوسط، كما أنها في أساس العلاقات التي تربط الشرق بالغرب.
إنّ التّعاطي مع مسألة الأديان الثلاثة بشكلٍ إيجابي هو الذي يسمح بتعزيز السلام في المنطقة والاستقرار في العالم. هذه مسألة تستحقّ التعامل معها بجدية إن في مجتمعاتنا في الشرق الأوسط أو في مؤسّساتكم الفكرية في واشنطن وفي عدد من الدول الغربية.
في الرابع من حزيران سنة 2010، ألقى الرئيس باراك أوباما خطابه الشهير في القاهرة.
وقد ناشد في هذا الخطاب الزعماء العرب السعي المشترك لحلّ المشكلات القائمة بين العالم الإسلامي والغرب. كان يشير الى مشكلات المنطقة من منظار روحي فكري متسامٍ إذ قال: “نحن نتشارك هذا العالم لفترة وجيزة من الزمن. السؤال يكمن في ما إذا كنّا سنمضي هذا الوقت بالتركيز على ما يبعدنا عن بعضنا البعض أو أننا سنلتزم بذل الجهد الدائم لإيجاد النقاط المشتركة، والتركيز على مستقبل نطمح إليه لأولادنا، مستقبل يحترم كرامة الناس جميعًا”. (نهاية الاقتباس)
انطلاقًا من هذا المنظار يمكن للإنسان أن يتخيّل، ويمكن للإنسان أن يبني أحلاماً.
أنا اليوم على ثقة بأن ما صدر من كلام عن الرئيس أوباما في القاهرة، وعن العاملين لإحلال سلام حقيقي في الشرق الأوسط، هو بمنزلة مبادرة حان وقتها.
في الماضي، تكلم دعاة الإصلاح عن إصلاح يتحقّق من خلال خطط عشرية. انطلاقًا من هذه الروحيّة، علينا أن نتطلّع الى العام 2020، ونطلق عمليّة تحقيق، ولو جزئي، لما نصبو إليه من استقرار وتطور وإصلاح.
دعونا نحاول بناء الجسور بين الدّيانات، دعونا نغيّر من مسار الحكم في المنطقة. دعونا نفتش عن الحلول للأزمات الأمنية في المنطقة. ودعونا نتّفق على برنامج عمل مشترك يهدف الى تطوير فعليّ للشرق الأوسط والى تحسين قدرات أبنائه.
وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجهنا، فلا يجوز لطموحنا إلا أن يكون كبيرًا لنتمكن من إجراء التغييرات الأساسية التي تحتاجها منطقتنا.
دعونا نتأمل ونحلم بأننا إذا عملنا معاً نستطيع أن نؤمّن مستقبلاً أفضل لشعوب الشرق الأوسط .
أودّ في الختام أن أتقدّم بالشكر الجزيل لكلّ من عمل على إنجاح هذا المؤتمر، وأن أخصّ بالشكر “معهد الشرق الأوسط” على العمل القيّم الذي أدّاه والذي سيستمرّ بتأديته على مدى السّنين القادمة.
دعونا، بروحيّة خطاب القاهرة الذي ألقاه الرئيس أوباما، نتخيّل شرق أوسط جديد.
وأخيراً، تخيّلوا معي ألاّ يكون باستطاعتنا أن نتخيّل.