افتتحت المستشارية الثقافية لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالتعاون مع مؤسسة الصفدي، معرض الفنون الإيرانية المعاصرة في مركز الصفدي الثقافي بطرابلس أمس، وذلك بحضور أحمد الصفدي ممثلاً الوزير محمد الصفدي، المستشار الثقافي في السفارة الإيرانية السيد محمد حسين رئيس زاده. وحضر الافتتاح، السكرتير الأول والملحق الصحافي في السفارة السيد سعيد أسدي، والملحق الثقافي السيد ابو الفضل صالحي نيا، والمدير العام لمؤسسة الصفدي رياض علم الدين، مدير فرع الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية ـ الفرع الثالث الأستاذ علي العلي، وحشد كبير من الفنانين والإعلاميين والمهتمين. ويستمر المعرض حتى يوم السبت 26 شباط الجاري.
بعد النشيدين اللبناني والإيراني، ألقى أحمد الصفدي كلمة استهلها بالترحيب بالحضور، حيث قال: “أهلاً بكم في المركز الثقافي الذي شاءهُ المؤسّس الوزير محمد الصفدي ملتقىً للحوار وللتبادل الثقافي في مدينةٍ تعاقبت على أرضها أعرق الحضارات وتميّز أهلها بالانفتاح على الثقافات”.
أضاف: “من دواعي سرورنا أن نستضيف معرض الفنون الإيرانية المعاصرة بالتعاون مع المستشارية الثقافية لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في طرابلس، لنتعرف على هذه الفنون التي تميّز الحضارة الإيرانية الغنية والمتنوعة”.
واعتبر “إن التبادل الثقافي بين شعوب العالم القديم وتحديداً بين العرب والإيرانيين أثمر على مدى العصور إبداعاتٍ فكرية وعلمية وفنية في الطب والفلسفة والشعر وغيره. فالقاموس العربي غنيٌ بالعبارات الفارسية، واللغة الفارسية مطرّزة بحروف العربية وكلماتها. إنها من أقدم أنواع العولمة التي عرفتها البشرية وهي بمضمونها الإنساني أرقى بكثير من بعض مظاهر العولمة المعاصرة”.
ولفت الصفدي إلى: “إن الفن الإيراني المعاصر يجمع بين الرموز الفارسية والنهج المعاصر، وهو يعتمد أساليب فنية متنوعة تعكس تطور مبدعيها. ومثلما يعد متحف طهران للفن المعاصر كرابع متحف تشكيلي في العالم، فإن مدينتنا طرابلس، تَراكَم التاريخ فيها حضارات وثقافات هي في عمقها تراث إنساني عظيم، نتطلع إلى نشره وتبادله مع الحضارات الأخرى”.
وقال: “إن المؤسسة حريصة على الانفتاح الثقافي مع مختلف الحضارات، وفكرة مركز الصفدي الثقافي الأساسية، هي التوازن بين الحداثة والأصالة، بما يعيد إنتاج التراث الماضي برؤية معاصرة”.
وأكد الصفدي أن “هذا المعرض هو باكورة التعاون مع المستشارية الثقافية الإيرانية ليتعرف مجتمعنا الطرابلسي الغني بعطاءاته الفكرية والفنية والثقافية، على إبداعات الفن الإيراني المعاصر، المستمدة من الحضارة الإسلامية الثرية”.
وختم آملاً “الارتقاء بالعلاقات اللبنانية – الإيرانية في شتى المجالات الفنية والثقافية”، ومتمنياً “العمل معاً على تعريف مجتمعاتنا بثقافة كل من البلدين؛ فنحن معنيون بأن تبقى طرابلس مدينةً لحوار الثقافات، فهي تستقبل دوماً الموجات الفكرية وتزداد انفتاحاً لأنها تتمتع بمناعة الأصالة التي تميز أهلها”.
بدوره عبّر السيد محمد حسين رئيس زاده عن سروره “في إفتتاح هذا المعرض، حيث نشهد وإياكم على المنجزات الإبداعية في الجماليات والتشكيل، وفن الخط، لأربعة من الفنانين الايرانيين الكبار. وكما يسرني ان اشارككم الافتتاح حيث يتلاقى الذوق الجمالي اللبناني في هذه المدينة الفيحاء طرابلس مع سحر الخط ودهشة الألوان الآتية من مدن ايران العريقة. وقال: “يأتي هذا المعرض في الأجواء السامية لولادة الرسول الاعظم(ص)، كما يأتي في سياق اسبوع الوحدة الإسلامية، حيث العالم الاسلامي يتطلع الى التواصل والتوادِّ ووحدة الكلمة، بين كل المسلمين ليواجهوا التحديات الكبرى في التقدم والرقي في جميع المجالات الحضارية والانسانية. كما ان هذا المعرض يأتي في مناخ عارم من الانتفاضات الشعبية في عدد من البلدان العربية من تونس ومصر وصولاً الى ليبيا. هذه الانتفاضات تبشرنا بمستقبل مشرق تبنيه الشعوب علی مرتكزات الحرية و العدالة والكرامة الوطنية. وقد دلت التجارب القريبة على حقيقة قدرة شعوبنا علی تحقيق سيادتها والخروج من دائرة التبعية”. ولفت: “اننا من موقعنا الثقافي والمعرفي نجد انفسنا متضامنين مع هذه الشعوب الصابرة والمجاهدة من أجل كرامتها وحريتها”. واعتبر زاده “ان مناسبة هذا النشاط الابداعي في ظل هذه الأجواء الروحية والثقافية العظيمة، إنما يضاعف من مستوى الإبداع، ويزيده أهمية في رفد وتفعيل التواصل الخلاّق بين لبنان و ايران، وبين بلادنا وسائر مجتمعات ودول هذه المنطقة”.
وقال: “ليس من شك في أن الابداع في سائر صنوفه وانواعه، و خصوصاً ما نشاهده اليوم في هذا المعرض، انما يشكل أحد اهم المرتكزات في البناء الحضاري والانساني. بل هو المعيار والدليل على رفعة الأمم ومدى تطورها والتحاقها في مدارج الحضارة البشرية”. ورأى “ان تنظيمنا لهذا المعرض، في هذه المدينة العريقة، الى جانب الاخوة الاعزاء في مركز الصفدي الثقافي، لهو نشاط يدخل في سياق فهمنا وإدراكنا لضرورة التفاعل والإلتقاء على أرض الإبداع بين لبنان الشقيق وايران. وإنني انطلاقاً من هذا الفهم وهذا الإدراك، لا بد لي ان أتوجه إليكم باقتراح مشروع يقوم على ضرورة وضع استراتيجية ثقافية لتعاون طويل الأمد بين الفن الابداعي في لبنان ونظيره في ايران. وهذا ايها الاصدقاء ينطلق برأينا من الرابطة الحضارية الجامعة بين ايران والعالم العربي وفي القلب منه لبنان”. مؤكداً “ان تمتين هذه الرابطة وتفعيلها يتطلب العمل على تأسيس دائرة تعاون ايرانية لبنانية لرعاية الفنون والجماليات. ومهمة هذه الدائرة وصل العلاقة بين المؤسسات والجمعيات والنقابات ووضع الخطط والبرامج والمعارض المشتركة بهدف التفاعل وتبادل المعارف في شتى حقول الابداع بين لبنان وايران الشقيقين”. ورأى “ان تقديم مثل هذا الاقتراح في هذه المناسبة يعني الكثير بالنسبة الينا، وأملنا كبير في ان يوفقنا الله تعالى لإنجاز هذا الاطار التعاوني في المستقبل القريب”.
وختم زاده: “انني اذ أبارك لكم هذا المعرض، أتوجه بالشكر الجزيل والتقدير الوفير الى اهل هذه المدينة الأكارم وإلى معالي الوزير محمد الصفدي، والى الاخوة في مركز الصفدي الثقافي على تعاونهم الخيِّر. سائلاً المولى تعالى ان يحفظ بلاد المسلمين ويسدِّدهم بالوحدة تحت راية رسول الله الأعظم(ص)”.
ثم قدم المستشار السيد محمد حسين رئيس زاده إلى السيد الصفدي لوحة تذكارية تضمنت عملاً قرآنياً مميزاً(آية الكرسي)، وافتتحا المعرض الذي ضم ما يقارب الـ 120 عملاً في فن الخط الفارسي وفن التذهيب وفن المنمنمات وفن الكاليغرافي، إضافة إلى معرض صور فوتوغرافية عن إيران(50 صورة) أظهرت بعض معالم الحياة اليومية في مجتمعها، وذلك بحضور الفنانين الإيرانيين الأربعة الذي أبدعوا هذه الأعمال، والذين تولوا تقديم الشرح الكافي والمفصل عن أعمالهم التي لاقت إعجاب الحضور.
الجدير بالذكر أن الفنانين الأربعة هم: فنان الخط سيد جليل محيط، وهو يعتبر من الأساتذة البارزين في أنواع الخط العربي والفارسي، والفنان في المنمنمات رضا بدر سيماي المشهور بهذا الفن، حيث أقام أكثر من 25 معرضاً شخصياً وشارك في أكثر من 300 معرض داخل إيران وخارجها، وحاز على جوائز عدة. اما فنان التذهيب محمد طريقتي فقد أقام العديد من المعارض في إيران وخارجها (بريطانيا، كندا، فرنسا، تركيا، أذربيجان وسوريا، وله أعمال كثيرة منشورة. اما فنان الكاليغرافي محمد سعيد نقاشيان، فهو يدرّس الكاليغرافي والغرافيك في المؤسسات التعليمية وبالأخص الجامعات، وأقام وشارك في عديد من المعارض داخل إيران وخارجها من بينها فرنسا وروسيا البيضاء وايطاليا.