يعود بناء سوق الصاغة في طرابلس الى قرون خلت، لم يحدد تاريخ بناؤه بعد، باستثناء ما ذكره المؤرخون ان السوق أعيد بناؤه في عهد المماليك والذي ما يزال يحافظ على هذه الجمالية الفريدة من نوعها في العالم حيث تعتبر اسواق طرابلس المدينة المملوكية الثانية بعد القاهرة في العالم. كما يشتهر السوق بالاقبية المنتشرة فيه و”السيباطات”.
ما زال سوق الصاغة حتى يومنا هذا يشتهر ببيع اجمل الحلي والتصاميم ويعتبرالمركز تجاري الاهم لبيع الذهب والمصاغ المشغول على أنواعه رغم تراجع الصناعة المحلية فيه بعدما كانت تغزو الاسواق العربية والعالمية والاعتماد على المستورد من الخارج.
خلال جولتنا في السوق التقينا النقيب حالد النمل (رئيس نقابة جوهري وصائغي طرابلس والشمال) حيث قال: “يعود تاريخ صناعة الذهب في طرابلس الى أكثر من أربعمائة سنة، تميز فيها صائغو طرابلس بتصنيع أشكال هندسية رائعة ومتقنة جيداً، الى أن أصبحت طرابلس من أهم المدن المصدرة للذهب. حيث أصبح عدد المحلات في سوق الصاغة يقارب 120 محلا وعلى مستوى الشمال 200محلا”.
من أسباب تراجع الصناعة في طرابلس أشار النمل: “عدم تمكننا من امتلاك الماكينات الحديثة والمتطورة حيث أصبحت صناعتنا تقليدية ولم تعد رائجة في السوق اللبناني ولا تلبي كافة الاذواق بإستثناء من يفضلون اشكالا معينة”.
على الرغم من كل هذه التغيرات التي طرأت على صائغي طرابلس الا أنهم استطاعوا مواكبة آخر انواع الموديلات والفضل يعود الى التعاون الدائم مع نقابة بيروت كما أكد النمل “والتي أثمرت عن تلقي دعوات للنقابة للمشاركة في كل المعارض اللبنانية والدولية”.
وعن سر اهتمام المرأة الشرقية بإقتناء الحلي أوضح النمل انه: “قديما كان الاب يوصي اولاده بالحفاظ على الذهب والارض، والذي تبين مع مرور الزمن انه افضل ما يشتريه المرء هو المصاغ لانه بكل الظروف يحافظ على قيمته النقدية. وما زال اقتناء الذهب سائدا في مجتمعنا وبشكل خاص عند المرأة الشرقية، وخاصة الطبقة الوسطى.
أما اليوم لم تعد المرأة تفضل المجوهرات الاصلية بل تفضل شراء المجوهرات التقليدية، لانها تعتبرها عصرية أكثر، علما ان سعرها يقارب الذهب الحقيقي”.
وعن أكثر الانواع المطلوبة اليوم قال النمل: “الصناعة الايطالية وكذلك البيروتية لانها تضاهي الصناعة الايطالية والصناعة المزركشة التي تحتوي الاحجار الزرقاوية”.
أما بالنسبة للعروس فقد ذكر النمل ان هناك نوعان، نوع يفضل اقتناء الذهب الثقيل خاصة عيار 21 ونوع يفضل الموديلات الجديدة والمزركشة.
عن تميز مدينة طرابلس بصناعة الذهب أشار برهان كيال (صانع ذهب) “ان طرابلس كانت من المدن المميزة بصناعة الذهب وولع ابنائها بإقتنائه، أما اليوم لم تعد هذه الظاهرة سائدة في المجتمع الطرابلسي نتيجة الاوضاع الاقتصادية المادية”.
أضاف: “لم تعد صناعة الذهب هي الاساس في مهنتنا، لاننا لا نملك ما يملكه غيرنا من ماكينات حديثة ومتطورة، ويقتصر عملنا على تصنيع “المباريم”، لان تصنيعها لا يحتاج الى ماكينات وما زالت مطلوبة خاصة من الريفيات اللواتي يعملن في الحقول ويعتبرن ان المجوهرات الثقيلة تعمر أكثر من غيرها”.
ومن اسباب تراجع الصناعة في طرابلس أوضح كيال: “بعد أن أصبحت الفتيات تفضلن اقتناء المجوهرات غير الاصلية بإعتبارهن انها عصرية وتنسجم مع أذواقهن، لان صناعتنا تقليدية لكنها ما زالت تستقطب أذواق السيدات الكبار اللواتي تقدرن قيمتها الحقيقية”.
خالد البطش (صانع ذهب)
بدأ العمل في الرابعة عشرة من عمره، بداية تعلم طلاء الذهب والتصليح ومن ثم التصنيع. وموهبة الرسم التي يحملها منذ طفولته ساعدته في ابتكار العديد من الموديلات والاشكال، انه صانع الذهب الشاب خالد البطش الذي قال: “أقوم بصناعة كل الاشياء التي لا تتطلب قوالب الشمع كي لا اضطر لارسالها الى بيروت، لذلك افضل تصنيع ما أعرفه.
أحب الرسم كثيراً وكل ما أرسمه أعرضه على الزبائن، وعندما تعجبهم احدى رسوماتي ابدأ بالعمل على هذا الاساس، وهناك نوع من الزبائن يحضر رسومات خاصة به.
تتميز هذه الحرفة عن غيرها انك في كل يوم تكتشف شيئا جديدا واصبح التصنيع اسهل من السابق الفضل يعود الى التقنيات الحديثة التي تساعد في التصنيع والتصليح”.
وأكد بطش انه الوحيد من عائلته الذي عمل في هذه المهنة بعد ان توقف عن متابعة دراسته، وأكثر ما يسعده زيارة معلميه ومعلماته قاصدين خبرته. ويتمنى ان يصبح معلما محترفا يتخرج من تحت يديه العديد من الاولاد.
ويشترط بطش قائلا: “من اراد اتقان هذه المهنة عليه اولا تعلم كيفية التعامل مع الناس لانهم الاساس في عمله، فالنجاح في التعامل أهم من تعلم المهنة”.
يعتمد بطش في عمله على التصليح اكثر من التصنيع لانه لا يتطلب الوقت الكثير وفيه مكاسب اكثر، ومعظم ما يقوم بتصنيعه الاسماء المختلفة.
أهم المواد التي يستعملها صانع الذهب هي: البورق والاوكسجين والغاز لتذويب الذهب، السلندر لسحب سبابيك الذهب، الالتراسونيك لتنظيف الذهب والروديوم لطلاء الذهب وتحويله من اصفر الى ابيض.