روبير عبد الله
تكاد الألفية الثالثة تفتتح عهدها بانتشار الشبكة العنكبوتية، بل بتحول تلك الشبكة إلى عالم رديف يواكب حركة العالم المادي على أرض الواقع. وعليه صار تأسيس موقع إلكتروني أو عنوان بريدي، على الأقل، عملية شبه حتمية تواكب وضع الحجر الأساس لأي مشروع، من أبسط حانوت في بعض القرى مروراً بكل الصحف والمجلات وانتهاء بالمراكز الحكومية من وزارات ومصالح ودوائر. وبمقدار نضج المشروع وتوسع أهميته تتبلور واجهة الموقع الإلكتروني بنوافذها ومتفرعاتها. وبالمقدار نفسه أيضاً تسعى الجماعات البشرية لتحجز لنفسها مساحة في الفضاء المعلوماتي تعبر عنها وعن حضورها على مسرح القضايا والأحداث.
لذلك لم يكن مستغرباً أن ينسحب ما عرف عن الحرمان العكاري على أرض الواقع إلى فضاء المعلومات في الشبكة العنكبوتية، وإذا كنا بعد مضي قرنين ونيف على اجتياج الثورة الصناعية أصقاع العالم كافة ما زلنا في عكار نشهد صورأً كان ينبغي أن تكون من التراث، مثل مشهد الصبية حول الينابيع بغرض جلب مياه الشفة أو صورة ربات المنازل وهن يطهون الطعام على نار الحطب قدام المنازل.
وإذا كانت سِمة العصر تتمثل بالاستخدام الحثيث لمنجزات ثورة المعلومات والاتصالات، فإن عكار تشهد تأخراً مريعاً ستكون له آثاره المدمرة على المديين المتوسط والبعيد. إذ من المعلوم أن استخدام المنتج الصناعي والعلمي المتطور يصاحبه لا محالة في سياق ذلك الاستخدام تطوير للكفاءات العلمية والفكرية. فكيف الحال إذا كان ذلك المنتج فكرياً بحد ذاته، نعني به كل ما يمت بصلة إلى عالم الحواسيب وأشكال التواصل عبر شبكات الإنترنيت والمواقع والمحطات المعلوماتية.
فإذا استثنينا موقعين يتيمين في الفضاء المعلوماتي العكاري أي موقع Kobayat.org وموقع Sadaakkar، تكاد الساحة العكارية تخلو إلا من بعض المحاولات التي لم تشهد التواصل المعلوماتي المطلوب، وإلا فإن معظم أشكال التعاطي مع الحواسيب وشبكتها العنكبوتية توقف عند حدود الاستخدام السلبي، أي في مجال مضيعة الوقت على “الشاتينغ” أو البحث في مجال الأفلام الخلاعية أو في أحسن الأحوال ضمن حدود الألعاب الألكترونية.
امتاز الموقع الأول بدرجة عالية من التقنية بجهد دؤوب قام به المهندس إيلي عبود من بلدة القبيات، فشكل مجالاً من الطراز الرفيع للتواصل بين أبناء القبيات المقيمين وأولئك المنتشرين في لبنان وفي المهجر، كما تميز بتقديم مواد مختلفة في مجالات العلم والأدب والتاريخ والتراث والبيئة. وعلى الرغم من المسحة الإيديولوجية المهيمنة على ذلك الموقع، انطلاقاً من تسميته “الشبكة المسيحية للإعلام” وصولاً إلى تعظيم كل ما يمت بصلة إلى النشاط الكنسي وهو على أي حال لا يتنافى مع الصبغة العامة لأبناء القبيات، وبالتالي فهو يمثل تعبيراً صادقاً عنها، مع ذلك فقد حرص الموقع أيضاً على تقبل الفكر الآخر ونشر كافة أشكال الإنتاج الفكري والأدبي من دون أي تردد. وهو ما يُنصف مؤسس الموقع والمشرف على نشر مواده منذ وضع لبناته الأولى في العام 2000. وإذا كان الموقع على تلك الدرجة من الإتقان، إلا أنه بقي موقعاً قبياتياً فلم يغطِ الحالة العكارية، ولم تنشأ نماذج أخرى من المواقع المرتبطة بالبلدات أو القرى العكارية على هذا القدر من الأهمية، بل جل ما يمكن العثور عليه في معرض تصفح المواقع المرتبطة بعكار محاولات تتلعق بهذه البلدة أو تلك، بنادٍ ثقافي من هنا أو بتجمع عائلي من هناك، لكن معظم تلك المواقع تعثّر في بداية الطريق، فلم يبلغ أهدافه المرسومة، ولو ضمن تلك الأطر المحددة.
غير أنه في سياق آخر برزت تجربة وحيدة ولدت في أيار من العام الماضي. وعلى الرغم من حداثة سن المولود الجديد إلا أن ثماره بدأت تظهر للعيان. هو موقع عكاري شامل في الجغرافيا والأحداث والقضايا والموضوعات. على موقع صدى عكار sadaakkar هناك الحدث السياسي والأمني والقضائي، هناك التحقيقات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، يتداول هموم عكار والشمال، ولا يهمل مخيمي البارد والبداوي، ليس من موقعهما كمخيمات للاجئين بل من موقع الانتماء إلى القضية وبروحية البحث في حق العودة إلى فلسطين.
في الجغرافيا تمتد تغطية الأحداث والنشاطات بدءاً من وادي خالد حتى العبدة وببنين مروراً بمشتى حسن وشدرا والقبيات وحلبا ومنيارة وغيرها من القرى والبلدات، ومن قرى سهل عكار والجومة صعوداً حتى أعالي مشمش وفنيدق.
وفي السياسة يسعى للوقوف على مسافة واحدة من موالاة ومعارضة، فيهتم بالقوى السياسية الفاعلة من دون أن يهمل الأقل فاعلية.
على مدى سنة واحدة شملت صفحات الموقع التحقيقات الاجتماعية، فتحدثت في البيئة من دون أن تهمل الواقع الاجتماعي وهو ما ورد على سبيل المثال في مقالة بعنوان “إزرع ولا تقطع… إقطع لتتدفأ”، وتسأل في الاحتجاج على انقطاع التيار الكهربائي من دون أن تغفل استنكار حوادث الاعتداء على موظفي مؤسسة كهرباء لبنان.
ويكفي تصفح “آخر الأخبار” في صدى عكار لتعثر على أهم الأحداث الدولية أو الإقليمية مثل الإعلان عن إقلاع “سفينة من أجل الصحفيين الأحرار” المتوجهة لفك الحصار عن غزة. كما يتابع الموقع الخبر اليومي مثل التحضيرات التي يعلنها وزير التربية حسن منيمنة عشية بدء الامتحانات الرسمية. ولا يكتفي بنقل كلام الساسة والمسؤولين بل ينقل بأمانة المطالب الشعبية مثل الاعتصام الذي قام به أساتذة وطلاب شعبة كلية العلوم في المدرسة الرسمية في حلبا مطالبين بإنشاء فرع كامل لكلية العلوم في عكار. ولا يهمل سائر الأنشطة التنموية مثل الحديث عن ورشة العمل لمربي الدواجن في منطقة الجومة. ودائماً لا يخفي انحيازه للرئيس عصام فارس فيجعل الأنشطة المتعلقة به وبمؤسساته لازمة يومية، وهو ما يقرب البعض من الموقع وينفر البعض الآخر في ضوء قربه أو بعده من شخصية ونهج نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام فارس، وكان آخر هذه التعبيرات في مقالة بعنوان “وتسابقوا على محبة الرئيس عصام فارس”.
موقع صدى عكار حديث النشأة. ومع ذلك بدأ يحل ضيفاً يُستأنس به للتزود بما يخفى حتى عن وكالات الأنباء المتخصصة في نقل الخبر. لا سيما عندما يتعلق الخبر أو النشاط بعكار. بدأت تطل من موقع صدى عكار معالم الجهد الجماعي وهي الصفة البارزة التي يمكن أن تقف خلف أي نشاط إعلامي أو خلافه. لذلك بالإمكان تأييد أو معارضة القيمين على إدارة الموقع ونهجه وطبيعة المواد المنشورة، لكن بالإمكان أيضاً ومن خلال الموقع نفسه التعبير عن ذلك الاعتراض. وفي ذلك يتسع فضاؤنا الإعلامي والمعلوماتي، فإذا كان الحرمان المادي واقعاً موضوعياً فرضته إرادات الآخرين، فلماذا نستكمل ذلك الحرمان فكرياً ونساهم فيه؟