بقلم فايز فارس
نظّم مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية مؤخراً مؤتمراً تحت عنوان “إحياء الدور المسيحي في المشرق العربي”، شارك فيه عدد كبير من المفكرين والباحثين العرب، لبنانيين ومصريين وأردنيين. واتفق الجميع على أن إحياء (أو تفعيل) الدور المسيحي، وغير المسيحي، في هذا المشرق العربي المشلّع يستدعي تصحيح إداء كل المجموعات الدينية والاثنية المنتشرة في كل الأقطار العربية من المحيط إلى الخليج أكثرية كانت أم أقليّة. هي ورشة عمل كبرى، وبحجم هذا العالم العربي، تتطلب منّا جميعاً وقبل فوات الأوان، بذل أقصى الجهود والتضحيات، من أجل المحافظة على وجود كل الأقليات عبر طرد وإسقاط كل مشاعر القلق والخوف والكراهية وما يستتبعها من تعصب أعمى وتطرف قاتل وعنف مدمّر.
كمال الصليبي سأل: “ما هو هذا الدور المسيحي الذي نتحدث عنه اليوم؟ ” وأجاب: “إذا شئنا نحن المسيحيون البقاء على مستوى هذا الاستحقاق التاريخي الذي من خلاله يتقرر حضورنا ومصيرنا، فواجب علينا تجاه أنفسنا بادىء ذي بدء فهم أوضاعنا على حقيقتها على أننا جزء من كل، والكف عن العيش في الأوهام، وإستعادة الثقة بأنفسنا وبهويتنا العربية التي نستمد منها كل ما نتميّز به”.
ابراهيم مهدي شمس الدين قال: إن قلّة المسيحيين في لبنان ليست المشكلة ولا كثرة عدد المسلمين، المشكلة هي في تلاشي الدولة ووهنها وليست مع الأكثرية المسلمة. عباس الحلبي اشار إلى أنّ “مأساة العلاقة الإسلامية المسيحية هي في ازدواج اللغة لا بل تعددها، فقول لجماعتنا وقول للآخر، لا رابط بينهما ولا إنسجام أبداً”. محمد السمّاك يسأل: هل بدأ الشرق يضيق ببعض أهله بعد أربعة عشر قرناً من العيش المشترك؟ وهل مسيحيو الشرق ضحية الفعل المسيحي الغربي أم ضحية الفعل الإسلامي الشرقي؟ ويجيب: إن هجرة المسيحيين المشرقيين ليست سوى شهادة سلبية ومشوّهة عن الإسلام والمسلمين.
غالب أبو زينب أكد على إن المسيحية هي مشرقية عربية أصيلة ولا تحتاج إلى مصادقة أو موافقة أحد.. وأن الهجرة ليست إمتيازاً مسيحياً بل شاملا لكل مكونات المجتمع، مسيحيين ومسلمين على السواء. فهمي جدعان من الأردن أشار إلى الضائقة الإقتصادية والاستبداد السياسي وقمع الحريات والكرامة الانسانية.. كأسباب جوهرية تدفع بالمواطن العربي، مسيحياً كان أم مسلماً إلى الهجرة إلى الغرب بحثاً عن غد أفضل، بعدما أكد على أن “إرساء دعائم المواطنة هو المدخل لحل المشكلة والتي لا تعني أن يكون المجتمع المدني عدواً للدين أو بديلاً عنه”. كذلك دعى نبيل عبد الفتّاح من مصر إلى إصلاحات عميقة في مناهج التعليم والتنشئة السياسية بهدف تكريس المساواة والمواطنة والحرية الدينية.
بين تراجع الدور المسيحي ويقظة الشيعة المفاجئة وتخبط السنّة في أدوارهم، أجمع المتحدثون على ضعف الدولة العربية منذ نشأتها مطلع القرن الماضي كبناء إجتماعي مؤسساتي عادل جامع ومساو. كما أقرّوا كل على طريقته ومن موقعه إنّ الوجود المسيحي في هذا المشرق العربي هو، شئنا أم أبينا، مسؤولية عربية إسلامية ومعضلة مسيحية في آن معاً، وذلك منذ إنطلاقة الفتح العربي الإسلامي حتى يومنا هذا.